المصدر: نِتورك جلوبال نيوز
الترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات
الرابط: لقراءة وتحميل الترجمة / اضغط هنا
تشهد منطقة الشرق الأوسط موجة كبيرة من النشاط الدبلوماسي؛ حيث شرعت الدول العربية في سياسات إقليمية جديدة لإصلاح العلاقات مع بعضها البعض ومع إيران. وفي ظل هذا التوجه الجديد، دخل وسطاء جدد، مثل الصين، لملء الفراغ الناتج عن تراجع الدور الأمريكي الملحوظ في المنطقة؛ إذ يبدو أن الإدارة الأمريكية قد تخلت عن دورها البارز كحليف آمن يمكن الوثوق به دبلوماسيًا وعسكريًا. وفي هذا الإطار، برز انفراج إقليمي؛ حيث أقدمت دول مثل الإمارات والسعودية على إعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، فيما تواصل سوريا والإمارات توطيد علاقاتهما، كما تعيد تركيا إحياء علاقاتها مع مصر.
على جانب آخر، فإن محاولات المصالحة في بعض هذه الحالات يمكن أن تؤثر على علاقات "إسرائيل" القوية مع دول "اتفاقيات أبراهام"، إذ إن آمال رئيس الوزراء "الإسرائيلي"، بنيامين نتنياهو، في تشكيل سياسة شرق أوسطية تشمل السلام مع السعودية، لا يبدو أنها تمثل أولوية للمملكة في المستقبل القريب. ونظرًا لأن هدف إيران النهائي هو القضاء على الدولة اليهودية باستخدام الأسلحة النووية في نهاية المطاف، فإن تركيز الانفتاح الإيراني على الإمارات والسعودية، فضلًا عن استمرار طهران في ترسيخ وجودها بسوريا، يثير قلق "إسرائيل" المنشغلة عن الخطر المتزايد على حدودها لصالح مشاكلها الداخلية وعدم القدرة على تعاطيها مع الصراع الداخلي حول الإصلاح القضائي.
انعكاس تراجع إدارة أوباما في الشرق الأوسط
عندما قررت إدارة "أوباما" التراجع عن كونها الوسيط الرئيسي القوي في الشرق الأوسط، ملأت روسيا الفراغ؛ فأرسل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أسلحة متطورة إلى سوريا وبنى ميناءً بحريًا على شاطئها. وكان لزامًا على "إسرائيل" تنفيذ سياسة عدم التضارب مع روسيا لتجنب النزاعات في المجال الجوي فوق سوريا. واليوم تستخدم روسيا هذه السياسة كورقة ضغط ضد "إسرائيل"، خصوصًا عندما تتخذ الأخيرة إجراءات عسكرية ضد قواعد الصواريخ الإيرانية في سوريا، حيث أن روسيا باستطاعتها تهديد قدرة "إسرائيل" على تنفيذ ضرباتها العسكرية الوقائية ضد إيران في سوريا. والسؤال الذي يطرح نفسه، ما المزايا التي ستتميز بها الدول الأخرى عن "إسرائيل" في المستقبل عندما يملأ لاعبون جدد، مثل الصين، الفراغ الأمريكي الذي حدث خلال إدارة "بايدن"؟
لقد كان أحد إنجازات وزير الدفاع "الإسرائيلي" السابق، بيني غانتس، بناء اتفاق عسكري جديد أقوى بين "إسرائيل" والولايات المتحدة، حيث كان من المفترض أن يكون مظلة عسكرية لدول "اتفاقات أبراهام"؛ أملًا في أن يكون هذا الدرع الدفاعي محفزًا لدول أخرى في المنطقة لتطبيع علاقات سلام مع "إسرائيل". وكانت الفكرة أن هذا الدرع المتقدم بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" سيحمي دول الخليج من حيل إيران، لكن هذا الحلم بدأ يتلاشى إثر قيام دول الخليج بتنفيذ اتفاقاتها الخاصة لحماية مصالحها. وإن كان من المعروف أن "إسرائيل" تتقدم في مجالات الأعمال والتجارة والازدهار الاقتصادي من خلال "اتفاقات أبراهام"، إلا أن هذا التحول الدبلوماسي الجديد في الشرق الأوسط لا يكفي لشعور دول الخليج بالأمان، إذا أقدمت إيران أو وكلاؤها على مهاجمة مصالح الخليج في المنطقة.
إن الحاجة الماسة لهذه الدول هي السلام والاستقرار، هو ما أدى للتغيير الحالي في ميزان القوى الإقليمي، الذي أصبح فيه سماسرة القوة الجدد هم المؤثرين في ظل انحسار القوة الأمريكية؛ فبالنسبة لدول الخليج يُعتبر ذلك مسألة وجود، أما بالنسبة لـ"نتنياهو" فيُعتبر نكسة في محاولاته عزل إيران بالتعاون مع شركائه القدامى والجدد.
