المصدر: جريج كارلستروم: مراسل الشرق الأوسط، ذي إيكونوميست، دبي
ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات
الرابط: لقراءة وتحميل الترجمة / اضغط هنا
قال الرئيس الأمريكي الراحل، هربرت هوفر: "طوبى للشباب لأنهم سيرثون الدين القومي"، ومن هنا ينبغي تقديس أولئك الموجودين في الشرق الأوسط على وجه الخصوص، وذلك لأن الدول المستوردة للنفط ستختم عام 2022 بديون تثير القلق وتثقل كاهل الأجيال القادمة؛ فكل من مصر وتونس مدينون بحوالي 90% من الناتج المحلي الإجمالي، أما لبنان، الذي تخلّف عن السداد خلال عام 2020، لم يستطع بعد إعادة هيكلة تلال الديون التي تقزم اقتصاده.
وفي هذا الإطار، ستكون الديون القضية المهيمنة على تلك الدول خلال عام 2023؛ حيث سيسعى بعضها إلى برامج صندوق النقد الدولي أو يبدأ تنفيذها بالفعل (اثنان منها عملاء متكررون). وحتى في ظل الدعم الخارجي، ستكافح المنطقة لإخراج نفسها من فخ الديون، وسيحمل عام 2023 ميزانيات ضيقة ومزيدًا من العجز والمصاعب لكثير من الشعوب العربية.
فمن جانبها، أعلنت مصر عن صفقة بقيمة ثلاثة مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وهي سيولة نقدية تشتد الحاجة إليها في بلد ستبتلع فيه خدمة الدين وحدها ما يقرب من نصف الإيرادات خلال عام 2023. لكنها ستحتاج إلى المزيد، وبالتالي فإن الحكومة ستقوم ببيع بعض الشركات المملوكة للدولة لزيادة رأس المال، وستسعى لخفض استهلاك الكهرباء لتعزيز صادرات الغاز الطبيعي. كما إنها ستستمر في تقليص الواردات، وإن لم يكن بنفس القوة التي كانت عليها عام 2022، ولن يكون هناك إنفاق كبير على التعليم أو الرعاية الصحية.
وللوفاء بشروط اتفاقيتها مع الصندوق، خفّضت مصر عملتها، التي فقدت حوالي 35% من قيمتها عام 2022، ومن المفترض أن يساعد ذلك في خفض فاتورة الاستيراد، لأن السلع الأجنبية أصبحت باهظة الثمن أكثر من أي وقت مضى. ويعتقد بعض المستثمرين أن الجنيه قد يواجه مزيدًا من الانخفاض، فقد بلغ التضخم ذروته في أيلول/ سبتمبر حيث وصل 15%، و 22% للغذاء، وسترتفع الأسعار بمعدل أعلى بكثير عام 2023.
بدوره، توصّل لبنان لاتفاق على مستوى الموظفين مع صندوق النقد الدولي في نيسان/ أبريل، وللسماح له بهذا القرض البالغة قيمته ثلاثة مليارات دولار، يجب على لبنان أن يمرر ميزانيته، وأن يفرض ضوابط على رأس المال، وأن يصلح قانون السرية المصرفية، وأن ينظف قطاعه المالي. لكنه لم يفعل شيئًا من ذلك تقريبًا، فقد تمت فقط الموافقة على ميزانية 2022 أواخر أيلول/ سبتمبر، ومن المحتمل أن تحقق تقدمًا طفيفًا خلال عام 2023، لكن لا يريد السياسيون الفاسدون ولا البنوك المتعسرة مواجهة الواقع.
وفي ظل هذه المعطيات، سيعيش البلد على الصدقات؛ حيث ستوفر تحويلات المغتربين قدرًا ضئيلًا من العملة الصعبة، وسترسل إيران بعض شحنات الوقود التي قد تزود البلاد بساعتين من الكهرباء يوميًا، بينما سيستمر الفقر والجريمة في الارتفاع، وسيسعى مزيد من المواطنين من أبناء الطبقة الوسطى للهجرة عبر الطائرات، بينما سيخاطر الفقراء بحياتهم في القوارب عبر البحر.
أما تونس فسوف تكون في درجة متوسطة بين سابقتيها؛ حيث ستواجه صفقة صندوق النقد الدولي معارضة متواصلة من "الاتحاد التونسي العام للشغل" (النقابة العمالية القوية)، الذي يخشى أن يفرض القرض تخفيضات على الأجور والدعم ويُزيد من حدة الفقر. من ناحيته، سيحاول الرئيس التونسي، قيس سعيد، ذو العقلية الاستبدادية إقناع الاتحاد للموافقة على اتفاقية الصندوق، إذ لن يكون لديه خيارات كثيرة، في ظل مكافحة البلاد لاستيراد المواد الغذائية الأساسية، وعليه فإن تفاقم الاضطرابات احتمال قوي.
في ظل ما سبق توضيحه، يأمل الجميع في الحصول على مساعدة من دول الخليج؛ فإذا ظلت أسعار النفط مرتفعة سيكون هناك مليارات الدولارات لإنفاقها في جميع أنحاء المنطقة، لكن رغم ذلك فقد ولّت أيام المنح السخية للحلفاء. وبدلًا من ذلك، فإنهم يرون في دول مثل مصر أصولًا متعثرة، وسوف تستحوذ صناديق الثروة السيادية على حصص في القطاعات الاستراتيجية، وبالتالي فإن أمراء الخليج سيكونون أقل حرصًا على منح الشيكات.
والخلاصة أن مصر دفنت نفسها في الديون لبناء مشاريع عملاقة مشكوك في جدواها، وتونس تعاني لدفع واحدة من أكبر فواتير الرواتب العامة في العالم، بينما حوّل لبنان اقتصاده إلى "مخطط بونزي" عملاق، وليس لدى واحدة من تلك الدول خطة لإصلاح جِدّي، وأفضل ما يمكن أن يأمله أي منهم خلال عام 2023 هو الخوض في المشاكل.