المصدر: أفيسا بارتنرز + إيكونوميك إنتيليجنس يونيت + ستراتفور
الترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات
الرابط: لقراءة وتحميل الترجمة / اضغط هنا
يبدو أن الاتفاق النووي الإيراني، أو ما يعرف بـ"خطة العمل الشاملة المشتركة – JCPOA" على وشك أن يصبح حقيقة، ومن المنتظر أن تضع الصفقة قيودًا مؤقتة على برنامج إيران النووي مقابل تخفيف العقوبات عنها. ويعتبر إحياء الصفقة أولوية قصوى في السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية الحالية، بينما يعارضها الحزب الجمهوري بشدة، فيما ترجّح مصادر أن السياسة الداخلية للإدارة الامريكية هي التي ستحدد مصير الاتفاق. وبالنظر إلى التحليلات الواردة حول هذا الأمر، يُعتقد أن يكون هناك تأثير للاتفاقية على الاقتصاد العالمي بشكل كبير وواسع النطاق، بما في ذلك زيادة المعروض في أسواق النفط وفتح الاقتصاد الإيراني أمام التجارة الخارجية.
على الجانب الآخر، يرى البعض أنه وإن تم الوصول إلى اتفاق، فإن عمره ومدى استمراره سيظل غير مضمون؛ ففي حال تولى الحزب الجمهوري مقاليد البيت الأبيض في انتخابات عام 2025، سيكون الانسحاب من أي اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي أولوية، كما فعل الرئيس "ترامب" سابقًا. ويُرجّح أيضًا أن ينسحب الرئيس الجمهوري المستقبلي للولايات المتحدة من الاتفاق في وقت مبكر من رئاسته، كما صرّح بعض المتنافسين.
أما في الوقت الحالي، فإن الأنظار تتجه نحو الكونجرس؛ حيث يهدد المشرّعون المعارضون للاتفاقية باستخدام جميع الأدوات المتاحة لإحباط تنفيذها، ومنع إيران من الحصول على أي فوائد اقتصادية، وفرض تكلفة سياسية على الديمقراطيين الذين يدعمون الاتفاقية. وبدورها، تراقب الشركات المتخصصة في المجالات الصناعية، من الطاقة إلى الخدمات المالية، عن كثب النقاشات الدائرة في كل من فيينا وكابيتول هيل.
وفي حال تم التوصل إلى اتفاق، سيظهر اتجاهان في واشنطن؛ حيث سيشيد الطرف الأول الموالي للرئيس "بايدن" ومعظم الديمقراطيين بالاتفاق، باعتباره نهجًا يؤدي لوقف مسيرة إيران نحو امتلاك سلاح نووي. بالمقابل، سيقود الجمهوريون هجمات وحملات ضد الاتجاه الأول محاولين التأكيد على أن الاتفاق النووي يشكل خطورة على أمريكا. وفي هذا الإطار، من المتوقع أن يكون سباق الانتخابات النصفية صعبًا على الديموقراطيين؛ حيث سيحاولون الصمود أمام تلك الهجمات، رغم ترجيح البعض لإمكانية صمودهم على الأقل خلال العامين المقبلين وقدرتهم على الحفاظ على الاتفاقية.
أما السيناريو الأخر، فيمثل في أن يقوم الجمهوريون بوصف الصفقة بأنها خطر على الأمن القومي الأمريكي، وبالتالي سيبذلون ما في وسعهم للحفاظ على فرض العقوبات على إيران وحتى السعي لزيادتها، ومحاولة كبح جماح الشركات الأجنبية المندفعة نحو إقامة علاقات تجارية مع طهران. ومع اقتراب الانتخابات، يُتوقع أن يتعهد المرشحون بتمزيق الاتفاقية النووية في اليوم الأول من رئاستهم، حيث أثبت "ترامب" أن هذا النهج ممكن وقابل للتطبيق.
نتيجةً لهذا الاختلاف والتباين بين هذا الاتجاهين، فإن نهج أمريكا تجاه إيران يوصف بأنه متذبذب ولا يمثل استراتيجية وطنية كبرى وموحدة؛ فقد أحدث الانسحاب الأول من الاتفاق ضجة في وزاراتي الخارجية والمالية ومجالس الإدارة والبنوك، وفي حال عودة الإمداد النفطي الإيراني إلى العالم قد تتأثر الشركات بذلك بشكل كبير.
