المصدر: أتلانتيك كاونسل
ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات
تمهيد:
نشر "المجلس الأطلسي" تقريرًا يتضمن آراء محللين ودبلوماسيين سابقين متعاونين معه، في إطار تقييم الضربات الأمريكية على المنشآت النووية في إيران، ومآلاتها على المنطقة.
وفيما يلي، أبرز تقييم خبراء "المجلس الأطلسي" لأهمية الضربات الأمريكية، وتوقعاتهم لتداعياتها إقليميًا وعالميًا:
********************************************************
ترامب يتخذ القرار الصائب، فهل يفعل "خامنئي" الشيء نفسه؟
تكتيكيًا، لا يوجد سبب للشك فيما صرّح به "ترامب"، بأن الضربات كانت "نجاحًا باهرًا"؛ فأعتقد أن ترامب اتخذ القرار الصائب استراتيجيًا، حتى إن كانت المخاطر عالية والنتائج النهائية غير مؤكدة. فطبيعة تلك المخاطر واحتمالات تلك تعتمد النتائج الآن على القرارات التي ستُتخذ في طهران، فالخيارات الاستراتيجية للمرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، واضحة. وأحد الخيارات المطروحة هو أن "يتجرع كأسًا مسمومة"، كما فعل سلفه لإنهاء الحرب الإيرانية العراقية، وأن يتفاوض مباشرةً وفوريًا مع "ترامب" لإنهاء الصراع. وهذا يتطلب، على الأقل، موافقة إيرانية على الامتناع نهائيًا عن أي تخصيب محلي، ناهيك عن السعي لامتلاك أسلحة نووية.
ويليام ف. ويشلر: المدير الأول لبرامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي، ونائب مساعد وزير الدفاع للعمليات الخاصة ومكافحة الإرهاب سابقًا.
********************************************************
الولايات المتحدة أنهت أحد أخطر التهديدات على سياستها الخارجية
عملتُ لأكثر من عقدين على الأزمة النووية الإيرانية، وتوقعتُ منذ فترة طويلة أن هذه القضية ستنتهي، بل ينبغي، بضربة أمريكية على البرنامج النووي الإيراني. وبينما يخشى آخرون من حرب إقليمية أوسع، بل وحتى حرب عالمية ثالثة، فإن هذا لن يحدث؛ فالخيارات الانتقامية لدى إيران قليلة، وهي تخشى حربًا كبرى مع الولايات المتحدة، وقد تُطلق ضربات صاروخية رمزية، لكن توقعوا أن تهدأ هذه الأزمة بسرعة، كما حدث مع ضربات "ترامب" على "سليماني" عام 2020.
ويخشى آخرون من أن تغضب إيران وتُضاعف جهودها لإعادة بناء قنبلة نووية، بماذا؟ فمنشآتها النووية أصبحت كومة من الأنقاض، وعلى الأرجح لن يُعاد بناؤها. لقد أنفقوا مليارات الدولارات وأمضوا عقودًا فقط ليُجبروا في النهاية على فرض عقوبات وحرب مدمرة مع أقوى دولة في العالم؛ فلماذا نضغط على زر إعادة التشغيل على هذا الشريط؟ وإذا أعادت إيران بناء نفسها، فيُمكننا ضربها مرة أخرى. إن البرنامج النووي الإيراني الذي كان يُمثل أحد أخطر التهديدات للسياسة الخارجية الأمريكية لأكثر من عقدين، لم يعد موجودًا، وقد يكون هذا أكبر إنجاز للسياسة الخارجية الأمريكية منذ نهاية الحرب الباردة.
ماثيو كرونيج: مدير مركز سكوكروفت للاستراتيجية والأمن التابع للمجلس الأطلسي ومدير الدراسات في المجلس
********************************************************
مساران محتملان لرد إيران
لدى إيران الآن مساران؛ الخيار الأول: يمكنها اختيار شنّ ضربة تهاجم فيها قواعد أمريكية في المنطقة، لكن بقصد إحداث تأثير محدود؛ وهذا سيمكّن النظام الإيراني من الادعاء بأنه دافع عن بلاده، ووقف في وجه الولايات المتحدة، ما قد يدفع بدوره إلى استئناف الحوار الدبلوماسي. ومن غير المرجح أن تستسلم إيران ببساطة. ونأمل أن تعمل واشنطن أيضًا عبر قنوات خلفية لتوفير مخرج دبلوماسي لإيران يحفظ ماء وجهها؛ فبدون وجود سبب يُمكّنها من الادعاء باستجابة أقل حدة، قد ينتصر المتشددون في النظام الإيراني في النهاية، ما قد يؤدي لنتيجة أكثر خطورة بكثير.
