السيناريوهات المحتملة للانتخابات اللبنانية قراءة ف

السيناريوهات المحتملة للانتخابات اللبنانية قراءة في المخاطر المتوقعة والتداعيات السياسية والأمنية

الساعة : 12:15
10 مايو 2022

المصدر: جينس ديفينس ماجازين

ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات

الرابط: لقراءة وتحميل الترجمة / اضغط هنا

ستكون الانتخابات العامة في لبنان، المقرر إجراؤها في الـ15 من أيار/ مايو القادم، الأولى منذ الاحتجاجات الواسعة التي جرت عام 2019 وانفجار مرفأ بيروت عام 2020. وفيما يلي سنستعرض السيناريوهات المتوقعة وهي إما استمرار الوضع السياسي الراهن، أو حصول اختراقات من قبل الأحزاب الناشئة، والتداعيات السياسية والأمنية لكل سيناريو.

لقد تم إبعاد المجتمع المدني والأحزاب السياسية الناشئة أو الجديدة عن البرلمان، من خلال القوانين والائتلافات الانتخابية التي جرى تشكيلها للحفاظ على تركيبة السلطة القائمة. ومن المرجّح أن تحظى الأحزاب الناشئة بدعم قوي بين ناخبي الشتات، إلا أن أصوات المغتربين تتحصل فقط على ستة مقاعد من أصل 128 مقعدًا. وعليه فلا يُرجّح أن تترجم هذه الأحزاب الجديدة المطالب الشعبية أو أجندات الإصلاح إلى كتلة أصوات معتبرة، تكفي لإزاحة عدد كبير من المرشحين القدامى ومن ثمّ التأثير في صنع السياسات.

ففي لبنان لا تُجرى الانتخابات إلا بعد تقرير نتيجتها مسبقًا، وتجدر الإشارة هنا إلى تلك المشاورات مع دول حليفة مهمة، لا سيما فرنسا وإيران والسعودية والولايات المتحدة. وبالتالي، فإن النتيجة التي تتعارض بشكل واضح مع المصالح الأمريكية أو الإيرانية غير مرجحة لحد كبير. وإذا كان "حزب الله" سيطالب بمزيد من النفوذ في الحكومة، وهو أمر متوقع، فسيكون هناك خطر متزايد من عقوبات أمريكية جديدة تستهدف مسؤوليه وحلفاءه السياسيين، لكن لا يُرجّح أن تبدأ "إسرائيل" نزاعًا مسلحًا ردًا على التغييرات الانتخابية.

المخاطر المتوقعة على صعيد الأمن الداخلي

من غير المحتمل حدوث احتجاجات مماثلة هذا العام لتلك التي بدأت في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، بسبب كلفة هذه الاحتجاجات، لكن قد تنطلق احتجاجات سلمية بخروج الآلاف حول المباني الحكومية بعد الانتخابات. بالمقابل، يُتوقع أن تخرج احتجاجات مضادة ويجري تبادل لإطلاق النار، لا سيما في طرابلس؛ فغالبًا ما يتوجه أنصار الأحزاب إلى مقار المنافسين من باب الاستفزاز، ردًا على التصريحات التحريضية من القادة السياسيين، وهو ما يحدث غالبًا جنوب بيروت وجبل لبنان. وخلال مثل هذه الحوادث، قد يقع تبادل محدود لإطلاق النار، وسط خطر كبير من الهجمات الانتقامية التي تستخدم فيها أسلحة نارية ومتفجرات صغيرة، تستهدف الأفراد والأصول التابعة للأحزاب، لكن لا يُتوقع أن يتصاعد هذا إلى حرب أهلية.

المخاطر الخارجية لن تغيب المشهد

إن مخاطر الحرب بين لبنان و"إسرائيل" عالية جدًا بسبب تداعيات الصراع؛ وفي حال نشوب نزاع مسلح سيتدهور الوضع الأمني سريعًا، وسط مخاطر عالية على البنية التحتية والاقتصاد. لكن بشكل عام، لا يُرجّح اندلاع حرب أخرى بين "إسرائيل" ولبنان؛ فمنذ حرب الثلاثين يومًا غير الحاسمة عام 2006، أبدى الطرفان عدم استعدادهما للانخراط في مواجهة أخرى من خلال الحد من الهجمات والأعمال الانتقامية.

