عشر طرق ستؤثر بها الحرب في أوكرانيا على خريطة العا

عشر طرق ستؤثر بها الحرب في أوكرانيا على خريطة العالم

الساعة : 15:15
12 أبريل 2022

المصدر: ذي إيكونوميك إنتيليجنس يونيت

ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات

الرابط: لقراءة وتحميل الترجمة / اضغط هنا

يمثل الغزو الروسي لأوكرانيا لحظة حاسمة في إعادة تشكيل النظام الجيوسياسي؛ فالمعركة من أجل أوكرانيا ليست مجرد حرب إقليمية أخرى، بل إنها تمثل قطيعة في العلاقات بين روسيا والغرب ستكون لها تداعيات عميقة على أوروبا والعالم. في هذا التحليل سنناقش عشر طرق ستؤثر بها الحرب على ميزان القوى العالمي.

أولًا:

ستؤدي حرب روسيا في أوكرانيا إلى تقسيم جديد لأوروبا؛ حيث يهدف الغزو الروسي "الوحشي" إلى تدمير سيادة أوكرانيا ومنعها من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو" أو الاتحاد الأوروبي. ومن جهتها، تنوي روسيا ضم جزء على الأقل من أوكرانيا، وبالتالي إنشاء منطقة عازلة بينها وبين والغرب تضم بيلاروسيا وكازاخستان كذلك. كما إن رفض روسيا لمبدأ "النظام القائم على القواعد" الذي يتبناه الغرب يشير إلى ابتعادها عن أوروبا، ويخلق تقسيم جديد للقارة بعد ثلاثة عقود من سقوط جدار برلين.

ثانيًا:

يشير الانتهاك الروسي "الصارخ" لسيادة أوكرانيا إلى نهاية نظام ما بعد الحرب الباردة؛ إذ اتسم النصف الأول من حقبة ما بعد الحرب الباردة بالقطبية الأحادية من قبل الولايات المتحدة. وقد كانت روسيا التي تمزقها الأزمات منكوبة اقتصاديًا وسياسيًا وغير قادرة على مقاومة الأحادية الأمريكية، بينما كانت الصين في مرحلة مبكرة من صعودها. لكن السنوات الـ15 الماضية اتسمت بإعادة انتعاش روسيا وصعود الصين، وتنامي التنافس بين الغرب وتآكل الهيمنة الأمريكية. ومن هنا، فإن الغزو الروسي لأوكرانيا يمثل تحديًا صارخًا لدور الولايات المتحدة كشرطي عالمي، ويشير إلى أن العالم أصبح أكثر اضطرابًا وخطورة.

ثالثًا:

ستعمل الحرب في أوكرانيا على تعميق التحالف الاستراتيجي بين روسيا والصين؛ فبعد أن نبذها النظام السياسي والاقتصادي والمالي الدولي، ستتجه روسيا شرقًا لتعزيز تحالفها مع الصين. وقد بدأ الأمر على شكل زواج مصلحة ثم نما خلال العقد الماضي إلى شراكة استراتيجية، وقد بدأت روسيا تتخذ "محورها شرقًا" عام 2012، بعد أن خلصت إلى أنه على الأرجح لن يكون لها رأي في النظام الأمني ​​الأوروبي، وأن المستقبل الاقتصادي يكمن في الشرق. وعليه، فقد ساعدت الصين في مجالات الطاقة والقوة الجوية والبحرية والاستخبارات والشؤون العسكرية والخارجية، وحصلت بالمقابل على التمويل والتكنولوجيا. أما بالنسبة للصين، فإن التحالف مع روسيا يوفر لها الأمن على طول حدودها الشمالية، والموارد الطبيعية، ونهجًا "استبداديًا" مشتركًا وموقفًا تجاه الغرب. في هذا الإطار، وخلال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، أعلن الرئيسان، شي جين بينغ، وفلاديمير بوتين، أن تحالفهما "لن يعرف حدودًا" وأنه "سيتفوق على التحالفات السياسية والعسكرية للحرب الباردة".