أما المسار المحتمل الآخر فهو أن يُقرر النظام الإيراني أن الضربات الأمريكية، والتهديدات المستمرة التي وجهها "ترامب" لإيران خلال خطابه، ستُجبره على شن هجوم كبير ضد أفراد ومصالح أمريكية. ومن المحتمل أن يُؤدي ذلك إلى تصعيد للهجمات والهجمات المضادة، ما قد يؤدي إلى حرب إقليمية. وإذا رأت إيران أن نظامها يتعرض للخطر، فقد تسعى ليس فقط لاستغلال وكلائها في الشرق الأوسط لمهاجمة المصالح والأفراد الأمريكيين، بل قد تُنفذ أيضًا هجمات ضد أهداف "إسرائيلية" أو يهودية أو أمريكية عالمية.
لكن السؤال الذي لا يزال دون إجابة هو: هل تم تدمير البرنامج النووي الإيراني حقًا؟ فإذا كان قد تم تدميره بالفعل، فلن تكون هناك حاجة لضربات أخرى ضد المواقع المرتبطة بهذا البرنامج، وهو ما أن "ترامب" يُفضله. لكن إذا تبيّن أن الضربات لم تكن فعّالة تمامًا، أو أن إيران نقلت أجزاءً من برنامجها النووي، أو أن لديها مواقع نووية سرية، فمن غير المرجح أن تكون هذه هي نهاية هذه الضربات كما سعى "ترامب".
جوناثان بانيكوف: مدير مبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط التابعة للمجلس الأطلسي
********************************************************
الضربات الأخيرة تُتيح مخرجًا لإيران و"إسرائيل" لإنهاء الحرب
ستحتاج الولايات المتحدة إلى توجيه رسالة واضحة إلى إيران مفادها أنه إذا ردّت طهران ووكلاؤها على القوات الأمريكية في المنطقة، فسيواجهون ردًا ساحقًا. وستكون هناك حاجة لدبلوماسية فعّالة وفورية، بدعم من شركاء إقليميين مثل عُمان وقطر، لجعل كلا الجانبين يُدركان أن هذه الحرب قد وصلت إلى نهايتها. وبمجرد توقف الأعمال العدائية، ينبغي البدء بجهد دبلوماسي متجدد لضمان تخفيف العقوبات عن إيران إذا التزمت بعدم إحياء برنامجها النووي، ووقف دعمها للجماعات الإرهابية، ووضع قيود واضحة على برنامجها الصاروخي الباليستي. فقد انكشف ضعف القيادة الإيرانية، وقد ترى في هذه التنازلات ما يعزز هذا الانطباع، لكن قد يكون هذا أيضًا سبيلها الوحيد لإنقاذ النظام من الانهيار. وسيتعين على الشعب الإيراني أن يقرر إذا كان النظام، الذي لم يجلب لإيران سوى الخراب، قد وصل إلى لحظة الحقيقة، لكن يجب أن تبقى هذه العملية داخلية، لا أن تُمليها جهات خارجية.
هناك أيضًا فرصة لاستغلال هذه اللحظة المحورية وإيران في أضعف حالاتها، لتأمين وقف إطلاق نار واتفاق لتبادل الأسرى في غزة، يُنهي الحرب ويُعيد جميع الرهائن المتبقين ويُخرج "حماس" من السلطة، بإرسال القادة والمقاتلين المتبقين إلى المنفى، ويُوفر الإغاثة وإعادة الإعمار (بدعم من الدول العربية الرئيسية) للفلسطينيين في غزة. إنها أيضًا لحظة سانحة للمضي قدمًا في إحياء جهود تطبيع العلاقات بين السعودية و"إسرائيل"؛ فهناك مخاطر في هذه اللحظة، ويجب إدارتها. لكن بعد مأساة السابع من أكتوبر، فهناك أيضًا فرص لكل من "إسرائيل" ودول الخليج وسوريا ولبنان والفلسطينيين وشركاء الولايات المتحدة، للمساهمة في بناء منطقة أكثر سلامًا وتكاملًا وأقل تعرّضًا لتهديد إيران ووكلائها.
