المصدر: ستراتفور
الترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات
الرابط: لقراءة وتحميل الترجمة / اضغط هنا
على طريقته وتحت إدارته وبإحكام شديد، أطلق النظام المصري جولة جديدة من الحوار الوطني، الذي قد يفسح مجالًا لبعض الإصلاحات الاقتصادية الطفيفة، لكنه على الأغلب لن يُسفر عن التغييرات السياسية الحقيقية التي يطالب بها المصريون. ففي الثالث من أيار/ مايو الجاري، أطلقت الحكومة المصرية حوارًا سياسيًا وطنيًا لطرح الأفكار وإيجاد حلول للمشاكل وتوليد أفكار للإصلاح. ويضم الحوار، الذي يستمر بضعة أسابيع، لجانًا فرعية يقال إنها تناقش أكثر من 100 موضوع على نطاقات مختلفة، بما فيها الانتخابات والتعليم والهوية الوطنية والاقتصاد.
لكن رغم ذلك، أوضح المنظمون في اليوم الأول من الحدث أن بعض الموضوعات ستكون محظورة تمامًا، منها القضايا التي تتعلق بالسياسة الخارجية والأمن القومي والدستور، بينما تعهد مسؤولون حكوميون بأن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، سيأخذ أي توصيات تقدمها اللجان الفرعية بجدية تامة، مع أن قرار تنفيذ مثل هذه المقترحات يعود إليه فقط.
وبالتالي، من المرجح أن تؤدي جولة الحوار هذه إلى تحركات ضئيلة فقط لإنعاش الاقتصاد المصري الراكد، أملًا في التخفيف من مخاطر المعارضة المناهضة للحكومة. فالأوضاع الاقتصادية في مصر تشهد تدهورًا مستمرًا خلال السنوات الأخيرة، كما يتضح من ارتفاع مستوى التضخم الذي بلغ أعلى مستوى له على الإطلاق (32.7%) في آذار/ مارس، إضافةً لمؤشرات قاتمة أخرى مثل هروب رؤوس الأموال بمليارات الدولارات.
في هذا السياق، جاء تحرك "السيسي" للإعلان عن الحوار الوطني على الأرجح بدافع القلق المتزايد من أن الاقتصاد المتدهور في البلاد، قد يؤدي إلى تأجيج رد فعل شعبي ضد النظام. وللتخفيف من حدة هذا التهديد، تأمل الحكومة أن يسفر هذا الحوار عن أفكار ملموسة يمكن تنفيذها لتحسين حياة المصريين والمساعدة في تهدئة غضبهم؛ فقد يستطيع المشاركون في الحوار مناقشة بعض الأفكار البسيطة التي قد تكون ملموسة وتؤتي ثمارها في كيفية دعم القطاع الخاص، وتعزيز ريادة الأعمال، ومناقشة هيكلية الضرائب الجديدة والتحويلات النقدية الحكومية للمحتاجين.
لكن بالمقابل، فإن تأجيل الحوار عدة مرات (إذ كان من المفترض أصلًا أن يُعقد العام الماضي)، إلى جانب القيود المشددة على من يمكنه الحضور والموضوعات التي يمكن مناقشتها، كل ذلك يشير إلى أن إدارة "السيسي" تريد منع الحدث من التحول إلى منتدى لإظهار الغضب العام بسبب الاقتصاد، وهو ما قد يأتي بنتائج عكسية ويدفع لمزيد من المعارضة تجاه الحكومة والنظام.
في ظل هذه الأجواء، ودون وجود متنفس للناس للتعبير عن إحباطهم بشأن القضايا السياسية والاقتصادية الكبرى في البلاد، فإن قبضة نظام "السيسي" القوية على السلطة قد تتعرض في نهاية المطاف للتهديد؛ ففي حين أن نظام الحكم السلطوي في مصر يمكن أن يوفر نوعًا من الاستمرار للسياسة والقدرة على التنبؤ بمآلات بعض الأمور، إلا أنه لا يترك مجالًا كبيرًا للمعارضة، وهو ما يعتبر أمرًا ضروريًا لأي نظام مرن وقابل للتكيف. وهذا يعرّض نظام "السيسي" لمخاطر حقيقة بفعل استمرار الكبت والضغط، إذ يمكن أن يتراكم الغضب العام وينفجر في نهاية المطاف كما رأينا خلال الربيع العربي.
من جهتها، ترى منظمات المجتمع المدني المصرية وأحزاب المعارضة أن وجود نظام أكثر ديمقراطية سيكون قادراً على امتصاص المشاعر المناهضة له، من خلال وسائل مثل الانتخابات النزيهة والحوار الحقيقي الذي يؤدي بمرور الوقت إلى تعديل في السياسات. لكن في البيئة القمعية الحالية التي تعيشها مصر، بمجرد أن ترفع المعارضة رأسها فإنها تخاطر بتجاوز الخط الأحمر، وهو ما يدفع النظام للقضاء عليها بسرعة في مهدها قبل وصولها لمرحلة من شأنها أن تؤدي إلى المزيد من إثارة غضب الناس. وهذا يعني أنه إذا استمرت القاهرة في ترك إحباط المصريين يتفاقم دون توفير منفذ للتنفيس، (من خلال تعزيز حوار حقيقي على سبيل المثال)، فقد تصل المشاعر المناهضة للنظام في النهاية إلى نقطة تحول، وفي ذلك الوقت لن يكون نظام "السيسي" قادرًا على التعامل مع الهبّة العامة الناتجة عن ذلك الانفجار.