المصدر: جينز إنتلجنس ريفيو
ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات
الرابط: لقراءة وتحميل الترجمة / اضغط هنا
تمهيد:
أشارت مجلة "جينز إنتلجنس ريفيو" في تقرير صادر عنها إلى أن نظام الأمن القومي "الإسرائيلي"، يعرّف الجمهورية الإسلامية الإيرانية وطموحاتها الإقليمية بأنها التهديد الأمني الرئيسي الذي يواجه "إسرائيل". ومع ذلك، فإن هذا النظام الأمني لا يعتبر إيران تهديدًا وجوديًا لعدم امتلاكها أي أسلحة دمار شامل حتى الآن. وقد نشر "يعقوب عميدرور"، مستشار الأمن القومي السابق لرئيس الوزراء "الإسرائيلي" السابق، بنيامين نتنياهو، مقالًا عام 2018 قال فيه إن "إسرائيل" مصمّمة على منع إيران من بناء جسر ضدها من خلال وكلائها على حدودها، مضيفًا أن "هدف إسرائيل يتمثل في إعاقة القدرات النووية والصاروخية بعيدة المدى التي تطورها إيران"، وأن "إسرائيل مستعدة للعمل بقوة ضد إيران، ما قد يؤدي إلى حرب شاملة".
خطوات الجيش "الإسرائيلي" لمواجهة إيران
عادةً ما تتسم التوقعات الأمنية "الإسرائيلية" بصياغة حلول سريعة وفورية للمستجدات والمشاكل التي تطرأ، بينما تميل إلى استبعاد التفكير الاستراتيجي والمفاهيمي الأوسع والمتكامل. وفي الوقت الحالي، يحاول المسؤولون الأمنيون في "إسرائيل" تفادي الوقوع في مثل هذا الفخ، وإيجاد فهم متكامل فيما يتعلق بالخطر الإيراني. فقد أعلن جيش الدفاع "الإسرائيلي" (IDF) عن تشكيل ما يعرف بـ"الدائرة الاستراتيجية والدائرة الثالثة بالجيش"، في حزيران/ يونيو 2020، المعروفة أكثر باسم "مديرية إيران"، وكلّفها بوضع حلول لـ"تقويض جهود إيران النووية أو، إذا لزم الأمر، مواجهة العدوان الإيراني".
وبحسب التقرير، فقد تم تشكيل هذه الدائرة كجزء من خطة "الزخم" التي أطلقها رئيس أركان الجيش "الإسرائيلي"، أفيف كوخافي، والتي تهدف إلى تجهيز جيش الدفاع للصراع ضد خصوم "إسرائيل". يذكر أنه في السابق عمل الجيش "الإسرائيلي" من خلال ثلاث "مديريات" أساسية، هي "العمليات والاستخبارات والتخطيط"، وكانت تعمل جنبًا إلى جنب مع قيادات الجيش الإقليمية الأربعة والقوات الجوية والبحرية. وتشكلت مديرية "الدائرة الثالثة" بعد تقسيم مديرية التخطيط إلى قسمين، هما "مديرية تعزيز القوة" التي يُعزى إليها جميع مهام مديرية التخطيط سابقًا وهي: "التخطيط الاستراتيجي، التنظيم العسكري، وتطوير القوات التقليدية"، أما القسم الثاني فكان تأسيس "مديرية الدائرة الثالثة" والتي تركز على التحدي الاستراتيجي لإيران ويقودها العميد "تال كيلمان".
وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة "معاريف" اليومية الصادرة باللغة العبرية في السابع من أيلول/ سبتمبر 2021، أوضح "كيلمان" أهمية "توسيع دائرة الإدراك الإسرائيلي للتهديدات"، مضيفًا: "لو كنا جالسين هنا منذ عشر سنوات، ووضعت أمامكم الخطر الإيراني فقط، لكنّا رأينا أن إيران لازالت وحدها وربما أضيف إليها حزب الله في لبنان، لكن التطورات التي حدثت خلال السنوات الأخيرة كانت في كل من سوريا والعراق واليمن، وبالتأكيد في قطاع غزة، وهذه دول وأقاليم ذات مستويات حكومية منخفضة أو ليس لديها حكومات أصلًا، وبالتالي يمكننا القول إن إيران تبني قوة بالوكالة بقدراتها العسكرية، وتزوّد هذه القوى بأفضل المعدات العسكرية والمتطورة بشكل كبير."