دانيال ب. شابيرو: زميل في مبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط التابعة للمجلس الأطلسي، وسفير الولايات المتحدة الأسبق لدى "إسرائيل"
********************************************************
ترامب يرسل إشارة قوية إلى روسيا والصين
إن هذه الضربات الأمريكية الناجحة تحرم طهران من أي نفوذ نووي في المحادثات مع الولايات المتحدة، على الأقل في الوقت الحالي، وتضع النظام الإيراني أمام خيارين: إما السعي للسلام أو الحفاظ على موقف المتحدي والتهديد بالانتقام. ويبدو أن النظام في طهران ما زال يعتقد أن خياره الأمثل هو رفض الاستسلام لإصراره على امتلاك برنامج نووي، والمراهنة على قدرة بلاده على الصمود في وجه مزيد من الهجمات. وقد راهن نظام طهران بجزء كبير من هويته على الحفاظ على مشروعه النووي وتطويره، وربما يشعر بأنه سيفقد هيبته أمام شعبه إذا وافق على شروط واشنطن لامتلاك برنامج نووي مدني.
وسواءً قبلت إيران طاولة المفاوضات أم لا، فقد أرسل "ترامب"، من خلال هذه الضربات، إشارة قوية إلى داعمي إيران، روسيا والصين، مفادها أن رغبته في تجنب التورط في حروب جديدة لا تمنعه من استخدام القوة عندما يعتقد أن المصالح الجوهرية للولايات المتحدة في خطر.
آلان بينو: زميل غير مقيم في مبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط بالمجلس الأطلسي، وخدم سابقًا لمدة سبعة وثلاثين عامًا في وكالة الاستخبارات المركزية
********************************************************
هل حقًّا أنهت الضربة الأمريكية البرنامج النووي الإيراني؟
صرّح البيت الأبيض بأن الضربة قضت على البرنامج النووي الإيراني، لكن الأمر سيحتاج على الأرجح إلى مزيد من المعلومات الاستخباراتية والتقييمات الميدانية، لتحديد إذا كانت هذه الضربات قد نجحت حقًا في وقف القدرة النووية الإيرانية وكيف.
وبعد الهجمات، تشعر موسكو بالقلق بالتأكيد من تأثير ذلك على استقرار النظام الإيراني. في السنوات الأخيرة، عززت موسكو علاقاتها مع طهران التي دعمت حربها ضد أوكرانيا، ومع سقوط نظام "الأسد" في سوريا وتراجع طهران، أصبح نفوذ روسيا في الشرق الأوسط أكثر هشاشة من أي وقت مضى. ويواجه "بوتين" الآن معضلةً عويصةً في التعامل مع الولايات المتحدة وإيران و"إسرائيل"، إضافةً إلى مصالحه المعقدة في الخليج. في النهاية، لا يُرجح أن يبذل "بوتين" جهدًا كبيرًا لإنقاذ إيران، ولا ينبغي أن نتوقع منه رد الجميل بتسليح طهران أو مساعدتها عسكريًا.
تريسا غينوف: مديرة البرامج والعمليات وزميلة بارزة في مركز سكوكروفت للاستراتيجية والأمن في المجلس الأطلسي، ونائب سابق لمساعد وزير الدفاع الأمريكي لشؤون الأمن الدولي
********************************************************
الصين لن تبذل جهدًا كبيرًا لمساعدة سفينة إيران الغارقة
كتب الملحق العسكري الصيني السابق في إيران، العقيد المتقاعد ليو تشيانغ، إن "بقاء إيران يُعتبر مسألة تتعلق بالأمن القومي الصيني"، بينما وصف آخرون في الصين تغيير النظام في إيران بأنه خط أحمر. ومع ذلك، تتفق هذه الأصوات وغيرها في الصين عمومًا، كما أوضح "ليو"، على أن "التدابير الاستباقية" التي تتخذها بكين ستهدف إلى "تخفيف التأثير على مصالحها الوطنية". ومن غير المرجح أن تتدخل الصين عسكريًا، بل ستركز دعمها على المناصرة الدبلوماسية في الأمم المتحدة.
