المصدر: GULF STATES
الترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات
الرابط: لقراءة وتحميل الترجمة/ اضغط هنا
وسط ضجة كبيرة في القاهرة، وافق مجلس إدارة الهيئة المصرية للرقابة النووية والإشعاعية "ENRRA" على تصاريح بناء أول وحدة بمحطة الضبعة النووية، بطاقة 4.8 جيجاوات في أواخر حزيران/ يونيو الماضي. وستكون "الضبعة" ثاني محطة نووية شاملة في العالم العربي، بعد محطة الإمارات (5.6 جيجاوات في البركة) والتي تحظى بقبول كبير من أقوى دول الخليج.
وتعتبر محطة توليد الكهرباء بمثابة نقطة انطلاق لطموح النظام المصري لإعادة بلاده إلى صدارة التأثير والهيبة العربية والسنية، لكن بعض المصادر أشارت إلى أنها قد تكون أيضًا "بالون اختبار" للطموحات السعودية على المدى الطويل لإنشاء برنامج نووي سلمي، أو عسكري إن دعت الضرورة. إذ يُعتقد أن ولي العهد، محمد بن سلمان، يرى هذه التطورات كخطوة ضرورية لمواجهة تهديد قدرات إيران المتنامية.
وقد شجعت الرياض بقوة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، على التعاون مع روسيا في هذا المشروع الاستراتيجي، في إشارة أخرى على قرب المملكة من موسكو (شريكها الرئيسي في مجموعة "أوبك+") وابتعادها المتزايد عن الولايات المتحدة. ومن الناحية العملية، فإن الأعمال التحضيرية التي لا يشترط لها الحصول على تصريح تسير في "الضبعة" طوال العام، فيما تتولى الشركات المصرية الأعمال المدنية المبكرة بدعم من الفنيين الروس.
بدورها، تموّل روسيا 85% من تكلفة المشروع المقدرة بنحو 30 مليار دولار، عن طريق قرض بفائدة 3% سيتم سداده من إيرادات المحطة بعد أن تبدأ وحدتها الأولى في التشغيل التجاري عام 2028 تقريبًا. وبحسب مصدر مقرب من السلطات العليا في كل من القاهرة والرياض، لن يكون الدعم القوي للمشروع من السعودية ماليًا بشكل أساس، إذ إن الدعم السياسي أكثر أهمية.
ومن المحتمل أن تنبع الحسابات السعودية من منطلق أن الطاقة النووية أداة جيوسياسية قوية في الشرق الأوسط؛ إذ تشعر الرياض بالقلق من نفوذ طهران في دول الشرق الأوسط الأخرى مثل العراق ولبنان، وهو توجه تشاركها فيه القاهرة. وقال المصدر سابق الذكر إنه يبدو أن كليهما لا يستطيعان الوثوق بالأمريكيين، وإنه لم يعد بإمكانهما الاعتماد على استعداد واشنطن لمواجهة إيران، مشيرًا إلى أن "تقديرات التخطيط الدفاعي طويلة المدى للسعودية تفيد بأنه قد يتعيّن عليها مواجهة إيران بمفردها، دون مساعدة غربية".
وأضاف المصدر أنه ما لم يتم إنهاء البرنامج النووي الإيراني بشكل دائم، وهو أمر لا يبدو مرجحًا، نظرًا للتقدم المتأرجح في المحادثات لإحياء "الاتفاق النووي الإيراني" لعام 2015، و"خطة العمل الشاملة المشتركة" (JCPOA)، فإنه "يعتبر من الحكمة إبقاء الخيار مفتوحًا لإنتاج الوقود الخاص بهم، وبالتالي توفير مسار محتمل للسلاح في المستقبل البعيد".
في هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أنه تم الإعلان عن برنامج الطاقة النووية السلمية في السعودية عام 2011، وتلقت المملكة الضوء الأخضر للمضي قدمًا من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية "IAEA" في آب/ أغسطس 2018. وبدأت المملكة الإنتاج التجريبي لـ"الكعكة الصفراء" (رقائق اليورانيوم الأصفر) في أيلول/ سبتمبر 2020، بمساعدة صينية لبناء مصنع في العلا.
