المصدر: أكسفورد أناليتيكا
الترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات
الرابط: لقراءة وتحميل الترجمة / اضغط هنا
تفصلنا أيام قليلة عن الانتخابات التركية التي يبدو أن السيناريو الأكثر ترجيحًا فيها هو الذهاب لجولة ثانية في انتخابات الرئاسة، بينما يُتوقع أن يظل البرلمان معلقًا في ظل عدم حصول أي من الحزبين (أو التحالفين) الرئيسيين على أغلبية حاسمة. بدوره، سيلعب "حزب الشعوب الديمقراطي" المتحالف مع الأكراد دورًا رئيسيًا في تشكيل تحالف في الهيئة التشريعية للفترة الجديدة.
في هذه الأجواء يسود خوف شديد من التلاعب، خصوصًا إذا انتقلت الانتخابات إلى جولة ثانية، لكن من غير المرجح أن تتم سرقة الأصوات بشكل مباشر، خاصةً إذا كانت الفجوة في النتائج أكثر من 1%، كما أن المؤسسات الانتخابية التركية قوية نسبيًا، لأن الأحزاب السياسية تشارك في الإشراف على أدائها، وبالتالي من الصعب التلاعب من قبل الأجهزة الأمنية البيروقراطية لا سيما في مستوياتها الدنيا والمتوسطة، التي تُظهر التمسك بالنزاهة العامة. إضافةً لذلك، فإذا كان هناك مجال لتغيير النظام، فقد يخشى موظفو هذه الأجهزة وغيرها العقاب أو المساءلة، وبالتالي فلن يخاطروا باتخاذ أي خطوات خارج نطاق القانون.
وأيًّا كانت نتائج الانتخابات فإن تركيا على أعتاب مرحلة سياسية صعبة تنتظرها خلال الفترة المقبلة؛ فإذا فاز الرئيس الحالي "أردوغان" فمن المرجح استمرار الوضع الراهن، الأمر الذي سيؤدي إلى استمرار التراجع في جوانب عديدة، وإذا خسر السيطرة على البرلمان فسيفقد البرلمان سلطته ونفوذه بشكل كبير، وسيتم ترسيخ مزيد من السلطة في يده.
أما على الصعيد الخارجي، فإذا فاز "أردوغان" بالرئاسة فمن غير المرجح أن يؤدي ذلك إلى تغيير جذري في سياسة تركيا الخارجية؛ حيث دخل الرئيس التركي بالفعل "منعطفات" عديدة وشرع في عملية لإصلاح العلاقات مع القوى الإقليمية والدول الغربية كذلك. لكن إذا استمر الغزو الروسي لأوكرانيا فمن المحتمل أن تتوتر علاقات تركيا مع الغرب بصورة أكبر، في ظل قيام أنقرة بتطوير علاقات تجارية واقتصادية أقوى مع روسيا.
بالمقابل، وإن كانت خسارة "أردوغان" أمر يصعب ترجيحه إلا أنها ليست مستحيلة، وعليه فإن خسر الانتخابات فيمكن أن نتوقع حدوث التغيير؛ حيث يتمثل التعهد الأول لكتلة المعارضة في دبلوماسية الأولويات، وذلك بالعودة إلى إضفاء الطابع المؤسسي على عملية صنع القرار في السياسة الخارجية، وتهدئة التوترات على الصعيد الخارجي. والمفتاح هنا هو إعادة إضفاء الطابع المؤسسي على صنع السياسة الخارجية، وهذا ينبغي أن يُفضي إلى سياسة خارجية تركية أكثر قابلية للتنبؤ. وإذا نجحت المعارضة في الواقع في إعادة بناء المؤسسات والحصول على ثقة الجمهور، فسيكون ذلك خروجًا مهمًا ومرغوبًا فيه من الوضع الراهن.
رغم ذلك، فإن هناك ملفات لا يُرجح أن يحدث فيها تغيير جذري في السياسة التركية تجاهها، ويشمل ذلك شرق البحر المتوسط والنزاع الإقليمي بين تركيا واليونان؛ فبينما يهدد "أردوغان" بالحرب مع اليونان اعتمادًا على موقعه في صناديق الاقتراع، تتعهد المعارضة من ناحية أخرى بالتخلي عن لهجة المواجهة والتركيز على الدبلوماسية والتفاوض، لكن من غير الواضح إذا كان ذلك سيؤدي إلى تغيير جذري أم لا. ومن الملفات التي لا يُرجح أن تشهد تغييرًا كبيرًا أيضًا هو العلاقات مع سوريا؛ فإذا فازت المعارضة فإنها ستسعى لتطبيع العلاقات مع نظام "الأسد"، لكن هذا سيكون النهج نفسه الذي كان "أردوغان" مستعدًا لاتباعه بالفعل.
على عكس ذلك، فمن الملفات التي يمكن أن تشهد اختلافًا في سياسة التعاطي معها، رغم أنها قد لا ترقى إلى مستوى الانحراف، هي جهود التطبيع مع دول المنطقة لا سيما مصر. ففي الماضي كانت العلاقات مع مصر غير مكتملة لأن "سياسة تركيا تجاه ليبيا" تمثل مصدر قلق خاص لمصر، بينما قد يمهد موقف المعارضة بشأن الملف الليبي الطريق لتطبيع أسرع وربما شراكة أوثق بين أنقرة والقاهرة.