من جهتها، ركزت "إسرائيل" جهودها على احتواء التمدد العسكري الإيراني، بمهاجمة شحنات الأسلحة المتجهة إلى "حزب الله" في سوريا والعراق، بدلًا من مهاجمة مستودعاتها في لبنان. ولا يُرجّح أن يستمر هذا، بغض النظر عن كيفية تأثير الانتخابات على قوة "حزب الله"؛ فهناك قناة خلفية راسخة، وتوازن للردع، وإدراك بأن الحرب لن تكون في مصلحة أي من الطرفين. كما إن "حزب الله" يوسع نفوذه السياسي الداخلي، بينما تعمل "إسرائيل" على كسب الاعتراف من الدول العربية، وهي خطوات مهمة سياسيًا واقتصاديًا لكنها قد تواجه انتكاسات إذا بدأ أحد الطرفين الصراع، خاصةً عندما يواجه لبنان أزمة اقتصادية واجتماعية.

المخاطر المرتفعة تجاه البنية التحتية

في الرابع من آب/ أغسطس 2020، تسبب انفجار كيميائي في مستودع بمرفأ بيروت في إلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية؛ حيث قدر الرئيس اللبناني، ميشال عون، تكلفة إعادة الإعمار بـ15 مليار دولار، لكن لبنان لا يملك أموالًا ولا يُحتمل أن يتلقى مساعدات. فقد أدى نقص الدولار والوقود إلى تفاقم الوضع، ما تسبب في إغلاق محطات الطاقة، فيما يواجه استيراد الغاز والكهرباء من الأردن ومصر تأخيرات بسبب مخاطر العقوبات الأمريكية، حيث سيتعين نقلهما عبر سوريا. كما يعيق الفساد والاقتتال السياسي عملية اتخاذ القرار بشأن العقود والخصخصة، رغم الدعوات المتكررة من المانحين الدوليين. ومع ذلك، لا يرجّح أن تأتي المساعدة المالية لدعم تحديث البنية التحتية بسبب الفساد المستشري، كما أن احتمال تلقي المساعدة سيضعف إذا احتفظ "حزب الله" أو حلفاؤه بملف الأشغال العامة.

السيناريو الأول: لا تغييرات حقيقية في البرلمان أو مجلس الوزراء أو السياسة

في هذا السيناريو، ستكون نتائج الانتخابات مماثلة لعام 2018، مع عدم قدرة الأحزاب السياسية الناشئة على إبعاد عدد محدود جدًا من مرشحي الأحزاب القائمة. ويعود السبب في ذلك بشكل جزئي إلى الاحتيال في تسجيل وفرز الأصوات وترهيب الناخبين؛ فرغم أن توزيع المقاعد سيتغير بين الأحزاب، مثل تدني نسبة مقاعد "تيار المستقبل" و"التيار الوطني الحر"، إلا أنه لا يتوقع حدوث تغييرات كبيرة. وسيستمر البرلمان والحكومة في الانقسام بالتساوي بين كتلتين غير رسميتين؛ تتمثل الأولى في الذين يتطلعون إلى الغرب ودول الخليج للحصول على الدعم، بينما تتكون الثانية من أولئك الذين يرحبون بالتعاون مع إيران وسوريا. وستحصل الكتلة الأخيرة، لا سيما "التيار الوطني الحر" و"حزب الله"، على أغلبية طفيفة ما سيؤدي إلى استمرار الجمود والمساومة على الحقائب الوزارية.

ومن باب الاستجابة الشكلية لمطالب المتظاهرين، قد يكون الوزراء المعينون أو مساعدوهم من منتسبي الأحزاب الناشئة، لإعطاء الحكومة مظهر التكنوقراط. وستكون درجة الانفصال شكلية، وسيضمن قادة الأحزاب السياسية احتفاظهم بنفوذهم على صنع القرار، مع احتفاظ "الحزب" وحلفائه بـ"الثلث المعطل" من المقاعد. كما سيصبح رئيس الوزراء مرشحًا توافقيًا آخر، يعتمد على تعاون الأحزاب الرئيسية، ويمنع الإصلاحات التي تحد من تمكّن الأحزاب من المحسوبية.

بناءً على ذلك، سيكون الحفاظ على هذه التوازنات المعروفة مناسبًا للبلدان المانحة للبنان، وبالتالي سيؤدي إلى تباطؤ التحسن الاقتصادي حتى عام 2030. وبدورهم، سيحتج نشطاء "ثورة 17 أكتوبر" ومن يدعمون الأحزاب التي لا تزال مهمشة (أي السنة والدروز)، على نتائج الانتخابات لبضعة أسابيع على الأكثر. وسيضمن هذا خروج الآلاف من المتظاهرين في الغالب سلميًا إلى الساحات الرئيسية والمباني الحكومية، وسيكون هناك خطر حدوث أعمال شغب وتخريب محدودة، تستهدف مقار الأحزاب والمؤسسات الإعلامية.