من جهة أخرى، تم الكشف عن خلافات كبيرة في الدوائر الداخلية لنظام الأمن "الإسرائيلي" حول أولويات "إسرائيل" لمواجهة إيران؛ حيث تركز "الدائرة الثالثة" على الطبيعة الإقليمية للعدو وضرورة صياغة رد يتحدى إيران بشكل مباشر. بالمقابل، يركز الفريق الآخر، رغم أنه لا يختلف جوهريًا عن الرأي الأول، على ضرورة تخصيص الموارد لتحقيق نصر حاسم ضد التهديدات الفورية والملموسة التي تسميها "إسرائيل" "الدائرة الأولى"، وهي القوى غير النظامية المنخرطة بشكل مباشر ضد "إسرائيل"، أي حركة "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في فلسطين، و"الدائرة الثانية" أي "حزب الله".
كيف ينظر "الإسرائيليون" إلى التهديدات الإيرانية
يرى المحللون "الإسرائيليون" أن استراتيجية إيران هي الظهور كقوة مهيمنة في الشرق الأوسط، مع تطلع واضح لتدمير "إسرائيل" وإنهاء قوتها في نهاية المطاف. ورغم أن طهران لا تحرك قوتها المسلحة التقليدية لتحقيق هذا الهدف إلا أنها تركز، بحسب الفرضية "الإسرائيلية"، على الاستفادة من النشاط العسكري السياسي بالوكالة على حدود "إسرائيل"، إضافةً إلى الاستثمار في برنامج الصواريخ الباليستية، أما بالنسبة لتطوير القدرة النووية الإيرانية فهي بمثابة ضمان وحماية للعنصرين السابقين.
وبحسب الرواية "الإسرائيلية"، فإن "فيلق القدس" التابع لحرس الثورة الإسلامية "الباسداران"، هو من يقوم بتوجيه القوات بالوكالة للتأثير على الحدود القريبة من "إسرائيل" بمساعدة جهاز المخابرات والأمن الإيراني. ويتم تنفيذ هذه الاستراتيجية في كل من العراق ولبنان وسوريا واليمن وقطاع غزة، وتعتمد على زرع أو تجنيد منظمات سياسية وعسكرية بالوكالة، لتُستخدم في بناء النفوذ وإظهار القوة، ولتوفير غطاء لاستخدام القوة من قبل إيران "عند الضرورة".
وبحسب "عميدرور"، فإن الأيديولوجية الإسلامية الشيعية تصوِّر "إسرائيل" على أنها غرس غربي في المنطقة، وبالتالي فإن استخدام الشعبية الكبيرة للقضية الفلسطينية بين السكان الناطقين بالعربية يعتبر عنصرًا أساسيًا، في الحفاظ على استراتيجية إيران في التعامل مع "إسرائيل". وهذا يعني أن إيران تتعامل مع "إسرائيل" باستراتيجية الحرب طويلة المدى، التي من شأنها أن توظف الصواريخ وتستفيد من الوكلاء والقوات العسكرية وتهدد بالقدرة النووية، لإخضاع "إسرائيل" لضغوط طويلة المدى بحيث تصل بها إلى الانكماش ثم الانهيار في نهاية المطاف.
شكوك حول وجود استراتيجية "إسرائيلية" متفق عليها لمواجهة إيران
في المقابلة التي أجراها العميد "كيلمان" مع صحيفة "معاريف" العبرية، قال إن هناك فعلًا استراتيجية "إسرائيلية" شاملة مضادة لطهران. ومع ذلك، لم يجزم جميع كبار المسؤولين الحاليين أو السابقين أن مثل هذه الاستراتيجية قد تمت صياغتها فعلًا أو أنه يجري تنفيذها على أرض الواقع. فعلى سبيل المثال، قال النائب السابق لمستشار الأمن القومي والمسؤول الكبير السابق في الاستخبارات العسكرية، عيران ليرمان، لـ"جينز" في التاسع من كانون الأول/ ديسمبر 2021: "لا توجد استراتيجية شاملة وجاهزة للتعامل مع إيران بين أيدينا"، مضيفًا: "مع ذلك هناك شعور متزايد بضرورة العمل المشترك مع شركائنا الخليجيين".
