السودان والدستور الجديد

السودان يقترب من وضع دستور جديد قد لا تقبله لجان المقاومة المدنية ما يرجح استمرار الاضطرابات

الساعة : 12:30
9 نوفمبر 2022

المصدر: ستراتفور + فيتش سوليوشنز

ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات

الرابط: لقراءة وتحميل الترجمة / اضغط هنا

مقدمة:

تحل الذكرى السنوية الأولى للانقلاب العسكري في السودان في الوقت الذي يقترب فيه الجيش والجماعات المدنية من التوصل لاتفاق بشأن مسودة دستور، يمكن أن يحسّن التوقعات الاقتصادية للبلاد على المدى القريب. بدورها، تقوم كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والإمارات والسعودية بتسهيل المحادثات بين الجيش وقوات الدعم السريع و"قوى الحرية والتغيير"، فيما تعمل الأطراف المعنية على مسودة الدستور التي قدمتها نقابة المحامين السودانيين، والتي قد تسفر عن حكومة جديدة بمشاركة الجماعات المتمردة و"قوى الحرية والتغيير" وأحزاب سياسية أخرى وجماعات احتجاجية منفصلة.

وضع مبشّر في ظل محادثات تقودها أطراف دولية

يمكن القول إن الأوضاع في السودان توحي بالتفاؤل بشأن احتمال تشكيل حكومة انتقالية بقيادة مدنية؛ حيث يبدو أن المفاوضات بين الجيش وجماعات المعارضة تحرز تقدمًا ملحوظًا. فرغم احتفاظ "البرهان" ونائبه "دقلو" بالسيطرة الكاملة على الحكومة منذ الانقلاب العسكري في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، وما تلاه من حل مجلس السيادة في يوليو 2022، إلا أن "البرهان" أعلن بشكل غير متوقع أن الجيش سيتنازل عن السلطة ويفسح المجال لحكومة انتقالية مدنية. لكن ينبغي أخذ هذا الإعلان بحذر؛ إذ لا يمكن الجزم بأن الانتقال إلى الانتخابات الديمقراطية سيكتمل بحلول تموز/ يوليو 2023 كما هو مخطط سابقًا، إلا أنه يمكن توقع أن تتولى السلطة حكومة بقيادة مدنية خلال فترة انتقالية.

وبناءً على الترتيب الذي يجري الاتفاق عليه، سيخضع جهاز أمن الدولة لإصلاحات وسيقوم مجلس مدني على الفور بتعيين رئيس وزراء مدني، يقود البلاد إلى انتخابات عام 2024 ويرأس مجلس دفاع الأمن في نهاية المطاف. وبحسب ما ورد، سيظل لدى الجيش بعض ضمانات الاستقلال والحرية من المقاضاة على الجرائم التي ارتُكبت خلال العام الماضي وأثناء ثورة 2019، وسيُطلب من الجيش استيعاب قوات الدعم السريع. بناءً على ذلك، من المرجح أن يؤدي التوصل لاتفاق على هذا المنوال إلى إلغاء تجميد مليارات الدولارات من المساعدات الغربية والاستثمارات الأجنبية، لصالح المشروعات الزراعية والبنية التحتية التي تم تعليقها عندما استولى "البرهان" على الحكومة عام 2021، ما سيعطي دفعة كبيرة للاقتصاد السوداني المتعثر ويخفف من الأزمة المعيشية المتدهورة.

اعتراض لجان المقاومة المدنية على حصانة العسكريين قد يعطل المسار

بالمقابل، حتى إذا توصلت الائتلافات السياسية العسكرية والمدنية لاتفاق، لا يُرجّح أن تقبل لجان المقاومة المدنية بتقديم تنازلات للجيش، ما يعني استمرار الاضطرابات العنيفة إلى مستوى معين، وهو ما يهدد الانتقال إلى الحكم المدني. فلا يُتوقع أن يتنازل "البرهان" و"دقلو" وأعضاء آخرون في المؤسسة الأمنية عن السلطة دون تأكيدات، بأن الحكومة المدنية الجديدة لن تحاول مقاضاتهم على جرائم مزعومة ارتُكبت في عهد "البشير" وعلى مدار حكم المجلس العسكري.

وبالتالي، من المرجّح أن يوافق السياسيون المدنيون في "قوى الحرية والتغيير" على مثل هذه التنازلات ليتمكنوا من التوصل لاتفاق، لكنّ لجان المقاومة قد ترفض مسودة الدستور التي اقترحتها "قوى الحرية والتغيير" والجيش وقوات الدعم السريع، وتواصل تنظيم احتجاجات تدعو إلى العودة إلى الحكم المدني ومحاكمة مرتكبي الجرائم العسكرية. وعلى المدى القصير، قد يؤدي هذا إلى اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن في مدن مثل الخرطوم وأم درمان، فضلًا عن مزيد من العنف في الولايات الأخرى حيث تركز قوات الأمن على قمع المعارضة في المراكز الحضرية.

على المدى المتوسط، قد تأتي مطالب لجان المقاومة باستبعاد الجيش من الحكومة السودانية المقبلة بنتائج عكسية؛ إذ لا يُرجّح أن يتنازل قادة مثل "البرهان" عن طيب خاطر عن كل السلطة لائتلافات مدنية. وعليه، يُتوقع أن توفر الاضطرابات العنيفة المستمرة ظروفًا مواتية للقادة العسكريين الانتهازيين، لاستخدام الانقسام السياسي المدني كمبرر للاستيلاء على السلطة في المستقبل. لكن يظل احتمال حدوث انقلاب آخر احتمالًا بعيدًا؛ فمن المرجح أن يظل الانقسام الداخلي والمنافسة داخل المؤسسة الأمنية، لا سيما بين أفراد الجيش وقوات الدعم السريع، تهديدًا لانتخابات حرة ونزيهة عام 2024. ووسط مزيد من الاضطرابات في المناطق الحضرية الأكثر اكتظاظًا بالسكان، فإن ولايات مثل النيل الأزرق (التي عانت من 220 حالة وفاة خلال أعمال العنف الطائفي)، قد تشهد مزيدًا من العنف الناتج عن مظالم عرقية وأرضية طويلة الأمد.

مخاطر الاضطرابات ستظل تلوح في الأفق

على المستوى الشعبي، وفي ظل تراجع الوضع في البلاد، ستظل مخاطر الاضطرابات الاجتماعية مرتفعة على المدى القريب؛ حيث يشير عدم مشاركة النقابات العمالية وجماعات المجتمع المدني في المفاوضات السياسية الحالية، إلى أن الاتفاق قد يواجه مستوى معينًا من المعارضة. كما يُعتقد أن حصانة الجيش قد تثير غضب الأشخاص الذين يسعون للعدالة عبر محاسبة المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبت في ظل حكم "البشير"، أو أثناء قمع الاحتجاجات منذ انقلاب تشرين الأول/ أكتوبر 2021. وهنا تجدر الإشارة إلى مخاطر اندلاع احتجاجات فور الكشف عن شروط الاتفاق الجديد، رغم تراجع موجات الاحتجاجات منذ الربع الثاني من عام 2012، حيث أصبح المتظاهرون محبطين من آفاق التغيير السياسي ولانشغالهم أكثر بالضروريات الاقتصادية الملحة، وسط ارتفاع الأسعار؛ حيث وصل التضخم إلى ثلاثة أرقام منذ أيار/ مايو 2020.