رابعًا:

تسرّع الممارسات الروسية من انقسام العالم إلى معسكرين متنافسين؛ حيث تتنافس الصين والغرب منذ عدة سنوات على ترسيخ الهيمنة في مجالات الصناعة وتقنيات المستقبل. وقد عززت جائحة فيروس "كورونا" هذا الاتجاه؛ حيث شجعت على التحرك نحو الأقلمة والابتعاد عن العولمة. ومن خلال انتهاجها قطيعة حاسمة مع الغرب، فإن تصرفات روسيا ستسرع من انقسام العالم بين قطبين متنافسين. وبينما ستنحاز بعض البلدان إلى أحد المعسكرين، ستسعى دول أخرى عديدة إلى الحفاظ على موطئ قدم لها في كلا المعسكرين، لكن بمرور الوقت سيصبح هذا التوازن صعبًا بصورة متزايدة.

خامسًا:

إن التركيز المتجدد على الأمن الأوروبي سيقيّد من ميل الولايات المتحدة نحو آسيا، وسيضطرّها إلى تحويل أدواتها الدبلوماسية للتعامل مع الأزمة على الأطراف الشرقية لأوروبا، وبالتالي ستتعثر جهود الولايات المتحدة لمواجهة التحدي المتمثل في صعود الصين. وستجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة إلى التركيز على احتواء قوة روسيا المتراجعة، في الوقت الذي أرادت فيه تكريس طاقاتها لاحتواء التهديد من قوة الصين الصاعدة. وتعتبر هذه أخبارًا سيئة لدول مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، التي كانت تعتمد على المزيد من الحماية من الولايات المتحدة، والتي ستكون أكثر حرصًا الآن على تشكيل تحالف توازن ضد الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

سادسًا:

ستؤدي الحرب في أوكرانيا إلى تسريع سباق التسلح العالمي؛ فبعد أن أدت نهاية التهديد السوفييتي إلى "عائد السلام" (شعار سياسي روّج له بوش الابن ومارجريت تاتشر في ضوء تفكك الاتحاد السوفيتي 1988-1991)، وانخفاض شامل في الإنفاق العالمي على الأسلحة، استؤنف سباق التسلح في السنوات الأخيرة مع قيام الصين بتوسيع ترسانتها النووية، فيما تقوم كل من روسيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا ودول أخرى بتحديث ترسانتها. إضافةً إلى ذلك، فإن تطوير ونشر القوى الكبرى لأنظمة الدفاع المضادة للصواريخ الباليستية، والأسلحة المضادة للأقمار الصناعية، والصواريخ التي تفوق سرعة الصوت، تعمل على زيادة التهديدات بين القوى المتنافسة وتأجيج سباق التسلح. ولم يصل هذا السباق إلى ذلك الحد بين روسيا والولايات المتحدة خلال الحرب الباردة؛ حيث لا يزال حجم الإنفاق العسكري الأمريكي أكبر بمرتين ونصف من الإنفاق العسكري للصين، لكنه يتسارع. من هنا، فإن الحرب في أوكرانيا ستؤدي إلى مزيد من انتشار الأسلحة وعدم الاستقرار من خلال التصعيد العسكري المتبادل.

سابعًا:

قد تبدأ ألمانيا لعب دور أكثر حزمًا في السياسة الأمنية الأوروبية؛ ففي تحول كبير في سياستها، ستوفر ألمانيا أسلحة لأوكرانيا؛ حيث إن استثمار 100 مليار يورو في القوات المسلحة الألمانية وزيادة الإنفاق الدفاعي إلى أكثر من 2% من الناتج المحلي الإجمالي، يعتبر أعلى من أهداف الدول الأعضاء في "الناتو". وقد وصف المستشار الألماني الجديد، أولاف شولتز، السياسة الخارجية الألمانية في مجال الدفاع بأنها "نقطة تحول"؛ فبعد أن كان يُنظر إليها سابقًا على أنها متساهلة للغاية مع روسيا، ستسعى ألمانيا الآن إلى الردع بدلًا من التهدئة. وفي هذا الإطار، تخلت ألمانيا عن خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" الذي دافعت عنه سابقًا في مواجهة ضغوط أمريكية قوية، وستقلل اعتمادها في مجال الطاقة على روسيا. ومن ثمّ، فإن حرب روسيا في أوكرانيا قد تساعد ألمانيا على التخفف من أعباء الحرب العالمية الثانية، وتسمح لها بلعب دور أكبر في تحديد الأولويات الدفاعية والأجنبية والأمنية الأوروبية، ما سيعمل على تغيير ميزان القوى في أوروبا.

ثامنًا:

ستضطر أوروبا إلى تحديد موقعها في النظام العالمي الجديد؛ حيث تعتبر الحرب في أوكرانيا بمثابة جرس إنذار لأوروبا، وتؤكد أنها، بخلاف الولايات المتحدة أو روسيا، بحاجة إلى أن تكون قادرة على التأثير على ما يحدث في قارتها. بالمقابل، ستظل الولايات المتحدة إلى حد كبير القوة المهيمنة في حلف "الناتو"، إلا أنه من المرجّح أن يتغير الميزان في السنوات المقبلة؛ فقد تصبح القوى الأوروبية بقيادة فرنسا وألمانيا أكثر جدية في التأكيد على مصالحها. وقد أشاع الغزو الروسي لأوكرانيا مناخًا غير مسبوق للوحدة بين قوى "الناتو"، لكن هناك دلائل واقعية على أن هذه الوحدة قد تتلاشى بمرور الوقت، مع ظهور المصالح الوطنية والإقليمية مرة أخرى. ويعتبر تباين المقاربات عبر الأطلسي في التعامل مع صادرات الطاقة الروسية، مؤشرًا مبكرًا على استمرار الانقسامات في هذه المنطقة.

تاسعًا:

سيصبح التحدي الذي تواجهه الديمقراطية العالمية أكثر وضوحًا؛ حيث ستعمل الحرب في أوكرانيا على تعميق انقسام العالم إلى معسكرات استبدادية وأخرى ديمقراطية، فغزو أوكرانيا يمثل لحظة فاصلة أخرى في انزلاق روسيا نحو الاستبداد التام. وقد كان قرار "بوتين" عام 2012، والذي كان رئيس الوزراء الروسي آنذاك، بالترشح مرة أخرى للرئاسة بعد أن قضى فترتين بين 2000-2008، خطوة حاسمة في انزلاق البلاد نحو الاستبداد. ومنذ ذلك الحين، أشرف "بوتين" على الفساد المتزايد وتآكل حرية التعبير وقمع الاحتجاج السياسي والخنق البطيء للديمقراطية، وبالمثل، أصبحت الصين سلطوية بشكل متزايد في عهد الرئيس "تشي". لذلك، فإن بلورة تحالف روسي صيني سلطوي مناهض للغرب، سيجعل المعركة من أجل الديمقراطية أكثر أهمية في العقود القادمة.

عاشرًا:

ستشجع الحرب في أوكرانيا الآخرين وتؤجج الصراعات القائمة؛ فمن جانبها، ستراقب القوى الإقليمية التي لها طموحات وحدوية أو انتقامية أو توسعية، مثل أذربيجان (ناغورني كاراباخ) والصين (تايوان) وتركيا (شرق المتوسط)، ما يحدث في أوكرانيا عن كثب. وستتم دراسة رد الفعل العالمي على محاولة روسيا تقسيم أوكرانيا ودرجة تدخل القوى الغربية بعناية، من قبل أصحاب الأهداف المماثلة. وحتى لو لم تحاكِ أي قوة تصرفات روسيا على المدى القريب، فإن الغزو سيكون له تأثير مزعزع للاستقرار في النزاعات الأخرى.