بالمقابل، تجدر الإشارة إلى أن التفكير "الإسرائيلي" في الصورة الاستراتيجية الأكبر للمنطقة آخذ في التغير؛ ففي السنوات الأخيرة اعتمد الاستراتيجيون "الإسرائيليون" على نظرية صاغها "ليبرمان"، تقوم على تقسيم القوى على شكل معسكرات وأسماها "لعبة المعسكرات"، بحيث تكون هناك منافسة بين هذه التكتلات للوصول إلى الهيمنة. وتم تحديد المعسكرات بالألوان؛ إذ يضم اللون الأزرق كلًا من "إسرائيل" ومصر والأردن والإمارات والسعودية والمغرب والبحرين، وعددًا من الدول الصغيرة المتحالفة مع الغرب. أما تحالف اللون الأحمر فيضم إيران وحلفاءها، مثل نظام "بشار الأسد" في سوريا و"حزب الله" اللبناني و"الحشد الشعبي" العراقي وأنصار الله "الحوثيون" في اليمن و"الجهاد الإسلامي" في فلسطين. هذا، بينما يضم تكتّل الأخضر كلًا من تركيا وقطر وحكومة الوفاق الوطني في ليبيا وحركة "حماس" في غزة، فيما يبقى تكتل اللون الأسود الذي يشتمل على الشبكات الإقليمية لتنظيمي "الدولة الإسلامية" و"القاعدة".
وبحسب مصادر "جينز"، فإن هذه النظرية قد عفا عليها الزمن إلى حد ما في المؤسسة الأمنية "الإسرائيلية"؛ حيث كان لانسحاب الولايات المتحدة الجزئي من المنطقة تأثير كبير، ما أدى إلى قلق أعضاء الكتلة التي يقودها الغرب. وهو ما جعل السعودية والإمارات، على سبيل المثال، تتوجهان إلى المفاوضات مع إيران بشأن التطبيع المحتمل للعلاقات بينهما. من ناحية أخرى، يشار إلى أن الإمارات قادت جهودًا دبلوماسية كبيرة منذ عام 2018، لإنهاء العزلة الدولية لحكومة "الأسد" في سوريا، التي تحظى أيضًا بدعم كل من مصر والعراق والأردن. وفي هذا الإطار، قال الرئيس السابق لجهاز المخابرات العسكرية "أمان" بجيش الدفاع "الإسرائيلي"، عاموس يادلين، للقناة الـ12 الإخبارية العبرية في الـ13 من كانون الأول/ ديسمبر 2021، معلقًا على دور الإمارات: "تعتقد الإمارات أنها سويسرا في الشرق الأوسط؛ دولة لها علاقات جيدة مع الجميع".
من جهة أخرى، يشير الانسحاب الأمريكي، إضافةً إلى رغبة بعض الأعضاء السابقين في التحالف "الأزرق" في تطبيع العلاقات مع إيران، إلى أن "إسرائيل" قد تبدو وحيدة في موقفها العسكري ضد مشروع طهران الإقليمي. بالمقابل، يعكس إعلان وزارة الدفاع الأمريكية إخراج "إسرائيل" من نطاق عمليات القيادة العسكرية في أوروبا، وضمها إلى نطاق القيادة المركزية "سنتكوم"، المدى الذي وصلت إليه علاقات "إسرائيل" العلنية المتنامية مع الدول العربية الرئيسية.
من المعروف أن جهاز المخابرات "الإسرائيلي" "الموساد" هو الهيئة الرئيسية المكلفة بتوجيه الأنشطة ضد البرنامج النووي الإيراني، وبالتالي يصعب الحصول على معلومات محددة وموثوقة بشأن هذه الأنشطة وطبيعتها، غير أن تقارير إعلامية تشير إلى أن "الموساد" يقوم بتجنيد مواطنين إيرانيين، ويبذل جهودًا كبيرة لاستهداف المنشآت النووية بشكل مباشر. وما يدل على ذلك، اغتيال الفيزيائي النووي الكبير، محسن فخري زاده، خارج طهران في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، إضافةً إلى سرقة الأرشيف النووي الإيراني من مستودع في طهران عام 2018، وحدوث انفجارات في منشأة "نطنز" النووية في الثاني من تموز/ يوليو 2020، وقد نُسبت كل هذه الحوادث إلى "إسرائيل"، لكن مسؤوليها إما أنكروا أو لم يعلقوا على ذلك.