تغيّر نظرة السعوديين تجاه أمريكا
وفي هذا الصدد، يرى المحلل المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، جوناثان سباير، أن هناك تصورًا سعوديًا عن أمريكا يرجع إلى أكثر من عقد من الزمان، حيث بدأ منذ إدارة "أوباما" واستمر خلال رئاسة "ترامب" ثم تأكد بقوة خلال إدارة "بايدن". إن "الإحساس الذي يشعر به السعوديون هو أن الأمريكيين لا يعيرونهم اهتمامًا، وأنهم ليسوا متحمسين للانخراط القوي في الشرق الأوسط". ويفصّل "سباير" في ذلك بأنه مع "أوباما" كان هناك شعور بوجود نظرة أيديولوجية قوية وواضحة كانت سيئة بالنسبة للسعوديين، بينما ظهر شيء من التناقض والفوضى مع "ترامب"؛ حيث كانت تصرفاته في بعض الأحيان متقبلة وأحيانًا أخرى لم تكن كذلك. أما "مع بايدن فقد أصبح الأمر واضحًا جدًا في الإشارة إلى السعودية على أنها منبوذة؛ وتجلى ذلك في شطب الحوثيين من قائمة الإرهاب، وسحب بطاريات باتريوت من السعودية، وبالتالي أصبح لدى السعوديين انطباع بأن هذا الرجل لا يريد أن يلعب دوراً حمايتنا من إيران".
نتيجة لذلك، بحسب رأي "سباير"، فإن السعوديين قد توصلوا لاستنتاجاتهم الخاصة وهم الآن يدعمون هذه الاستنتاجات بعمل دبلوماسي؛ فمن وجهة النظر السعودية، يؤكد "سباير" على أنه "لا يوجد معسكر أمريكي قوي في هذه المنطقة يمكنهم الانضمام إليه، والذي سيكون الأساس الوحيد الذي سيفكرون فيه بجدية في المضي قدمًا مع إسرائيل". ويضيف المحلل أنه إذا اعتقد السعوديون أن ذلك موجوداً، فإنهم "سينضمون بعد ذلك إلى أقوى عصبة في الكتلة، إن جاز التعبير، ضد أعدائنا الخطرين في طهران وغيرها".
وبحسب "سباير"، فإن كل هذا له علاقة بإيران لأنها تمثّل التحدي الأخطر؛ أولًا من حيث برنامجها النووي، وثانيًا بسبب هدفها في محاولة الوصول للهيمنة الإقليمية من خلال وكلائها. يقول "سباير": "أعتقد أن ما سيتطلبه الأمر بالنسبة لدول الخليج العربية واللاعبين الآخرين في المنطقة، لتغيير آرائهم، هو تحرك أمريكي قوي ضدهم (في إشارة إلى إيران ووكلائها)"، ويضيف أنه دون العودة إلى طاولة المفاوضات حول اتفاقية "JCPOA" فإن أمريكا بحاجة إلى "خطة ب"، والتي تتطلب إمكانية ذات مصداقية لاستخدام القوة المسلحة ضد إيران فيما يتعلق بالملف النووي. ويجب أن تُظهر أمريكا قلقًا أكبر، لأنه وفقًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن إيران تقوم الآن بتخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 83.6%، وهي نسبة قريبة من الكمية اللازمة للوصول لسلاح نووي.
ويعترف "سباير" بأن أمريكا لا تُظهر ضعفًا لكنها "تُظهر لامبالاة"، مشيرًا إلى أن قوى الشرق الأوسط تعتقد أن أمريكا ليست مهتمة بهذه المنطقة في الوقت الحالي، لكنها في الحقيقة ليست مستعدة لتخصيص موارد لكبح أعدائها فيها، حيث تتركز مصالحها ومواردها العسكرية في مناطق أخرى من العالم.
تعارض الرؤى بشأن "اتفاقيات أبراهام"
من جهة أخرى، يتفق المحللون على أن "إسرائيل" تعتبر "اتفاقات أبراهام" بمثابة ولادة لتحالف مضاد لإيران، لكن دول الخليج بالمقابل لا ترى الأمر كذلك؛ ففيما يتعلق بتواصلها مع "إسرائيل"، وفقًا لـ"سباير"، هو "نوع من الاحتياط في الرهانات أكثر من كونه ولاءً واضحًا لمعسكر بعينه؛ حيث يتعاملون مع الإيرانيين ومع أعدائهم، وبذلك يجعلون أنفسهم في موضع أكثر أمنًا". ويضيف "سباير" أن الأمر يتعلق بالمساومة أيضًا؛ فلا يتعلق بالضرورة بنوع المواجهة مع إيران الذي تتخذه "إسرائيل"، لأنها ليس لديها خيار آخر ولا تملك أي مناورات دبلوماسية يمكنها استخدامها مع إيران؛ فإيران تستهدف تدمير "إسرائيل"، لكن الحال ليس هكذا بالنسبة لدول الخليج التي لديها مساحة من المناورة.
ويزعم "سباير" أنه يبدو واضحًا أن أمريكا لا تلتزم بالدفاع عن حلفائها ضد أعدائها في الشرق الأوسط، لكنها تفعل شيئًا آخر، ويرى أن التقدم للأمام يتمثل في حمل إيران على وقف طموحاتها النووية، موضحاً وجهة نظره بالقول إن "الشيء الوحيد الذي أعتقد أنه يمكن أن يوقفهم هو الخوف من العمل العسكري، فإذا كان هناك خوف حقيقي من جانب إيران من أن العمل العسكري بقيادة الولايات المتحدة سيحدث، فقد يفكرون مرارًا". وفي ظل هذه المعطيات، سيستمر تحول التحالفات في الشرق الأوسط حتى تشعر دول الخليج بالحماية والأمان من أي مواجهة مستقبلية مع إيران، إذ يبدو أنهم لا يثقون تمامًا في الولايات المتحدة أو "إسرائيل" في تحقيق هذا الهدف.