وفي الآونة الأخيرة كانت "مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة" (KA-Care) تدرس العروض المقدمة من كل من "Deloitte" و"EY" و"HSBC" و"PwC"، لتقديم المشورة الفنية للبرنامج، بعد أن تجاهلت البنود الأساسية لـرؤية "بن سلمان" 2030 الطاقة النووية كأولوية، وركزت بدلًا من ذلك على الطاقة المتجددة. واستندت بعض الخطط السابقة لـ"مشروع نيوم المستقبلي" إلى تطوير الطاقة النووية قبل أن يتحول تركيزها إلى مصادر الطاقة المتجددة والهيدروجين.
لكن مصادر مختلفة اتفقت على أن الطاقة النووية تلعب دورًا في التفكير السعودي، ليس أقله في توفير الطاقة الأساسية لدعم محطات الطاقة المتجددة، بينما يستمر تصدير النفط الخام لتلبية الارتفاع المتوقع في الطلب على الكهرباء في العقود المقبلة.
وتعد الكهرباء بالفعل عنصرًا مهمًا في العلاقات المصرية السعودية؛ ففي عام 2021 حصلت "هيتاشي" (ABB Power Grids) على عقد من قبل "الشركة المصرية لنقل الكهرباء" و"الشركة السعودية للكهرباء"، لبناء خط ربط كهربائي تحت سطح البحر بين البلدين. وهناك قضية ثنائية أخرى قد يتم التحرك حيالها قريبًا، وهي التسليم المقترح لجزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر.
الرياض تفضل التوجه نحو موسكو
هناك العديد من الأجندات في اللعبة؛ فقد شهد الإطار الجيوسياسي الذي تنتهج فيه السعودية هذه السياسة تحوّلًا ملحوظًا، وخلال المفاوضات الطويلة حول الضبعة، شجعت الشخصيات السعودية "السيسي" على وجه التحديد على العمل مع الروس، بدلًا من الصين أو فرنسا، ناهيك عن الولايات المتحدة.
وقال مصدر مطلع على الملف إن أسباب ذلك هي أن فرنسا تعمل بجد، والصين تضع الكثير من القيود والأعباء"، في حين تبدو روسيا رهاناً أكثر أمنًا. كما إن الإدانة الصاخبة من العواصم الغربية للغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/ فبراير لم تغير هذا الرأي، وهذا أحد الأسباب الرئيسية لعدم وجود أي فرصة في أن تبتعد القاهرة عن موسكو ردًا على أفعالها في أوكرانيا. وقد كانت الشائعات التي تقول إن عناصر في الحكومة المصرية كانت تأمل في إيجاد طريقة لجلب بديل لمؤسسة الطاقة النووية التابعة لولاية "روساتوم"، بعيدة عن الواقع.
وقد تم إظهار ذلك في أوائل حزيران/ يونيو، عندما قالت "روساتوم" إنها بدأت بناء سفينة المفاعل النووي، وأكدت ذلك التطورات اللاحقة. وهذا لا يعني أن الحكومة المصرية أو كبار الشخصيات في المؤسسة الأمنية غير معنيين بتأثير الصراع في أوكرانيا؛ حيث قال مصدر في القاهرة إن العديد من الأجهزة الأمنية غاضبة من الموقف الروسي، الذي "هدد بتعطيل المشروع".
ومع ذلك، ليس لدى إدارة "السيسي" رغبة أو حافز للوقوف إلى جانب الغرب ضد روسيا؛ ففي حين أن لديها علاقة عمل مع أوروبا، إلا أن مشاركتها مع الولايات المتحدة ملتبسة في أحسن الأحوال. وهذا يعني أن "الأزمة الأوروبية" يُنظر إليها على أنها تهديد إضافي غير مرحب به، بسبب مضاعفة تكلفة واردات الحبوب والآثار التضخمية الأخرى، لكنها لن تكون سببًا لتعليق العلاقات مع موسكو.
ورغم أن العقوبات ضد روسيا بسبب حربها في أوكرانيا لم توقف مشروع الضبعة، إلا أنها قد تخلق صعوبات وتأخيرات. ومع ذلك، من المحتمل أن تكون هذه الموانع محدودة للغاية. فقد قال خبير في الدبلوماسية النووية مقيم في المملكة المتحدة: "غالبًا ما يتم تخفيف العقوبات عندما تؤثر على القضايا النووية"، مضيفاً أنه كل عمل تقريبًا يتعلق بمشروع نووي يتم تصنيفه على أنه "عمل آمن، ولا يريد أي سياسي أن يتحمل المسؤولية عن أي قرارات تؤدي إلى وقوع حادث نووي كبير".