اختلاف التصورات الأمريكية و"الإسرائيلية" يُضعف الخيار العسكري
من جهتها، تتوقع "إسرائيل" أن المحادثات النووية بخصوص "خطة العمل الشاملة المشتركة" "JCPOA" في فيينا من المرجح أن تطول، بينما تواصل إيران تطوير قدراتها النووية، وعليه فإنها تشعر بقلق كبير إزاء الفجوة الواسعة بين التصورات الأمريكية و"الإسرائيلية" للخطوة المقبلة، في حال وافقت الأطراف على العودة للاتفاق. كما تعارض تل أبيب بشدة فكرة "القليل مقابل الأقل"، التي تعني رفع العقوبات عن إيران مقابل تجميد تخصيب اليورانيوم مع بقاء المخزونات الحالية.
وفي مقابلته مع صحيفة "معاريف"، أشار "كيلمان" إلى أن "الدولة التي تستطيع إنتاج قنبلة في فترة زمنية قصيرة نسبيًا هي دولة عتبة نووية"، موضحًا أن "إيران بالفعل في فضاء العتبة، والسؤال الآن يدور حول حجم هذه العتبة". ومن هنا فإن "إسرائيل" تأمل أن ترى خيارًا عسكريًا أمريكيًا ذا مصداقية، مطروحًا في حال فشلت المحادثات على أن يكون مصحوبًا بعقوبات أكثر صرامة. ويبذل "الإسرائيليون" جهودًا لإيصال هذه الرسالة إلى الإدارة الأمريكية، حيث ركزت زياراتهم الدبلوماسية الرفيعة إلى الولايات المتحدة، بما فيها زيارة وزير الدفاع، بيني غانتس، ومدير "الموساد"، ديفيد بارنيا، في كانون الأول/ ديسمبر 2021، على تحقيق هذا الهدف. على الجانب الآخر، تشير الضربات التي تجريها القوات الأمريكية على منشآت الميليشيات التي تعمل بالوكالة عن إيران في العراق أو سوريا، إلى جدية الولايات المتحدة في هذا الخصوص.
من جهة أخرى، يرى المحللون أن رغبة الولايات المتحدة في تجنب تورطها مجددًا في الشرق الأوسط، يُضعِف خيار وجود رد عسكري حقيقي وقوي في حال فشلت الدبلوماسية. ولا تتوقع الدوائر الأمنية "الإسرائيلية" أن هذه الفرضية ستتغير، كما يعتبر واضحًا أنه لا يوجد خيار عسكري "إسرائيلي" جاهز حاليًا. كذلك، فإن الدبلوماسية الأمريكية تجاه إيران التي بدأت عام 2013، والتوقيع على "خطة العمل الشاملة المشتركة" عام 2015، جعل هناك افتراضًا "إسرائيليًا" بأن الخيار العسكري كان "على الطاولة" لمدة عقد على الأقل، لكن تم تخصيص موارده في مكان آخر. ففي تصريح له في العاشر من كانون الأول/ ديسمبر 2021، قال "غانتس" إنه أبلغ المسؤولين الأمريكيين ببدء استعداده لخيارات عسكرية لشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية. ورغم ذلك، من الواضح أن مثل هذا الخيار لن يكون متاحًا على المدى القصير أو المتوسط، ولا يوجد ضمانات أن "إسرائيل" تمتلك القدرات العسكرية الجوية لتشكل تهديدًا خطيرًا على البرنامج النووي الإيراني، المنتشر على نطاق واسع والمحمي بشكل جيد.