انعكاس الأزمة السورية على الاتفاق
رغم استمرار المناوشات في سوريا وزيادة التوترات بين كل من الولايات المتحدة وإيران، إلا إن ذلك لن يؤثر على الاتفاق النووي المحتمل، كما إن الصراعات داخل سوريا قد تهدد فقط الدعم السياسي الأمريكي لنشر القوات في البلاد. فقد ذكرت تقارير أن القوات المدعومة من إيران أطلقت طائرة مسيرة في الـ15 من آب/ أغسطس الماضي على الحامية العسكرية الأمريكية في التنف، كما وقع هجوم صاروخي في اليوم ذاته على القوات الأمريكية شمال شرق البلاد. وردًا على الهجوم، قصفت الولايات المتحدة أهدافًا مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني على الحدود السورية العراقية في الـ23 من الشهر نفسه. لكن طهران لم تتوقف بل ردت بعد يوم واحد بمزيد من الهجمات على القوات الأمريكية، أسفرت عن إصابة ثلاثة جنود على الأقل، فيما ردت الولايات المتحدة مرة أخرى بقصف بطائرات هليكوبتر هجومية ومدفعية، ما أسفر عن مقتل العديد من المسلحين.
ورغم استمرار تلك المناوشات بين الطرفين والحديث عن قرب إنجاز الاتفاق النووي، إلا أنه من المتوقع أن المحادثات النووية الجارية لن تحل إطلاقًا إشكالية التنافس بين واشنطن وطهران في سوريا، ما يرجّح استمرار الاشتباكات المستقبلية وربما لمدة أطول وعلى نطاق أوسع. رغم ذلك، لا تُولي الولايات المتحدة أولوية للوضع في سوريا في الوقت الحالي بسبب الانشغال بتحديات جيوسياسية أكبر، مثل الغزو الروسي لأوكرانيا وتهديدات الصين ضد تايوان، لكن هذا قد يتغير مع استمرار المضايقات من قبل إيران أو وجود خسائر أمريكية أكبر.
يُذكر أن العديد من المسؤولين الأمريكيين السابقين الذين عملوا في سوريا ينتقدون استراتيجية الولايات المتحدة إزاء الملف السوري؛ حيث وصفها السفير الأمريكي السابق في سوريا، روبرت فورد، بأنها مماثلة لتجربة الولايات المتحدة في فيتنام. ومع عدم اقتراب وجود حل للأزمة السورية، يتعزز التصور بأن الولايات المتحدة عالقة في مستنقع، وقد يؤدي ذلك إلى مطالب بسحب القوات الأمريكية من سوريا.
تطور العلاقات الإيرانية الخليجية
تواصل إيران العمل على تحسين علاقاتها الدبلوماسية الخارجية خصوصًا مع دول مجلس التعاون الخليجي المجاورة؛ فقد قامت الإمارات بإعادة سفيرها إلى طهران كما فعلت الكويت، بينما لا تزال السعودية منخرطة في المحادثات الثنائية. رغم ذلك، لا يزال من السابق لأوانه الجزم بأن الاتجاه الجديد في العلاقات الإيرانية الخليجية يمكن أن يُسهم في تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، وما زال متوقعًا أن تستمر التوترات على مستوى عالٍ خلال الفترة من 2023 إلى 2026.
في السياق ذاته، تعكس التطورات الدبلوماسية الأخيرة أهداف السياسة الخارجية لإيران التي تسعى لتحسين العلاقات مع جيرانها، بينما لا يبدو ارتباط كبير بين هذه الجهود وبين الجهود المبذولة لإحياء "خطة العمل الشاملة المشتركة"، إذ من المرجّح استمرار محاولات تحسين العلاقات الخليجية، بغض النظر عن مصير الاتفاق النووي. وفي ظل الوضع الاقتصادي المحفوف بالمخاطر في إيران، فلن تستطيع تحمل تكاليف انغماسها في المنطقة، وعلى الأرجح ستستفيد من تهدئة التوترات، التي تعتبرها نقطة قوة لمواجهة نفوذ "إسرائيل" المتزايد.
من جهة أخرى، فإن تحسين علاقات طهران مع دول مجلس التعاون قد لا يحمل بالضرورة تأثيرات إيجابية على الساحات الإقليمية المتوترة، مثل اليمن وسوريا والعراق. ففي حالة اليمن، ورغم أن الدعم المالي والتكنولوجي الذي تقدمه إيران للحوثيين قد أثر بشكل فعال على مقاومتهم ضد التحالف الذي تقوده السعودية، إلا أن هذا لا يعني أن إيران تتمتع بنفوذ كبير عليهم؛ فقد كشفت المصادر أن الحوثيين يقومون بالعديد من العمليات العسكرية دون التنسيق مع إيران.
وفي العراق، ترتبط الأزمة السياسية الحالية بالمنافسات الداخلية، كالتنافس بين الفصائل الشيعية، بشكل أكبر من ارتباطها بالمنافسة بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي. أما بالنسبة للملف السوري، فإن المواجهة الإيرانية "الإسرائيلية" في البلاد ستكون السبب الرئيسي لتصعيد محتمل، وليس التنافس بين إيران ودول مجلس التعاون.