من جهة أخرى، لم يناقش "بن سلمان" مشروع الضبعة مع "السيسي" خلال زيارته إلى القاهرة في حزيران/ يونيو الماضي، رغم أن أعضاءً من فريقه تلقوا إحاطة بذلك. وقد أرسل مصدر دبلوماسي إلى هيئة دولية كبرى أنه فهم أن السعوديين يقدمون أيضًا قدرًا كبيرًا من المواهب الفنية للبرنامج النووي المصري، "في شكل شباب مؤهلين جيدًا"، وبهذه الطريقة تقوم المملكة كذلك ببناء قوة كوادرها الخاصة عند الحاجة إليها.
السعودية لن تغامر ثانية بدعم مالي للسيسي
قالت مصادر إن الشيء الوحيد الذي لن تفعله الرياض هو التدخل ودفع تكاليف الضبعة، في حال فك الاتفاق المالي مع "روساتوم" لأي سبب من الأسباب. فقد قدمت المملكة دعمًا ماليًا بمليارات الدولارات للدولة المصرية في عهد "السيسي"، لكن لا توجد نية لتمويل المشروع النووي بشكل مباشر. وقال أحد المصادر المطلعة على الملف: "لا توجد وسيلة للسعوديين للذهاب حتى الآن"، فيما يتعلق بتمويل الضبعة؛ سوف يعطون "التشجيع: نعم، الدعم السياسي: نعم، المال مقابل الطاقة النووية: لا".
وقد وافقت الشركات السعودية على صفقات بقيمة 7.7 مليار دولار في 14 صفقة منفصلة، خلال زيارة "بن سلمان" الأخيرة للقاهرة، ما يشير إلى وجود إقبال كبير على الاستثمار ودعم الاقتصاد المصري، لكن الاستثمارات كانت مخططة بعناية في وقت مبكر، "مع فوائد مالية أو سلعية قابلة للمراجعة وواضحة"، كما ذكر مصدر مالي مقيم في السعودية. وعلق محلل آخر بأن هذه هي طرق دعم الدولة للاستثمارات في عهد "بن سلمان" من قبل "صندوق الاستثمارات العامة" والأدوات الأخرى للسخاء السعودي. ومن هنا، يتعين على "السيسي" الاستماع إلى السعودية والإمارات، لأنه من نواحٍ كثيرة أخرى يعتمد اقتصاده على أموال الخليج، في حين أن "بن سلمان" وأقرانه لديهم الكثير من سندات الدين السياسية التي يمكنهم الاعتماد عليها.
في هذا السياق، ستبذل مصر كل ما في وسعها للتأكد من تحقيق إحدى أولوياتها الإستراتيجية القصوى، وقد أكد ذلك تعيين رئيس أركان "السيسي"، اللواء عاطف عبد الفتاح، في مجلس إدارة المشروع. ويرى الجنرالات أن الضبعة هي الرائد في عودة ظهورهم كقوة إقليمية، قادرة على التنافس مع القوى العربية السنية المهيمنة في العقد الماضي، السعودية والإمارات.
إلى ذلك، تبدو كل من الرياض وأبو ظبي داعمتين لهذا الوضع بقيادة "بن سلمان" الآن، رغم التكهنات بين المتخصصين بأن "السيسي" لديه علاقة غامضة مع رئيس الإمارات، محمد بن زايد، الذي شجع على عودة مصر كلاعب إقليمي أكثر قوة، لكنه قد يخشى نظامها الاستبدادي، إذا لم يمثل مشكلة لحاكم أبو ظبي، يمكن أن تؤدي إلى مواجهة جديدة مزعزعة للاستقرار من النوع الذي يمقته "بن زايد".
ويبدو أن "بن سلمان" أكثر ارتياحًا للسيسي"؛ إذ يرى محلل غربي أن ولي العهد السعودي "يفضل وجود السيسي بدلًا من أي ديمقراطي مدني، وسوف يستثمر في الجنرال السابق لضمان بقائه في السلطة". في هذا السياق، سينتشي "السيسي" بإنجاز محطة الضبعة، ويشعر موجهوه الإقليميون بارتياح كبير؛ لأنهم تفوقوا على الأعداء الرئيسيين والحلفاء المقربين على حد سواء.