الصواريخ الإيرانية تشكل تهديدًا خطيرًا على "إسرائيل"
يشكل برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية مصدر قلق رئيسي لـ"إسرائيل"، إضافةً إلى أن مشاركة الصواريخ الموجهة بدقة "PGM"، التي توجد لدى "حزب الله" ووكلاء آخرين، ضد "إسرائيل" في أي حرب مستقبلية لا يزال احتمالًا قائمًا. ففي سوريا سعت "إسرائيل" بكافة الوسائل لمنع وصول تكنولوجيا "PGM" إلى "حزب الله"، من خلال شن ما لا يقل عن 200 غارة جوية. وقد شكلت هذه الضربات عنصرًا مهمًا في الجهود الكبيرة التي تبذلها "إسرائيل" لتعطيل وطمس البنية التحتية الإيرانية في سوريا منذ عام 2013. ورغم أن عددًا من المسؤولين "الإسرائيليين" أعلنوا عن نجاحهم في حملات القصف المتتالية لتقليص القدرة الإيرانية واسعة النطاق، إلا أن "كيلمان" اعترف بفشل الهدف الأساسي لهذه الحملة، قائلًا لصحيفة "معاريف" إن "فيلق القدس قد نجح فعلًا في نقل صواريخ إيرانية دقيقة عبر الطريق البري، وهذه الصواريخ متواجدة الآن في الأراضي السورية وهي موجهة نحو إسرائيل". كما إن اندماج العناصر الإيرانية في هياكل الجيش السوري، وإحجام الجيش "الإسرائيلي" عن قصف أهداف عسكرية تابعة للدولة السورية على أراضيها، قد ساعد على الحد بشكل حقيقي من فاعلية الحملة.
في السياق ذاته، ذكر بيان صادر عن لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأمريكي في العاشر من آذار/ مارس 2020، أن إيران تمتلك 3000 صاروخًا باليستيًا دقيقًا بنطاقات مختلفة. وقد ظهرت تلك القدرات الصاروخية الإيرانية الموجودة في أيدي الميليشيات الإيرانية، عبر الهجوم الذي جرة تفيذه بطائرة مسيّرة على منشآت شركة أرامكو السعودية في الـ14 من أيلول/ سبتمبر 2019، والذي نُسب إلى جماعة "أنصار الله" (الحوثيين). وهناك مخاوف كذلك بشأن الجهود الإيرانية المبذولة لتزويد الميليشيات في محافظة الأنبار في العراق بصواريخ "ذو الفقار"؛ والتي يبلغ مداها 650-700كلم، (يشار إلى أن المسافة من "معبر القائم" على الحدود السورية العراقية إلى تل أبيب يبلغ حوالي 632كلم). وبهذا الخصوص، قال "كيلمان" لصحيفة "معاريف": "يتم تطوير القدرات للوصول إلى نطاقات تزيد عن 1000كلم، إضافةً إلى أن هناك تهديدات حقيقية من دول الدرجة الثانية مثل اليمن والعراق؛ حيث إن الميليشيات هناك تقوم أيضًا بتطوير قدراتها."
كما أعربت مصادر أمنية "إسرائيلية" عن نظرة متشائمة إزاء قدرة الجهود "الإسرائيلية" على منع "حزب الله" من إنتاج معدات دقيقة لصواريخه؛ ففي مقال نشره "معهد الشرق الأوسط" في الـ26 من تشرين الأول/ أكتوبر 2021، أعده الخبير السابق في الشأن الإيراني في المخابرات العسكرية بجيش الدفاع "الإسرائيلي، داني سيترينوفيتش، ذكر الكاتب أن إيران و"حزب الله" أوقفا محاولات نقل الصواريخ عبر سوريا عام 2016، بسبب تعرضها للغارات "الإسرائيلية"، وقاما بدلًا من ذلك بتهريب المكونات الدقيقة إلى لبنان، لوضعها على صواريخ "حزب الله" الحالية. وإذا بدأ إنتاج الذخائر الدقيقة الموجهة على نطاق واسع في لبنان، ستواجه "إسرائيل" معضلة فرض خطها الأحمر والاستعداد لخطر الحرب، أو قد تستفيد من عدم الاستقرار الحالي في لبنان لردع "الحزب" عن العدوان عليها. وأشار "كليمان" لـ"معاريف" في هذه المسألة إلى أن "القرار لن يُتخذ بسهولة، ففي الوضع الحالي يعني الحديث عن فتح الملف اللبناني بدء الحرب، وهذا يحتاج لدراسة".