السيناريو الثاني: انقلاب التوازن السياسي دون تمثيل للسنة

إن العديد من الأحزاب اللبنانية، لا سيما "تيار المستقبل" و"التيار الوطني الحر" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" وبدرجة أقل "حركة أمل"، لديها مواقف غير مستقرة، كما إن الخسائر الكبيرة التي يتعرض لها المعارضون أو الأحزاب الناشئة قد تعني تهميش فئات مجتمعية بأكملها، من خلال افتقارهم إلى المحسوبية. وسيفاقم "تيار المستقبل" خسارته ثلث مقاعده عام 2018 بمزيد من الخسائر، ما يعني أن السنة سيكونون غير ممثلين فعليًا، وقد يكون لذلك تداعيات اقتصادية وأمنية لأن طرابلس، أكبر مدينة ذات أغلبية سنية، لن تكون ممثلة، وسيزيد ذلك من نفور المانحين والمستثمرين الخليجيين الوازنين.

في هذا الإطار أيضًا، سيزيد تهميش السنة من مخاطر الاضطرابات على نطاق واسع في المناطق المحرومة، مثل طريق الجديدة وكورنيش المزرعة في بيروت، وخلدة وطرابلس وعين الرمانة في جبل لبنان، والبقاع الغربي وعكار، وهو ما سيتمثل في احتجاجات وهجمات عنيفة ضد مسؤولي الأحزاب المسيحية والشيعة والأصول السياسية.

وإذا خسر "التيار الوطني الحر" مزيدًا من المقاعد، فسيكون ذلك لصالح الأحزاب الناشئة أو "حزب القوات اللبنانية" المسيحي، الذي يعارض احتفاظ "التيار الوطني" بالرئاسة واستمرار تسليح "حزب الله". ومن المرجّح أن يخرج أنصار "التيار الوطني" في احتجاجات عنيفة، من خلال تخريب مقار "القوات اللبنانية" والاعتداء على أنصاره، ربما باستخدام أسلحة خفيفة.

من جانبه، يعتمد "حزب الله" على "التيار الوطني الحر" كحليف مسيحي، وبالتالي سيعمل على عرقلة نجاح البرلمان الذي لا يضمن أغلبية مسيطرة مع الحلفاء، والأهم من ذلك السيطرة على اللجان البرلمانية التي تُتخذ فيها القرارات. أما إذا خسر كلٌّ من "أمل" و"حزب الله" أي مقاعد، فمن المحتمل أن يفرضوا انضمامهم إلى البرلمان والحكومة، من خلال التسبب في فراغ سياسي ممتد وعبر استعراض القوة من خلال مؤيديهم؛ وسيشمل ذلك تنظيم مظاهرات حاشدة، أو قوافل مسلحة ودوريات في المناطق المتنافسة ووسط بيروت.

خاتمة:

رغم أن الانتخابات تعتبر في الأساس فرصة للدولة اللبنانية لتحسين ثقة المستثمرين والمانحين في البلاد، حتى إذا تم إجراؤها واعتُبرت نزيهة وأسفرت عن حكومة مواتية للدول المانحة التقليدية، بما في ذلك فرنسا والولايات المتحدة، إلا أنه من المرجّح أن يقتصر الدعم المالي على مشاريع محددة ويركز على الإغاثة الإنسانية وليس على دعم الميزانية.

ويُرجح كذلك أن تؤدي البيئة الاجتماعية والاقتصادية غير المستقرة في لبنان إلى تأييد الناخبين للكتل المعروفة، وسيشمل ذلك القادة المحليين الذين يُثبتون قدرتهم على توفير الاستقرار لدوائرهم الانتخابية. ومن غير التوقع أن تنجح الأحزاب الناشئة في حشد الجمهور المحبط من النظام السياسي للتصويت على بدائل جديدة. ورغم احتجاج عشرات أو مئات الآلاف من الأشخاص في جميع أنحاء البلاد ضد النظام السياسي، إلا أنه لا يُرجّح أن تتنافس الأحزاب الجديدة بشكل أساس ضد بعضها البعض.

أخيرًا، فإن الحفاظ على الوضع الراهن يعتبر الخيار الأقل تقلبًا لأمن لبنان واستقراره؛ إذ إن تقليص حصة المقاعد للأحزاب القائمة سيغير إلى حد كبير التوازن الهش، الذي تم الحفاظ عليه منذ نهاية الحرب الأهلية، لذلك يُتوقع بشدة حدوث احتجاجات وعنف إذا تم تهميش أي حزب بشكل أكبر. ومن هنا، فإن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو إجراء التصويت وحسابه بطريقة تحافظ على التوازن العام للقوى، وهذا ما سيقود بدوره إلى بقاء الجمود السياسي.