علاوةً على ذلك، قد تتسامح الصين سرًا مع بعض الإجراءات التي تخدم مصالحها الأساسية أو تمتنع عن عرقلتها، حتى في الوقت الذي تُدين فيه الضربات الأمريكية "الإسرائيلية"، ومن الشواهد على ذلك:
1- حذّر خبراء صينيون من أن إغلاق مضيق هرمز "سيُوحّد المجتمع الدولي ضد إيران"، في ظل تهديد شخصيات إيرانية بذلك؛ حيث تخشى بكين أن يُعرّض هذا التصعيد إمداداتها من الطاقة للخطر، ويُضعف اقتصادها، ويؤدي لردّ أمريكي أشدّ قسوة.
2- يُعدّ الانتشار النووي خطًا أحمر آخر؛ فإذا سارعت إيران نحو امتلاك قنبلة نووية، من المتوقع أن تدعم الصين فرض عقوبات دولية جديدة عليها، ولن تحمي إيران من ردّ الفعل العالمي العنيف.
3- أي هجوم إيراني على شركاء الصين في الخليج، وتحديدًا السعودية أو الإمارات، يُعرّض مصالح بكين الحيوية في مجال الطاقة والاقتصاد للخطر، ولن تتغاضى الصين عن مثل هذه التحركات.
وبالتالي، فإن الهجوم الأمريكي على إيران يُوجّه رسالة رادعة قوية إلى بكين وموسكو، ويُرسّخ في الوقت ذاته هيمنة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. فالمحللون الصينيون، الذين كانوا يُحمّلون إيران سرًا مسؤولية مأزقها الحالي، يُشيرون الآن علنًا إلى جمودها الأيديولوجي والديني، وسوء تقديراتها الاستراتيجية، وسياساتها الإقليمية العدوانية، ورفضها تعديل سلوكها بما يتناسب مع قدراتها. كما إن الصين لم تفعل الكثير لمنع انهيار "الأسد"، فإذا خلصت بكين إلى أن الوضع لا يمكن إصلاحه فلن تفعل الكثير لمساعدة سفينة إيران الغارقة.
توفيا جيرينج: محللة في مركز "سياسة إسرائيل والصين" التابع لمؤسسة "ديان وجيلفورد جليزر" في "معهد دراسات الأمن القومي"
********************************************************
ترامب أصبح في وضع أقوى لوقف العدوان الروسي على أوكرانيا
إن الضربة الأمريكية المدمرة للبرنامج النووي الإيراني تُظهر أن "ترامب" يُدرك الحاجة لاتخاذ إجراء حازم، عندما تكون المصالح الأمريكية على المحك، وقد تصرّف الآن بناءً على هذا الفهم في الشرق الأوسط. ويمكن، بل ينبغي، أن ينطبق "ترامب" الأمر نفسه على أوروبا الشرقية، وهذا لا يتطلب تدخلًا عسكريًا أمريكيًا، بل يتطلب فقط زيادة الضغط الاقتصادي على روسيا وإرسال إمدادات عسكرية إلى أوكرانيا، وفي ظل إدارة "ترامب" أصبح معارضو هذه السياسة السليمة أضعف.
يتمتع "ترامب" الآن بموقف أقوى بكثير تجاه "بوتين" مما كان عليه قبل الهجوم على إيران؛ فلم تفعل روسيا شيئًا للدفاع عن حليفتها إيران سوى التصريحات. وإذا بدأت الولايات المتحدة ممارسة الضغط على روسيا الذي وعد به "ترامب" بسبب عرقلة "بوتين" للسلام، فسيكون قد اتخذ خطوة كبيرة نحو وقف العدوان الروسي في أوكرانيا.
جون إي. هيربست: مدير مركز أوراسيا التابع للمجلس الأطلسي، وسفير الولايات المتحدة السابق لدى أوكرانيا