المصدر: ستراتفور
الترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات
الرابط: لقراءة وتحميل الترجمة / اضغط هنا
مقدمة:
ذكر وزير خارجية المملكة المتحدة، اللورد بالمرستون، أن الولايات المتحدة والسعودية لن تكونا صديقتين دائمتين؛ حيث ترتكز علاقاتهما على اصطفافات مؤقتة نشأت من الجغرافيا السياسية للعصر الحديث. وبنظرة تاريخية سريعة، وفي أواخر الحرب العالمية الثانية ومع بزوغ فجر الحرب الباردة، نشأ اتفاق بسيط بينهما يقوم على أن توفر المملكة النفط لتحقيق الاستقرار في سوق الطاقة العالمية، مقابل الحماية العسكرية الأمريكية من المنافسين المدعومين من السوفييت الذين سعوا للإطاحة بالمملكة. وقد كان هذا ممكنًا حينذاك لأن العالم كان في مرحلة ثنائية القطب؛ حيث تم الضغط على الدول إما في الشرق الشيوعي أو الغرب الرأسمالي، مع وجود مساحة صغيرة للمناورة بينهما بالنسبة للدول الضعيفة عسكريًا لكنها مهمة اقتصاديًا مثل السعودية. حتى مع سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991، ظلت أساسيات الاتفاق كما هي؛ فقد قدّم السعوديون النفط وقدمت الولايات المتحدة الحماية من العراق وإيران ثم من تنظيم "القاعدة".
التغير الجيوسياسي العالمي سيوسع الهوة بين السعودية والولايات المتحدة
إن هذا الاتفاق لا يمكن أن يستمر؛ فبمرور الوقت بدأت الولايات المتحدة محورًا للطاقة لإنتاج المزيد من النفط وتقليل استخدامه، ثم صعدت الصين كمنافس متزايد للولايات المتحدة، ما جذب الانتباه الاستراتيجي الأمريكي إلى آسيا. وقد حاولت الولايات المتحدة لكنها فشلت في إعادة ترتيب الشرق الأوسط من خلال بناء الدولة، فقررت واشنطن أنه من الأفضل إنهاء الصفقات مع خصوم مثل إيران بدلًا من البقاء في صراع مستمر.
وكانت هذه هي المكونات التي أوجدت عالمًا ناشئًا متعدد الأقطاب، أما خلال هذه الحقبة فليست السعودية مجبرة على الانحياز بوضوح إلى أحد الجانبين، كما جرى خلال عصور الحرب الباردة والحرب على الإرهاب. في الواقع، إن بعض أكبر جوانب التصدع، مثل المواجهة بين الولايات المتحدة والصين والحرب بين روسيا وأوكرانيا، لا تشكل تهديدًا مباشرًا يذكر للرياض نفسها، وبالتالي ليس ثمة سبب وجيه للمملكة لاستخدام ثقلها النفطي نيابة عن صديقتها الأمريكية. بالأحرى، هناك سبب إضافي يدفع المملكة إلى جني ما تستطيع من دخل من النفط، قبل التطورات التكنولوجية والتغير الاقتصادي الذي يقلل من قيمته في العقود القادمة. وبما أن السعودية والولايات المتحدة لا تزالان متجهتين إلى التباعد، فإن الأحداث المستقبلية في العالم متعدد الأقطاب لن يؤدي إلا إلى مزيد من التباعد بينهما.
الرياض لن تستجيب للضغوط الأمريكية على حساب مصالحها مع موسكو وبكين
في المستقبل قد تتوقع الولايات المتحدة مرة أخرى أن تتصرف السعودية بما يخدم المصالح الأمريكية، معتقدةً خطأً أنها تتوافق مع المصالح السعودية، لكن الرياض سترفض القيام بذلك. فعلى سبيل المثال، لن تتماش المملكة مع أي محاولات لفرض حد أقصى لسعر النفط الروسي، مع العلم أن ذلك قد يؤثر على صافي أرباح صادراتها أيضًا. كما إنه من غير المرجح أن تمنع الرياض السياح الروس أو الشركات الروسية من الدخول أو الاستثمار في المملكة، بل ستواصل الاتصالات الدبلوماسية مع روسيا لدرجة إرسال وفود رفيعة المستوى، رغم الآثار السلبية لذلك في الغرب، لضمان أن يكون للمملكة علاقات عمل مع قوة نفطية زميلة، والتي خاضت معها الرياض مؤخرًا حرب الأسعار في عام 2020.
إضافةً إلى ما سبق، ووراء هذا التوتر المتزايد، تلوح في الأفق مواجهة بين السعودية والولايات المتحدة بشأن الصين؛ فمع تزايد تهديدات الصين لتايوان ومحاولات واشنطن ردع النمو الاقتصادي والعسكري لبكين ومكافحته، ستعتمد الولايات المتحدة على شركاء مثل السعودية للسيطرة على القوة الصينية. وفي حال حدوث غزو صيني أو تصعيد عسكري كبير ضد تايوان، ستحاول الولايات المتحدة الضغط على اقتصاد الصين المعتمد على الطاقة، بفرض قيود أو حتى حظر على صادرات النفط، لكن السعودية سترفض مثل هذا الحظر، حيث تتدفق الآن صادرات المملكة إلى الصين. لكن هذه المقاومة لن تكون مدفوعة بالرغبة في دعم الصين بنشاط في محاولتها السيطرة على تايوان عسكريًا، بل بسبب أن مثل هذه الحرب البعيدة في آسيا ستكون أقل أهمية للمملكة من دخل النفط. وفي عالم متعدد الأقطاب أكثر من أي وقت مضى، يصير مثل هذا الاختيار منطقيًا استراتيجيًا، حتى على حساب العلاقات مع الولايات المتحدة.