تفاؤل "إسرائيلي" بضعف أداء وكلاء إيران ومشكلاتها الداخلية
على الجانب الآخر، أشارت مصادر مطلعة إلى أن نظام الامن "الإسرائيلي" يبدي بعض التفاؤل، بسبب الأداء الضعيف للوكلاء الإيرانيين منذ مقتل قائد "فيلق القدس"، قاسم سليماني، في الثالث من كانون الثاني/ يناير 2020. كما تدرك "إسرائيل" أن هناك إحباطًا في الوسط الإيراني من استخدامها للوكلاء، فيما تشير الدوائر الأمنية "الإسرائيلية" أيضًا إلى ضرورة فهم الطبيعة المعقدة للوكلاء. وهذه المعطيات تقود إلى سؤال مهم؛ هو إذا كانت طهران تتوقع من وكلائها الامتثال لتعليماتها، أو إن هناك احتمالًا بأن يتصرف الوكلاء وفقًا لمصالحهم.
وهناك فرق واضح وكبير بين التنظيمات التي نشأت بشكل مستقل عن "فيلق القدس" وإيران لكنها كانت مدعومة منها، مثل "حماس" في غزة و"أنصار الله" في اليمن، وبين المنظمات التي أنشأها "فيلق القدس" بشكل مباشر، مثل "حزب الله" في لبنان و"كتائب حزب الله" في العراق. وتتعلق أنشطة "إسرائيل" ضد وكلاء إيران بشكل أساسي بجمع المعلومات الاستخبارية، والعمل ضد كل من "الجهاد الإسلامي" و"حماس" و"حزب الله"، نظرًا لقربهم من "إسرائيل". وبناءً على ذلك، فإن اهتمام "إسرائيل" بالوكلاء في العراق واليمن محدود، باستثناء الحالات التي يتم فيها رصد تهديدات محددة.
من ناحية أخرى، تتطلع "إسرائيل" إلى تفاقم الانقسامات والمشاكل داخل المجتمع الإيراني؛ وفي هذا الصدد نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" في الـ27 من تشرين الأول/ أكتوبر 2021، عن مسؤولين أمريكيين لم تسمهم اتهامهم لـ"إسرائيل" بتنفيذ هجوم إلكتروني على نظام الوقود الوطني الإيراني في الـ26 من الشهر نفسه، والذي أدى إلى إغلاق مضخات البنزين، ما أدى إلى ازدحام كبير في المدنية.
خلاصة:
يسعى جهاز الأمن القومي "الإسرائيلي" منذ عام 2020 للوصول إلى صياغة رد شامل ضد التهديد الإيراني، من خلال تحركات تنظيمية وأخرى متعلقة بالميزانية، والتي تعكس إعطاء الأولوية لهذه القضية. فقد خصصت الحكومة "الإسرائيلية" مبلغ 1.5 مليار دولار إضافي، لإعداد وتجهيز الخيارات العسكرية ضد إيران في تشرين الأول/ أكتوبر 2021. ورغم ذلك، تنظر "إسرائيل" إلى الانسحاب الأمريكي من المنطقة على أنه يأتي بنتائج عكسية؛ حيث يتبع الحلفاء "الإسرائيليون" المحتملون في مواجهة إيران، وأبرزهم الإمارات، استراتيجية استيعاب طهران، كما تشير الجهود الدبلوماسية العربية للتطبيع مع حكومة "الأسد" في سوريا إلى أن موقف "إسرائيل" الإقليمي منعزل إلى حد ما.
كما تتضمن الاستراتيجية "الإسرائيلية" المضادة إجراءات دبلوماسية وعسكرية وسرية متكاملة، يتم اتخاذها للتعامل مع القدرات الإيرانية النووية والصواريخ الباليستية، إضافةً إلى الوكلاء الإيرانيين المنتشرين في المنطقة. وتأخذ الدوائر الأمنية "الاسرائيلية" بعين الاعتبار الاختلافات الواضحة بين المجالات الثلاثة، وبالتالي فإنها تولي أهمية خاصة لكل منها تتناسب مع حجم الموارد المخصصة للتعامل مع كل مجال على حدة. أخيرًا، يوجد إجماع واسع داخل أروقة الأمن القومي "الإسرائيلي" والأنظمة السياسية وجمهور عريض، فيما يتعلق بمركزية التحدي الإيراني وأهمية تعبئة الموارد لمواجهته.