تأرجح السياسة الخارجية المصرية في الملفات الإقليمية تبعا لمواقف الدول الداعمة منها

الساعة : 17:00
2 يونيو 2023

المصدر: فيتش سوليوشنز

الترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات

الرابط: لقراءة وتحميل الترجمة / اضغط هنا

إن الهدف الرئيسي قصير المدى للسياسة الخارجية المصرية على الأرجح هو جذب الدعم المالي من دول الخليج؛ فقد تعهدت تلك الدول عام 2022 بتقديم أكثر من 20 مليار دولار للاستثمار في مصر، وسيتم تحقيق ذلك من خلال سياسة الخصخصة التي تتبعها الحكومة المصرية والمبادرات في القطاعات الأخرى. وتمثل هذه الاستثمارات الجزء الأكبر من مصادر التمويل الخارجية لمصر، وتعتبر ضرورية لمساعدتها على تلبية احتياجاتها التمويلية في وقت لا تغطي فيه احتياطيات العملات الأجنبية أكثر من أربعة أشهر من الواردات، بينما يشهد وضع الأصول الأجنبية الصافي للقطاع المالي حالة من التردي والسلبية. ونظرًا لهذه الحاجة الملحة للتمويل، يُعتقد أن السياسة الخارجية المصرية ستحاول البقاء متماشيةً قدر الإمكان مع مصالح دول الخليج، خصوصًا السعودية والإمارات وقطر.

وقد جاء الاختبار الأول لسياسة مصر الخارجية، بحاجتها للتنازل عن موقفها لتكون أكثر انسجامًا مع مانحيها، في ملف السودان حيث تدعم كل من مصر والإمارات أحد طرفي الصراع. ومن المتوقع أن تخفف مصر من دعمها لـ"البرهان" وأن تتبنى موقفًا أكثر حيادية تجاه الطرفين المتحاربين، لعدم استعداء الإمارات التي تدعم قوات الدعم السريع. وعلى هذا النحو، ستسعى مصر على الأرجح للضغط من أجل التوصل لحل سلمي للصراع لضمان أمن حدودها الجنوبية والحد من تدفق اللاجئين. ولا يُستبعد في الوقت ذاته أن تقوم مصر بتحويل دعمها إلى قوات الدعم السريع، إذا كانت الأخيرة ستضمن إنهاءً سريعًا للصراع وموقفًا قويًا ضد إثيوبيا بشأن "سد النهضة"، الذي تعتبره مصر أمرًا محوريًا في سياستها تجاه السودان.

أما في ليبيا، فمن المرجح أن تتخذ مصر مسارًا دقيقًا في سياستها الخارجية تجاه هذا الملف لتهدئة مخاوف الإمارات؛ فرغم دعمها لـ"حفتر" سابقًا ستتبع القاهرة على الأغلب نهج الإمارات في تبني موقف أكثر حيادية وسط رقعة الشطرنج الليبية المجزأة. فقد تحولت الإمارات في الواقع من دعم الشرق الليبي، ممثلًا في "حفتر" و"حكومة الاستقرار الوطني"، إلى تعزيز علاقات العمل مع "حكومة الوحدة الوطنية"، التي تمثل غرب ليبيا. ويُتوقع أن تتبنى مصر محورًا مشابهًا، وقد ظهر ذلك من خلال زيارة الوفد المصري رفيع المستوى الذي التقى بمسؤولي حكومة الوحدة الوطنية في السابع من أيار/ مايو الجاري، لأول مرة منذ ما يقرب من ست سنوات.

على صعيد إقليمي آخر، فإن تحسين مصر علاقاتها مع تركيا سيحقق بعض الفوائد للاقتصاد المصري. وقد جاء التقدم السريع في استعادة العلاقات، والذي تجلى في إعادة تعيين سفيري البلدين في نيسان/ أبريل 2023، في سياق العلاقات الإيجابية بين تركيا من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخرى، وستسمح هذه الظروف لكل من مصر وتركيا بمواصلة تعزيز العلاقات وتحقيق فوائد اقتصادية محتملة لمصر. فإضافةً لاستفادة مصر من الواردات التركية الرخيصة بسبب ضعف الليرة التركية، ستستفيد البلاد أيضًا من زيادة التدفقات السياحية من تركيا. فقد سهلت مصر مؤخرًا وصول السياح الأتراك إليها من خلال تقديم تأشيرات دخول عند الوصول، وعليه فمن المتوقع أن تحسين العلاقات الدبلوماسية سيسمح بتخفيف بعض المشاكل الاقتصادية لمصر. في السياق ذاته، من المتوقع أن تواصل القاهرة اتباع نهج أكثر حذرًا تجاه أنقرة بسبب طموحات الأخيرة شرق المتوسط على النحو المنصوص عليه في "عقيدة الوطن الأزرق"، التي تم الكشف عنها في منتصف العقد الأول من القرن الـ21، والتي تهدف إلى توسيع نفوذ تركيا في البحر المتوسط واستعادة قوتها التجارية والبحرية السابقة.

أخيرًا، ستستفيد مصر من تراجع التوترات الإقليمية خصوصًا بعد الاتفاق السعودي الإيراني؛ لأن هذا سيسمح لها بتعزيز علاقاتها مع قطر، ما قد يفتح بابًا من التمويل الذي تشتد الحاجة إليه على المدى القصير. كما إن عودة العلاقات السعودية الإيرانية ستقلل من احتمال حدوث أخطاء في السياسة الخارجية تجاه قطر، وبالتالي تطور العلاقات بين الدوحة ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى. بالتبعية، من المتوقع أن تتحسن العلاقات بين قطر ومصر أيضًا، ما سيوفر مزيدًا من الاستثمارات القطرية في مصر. بالمثل، فإن تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران سيسمح لمصر أيضًا بتحسين علاقاتها مع إيران؛ (فالمحادثات الثنائية جارية في بغداد منذ آذار/ مارس)، وسوريا؛ (ففي شباط/ فبراير الماضي قام وزير الخارجية المصري بأول زيارة رسمية مصرية إلى سوريا منذ بدء الحرب الأهلية)، وإن كان ذلك سيحقق مكاسب اقتصادية محدودة فقط على المدى القصير إلا أن الوضع سيشهد عوامل خارجية إيجابية على المدى الطويل نتيجةً لتطور العلاقات الاقتصادية.