المصدر: ناشيونال إنتيرست
الترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات
الرابط: لقراءة وتحميل الترجمة / اضغط هنا
اندلعت اشتباكات بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في العاصمة السودانية الخرطوم وفي منطقة دارفور، في الـ15 من نيسان/ أبريل الماضي، وعلى مدار شهر تقريبًا قُتل نحو 500 شخص وأصيب آلاف المدنيين. وتأتي هذه الحرب بين الطرفين العسكريين بعد شهور من الخلافات؛ بعد أن أطاح كلاهما برئيس الوزراء المدني في تشرين الأول/ أكتوبر 2021. إلا أنه مع توقف المفاوضات حول تقسيم السلطة ازدادت التوترات التي تصاعدت إلى الصراع المسلح الذي نشهده اليوم، إذ من المحتمل أن يطول أمد هذا القتال ويؤدي إلى مزيد من الفوضى ليس في الداخل فقط بل في الخارج أيضًا، خصوصًا في مصر الجارة الشمالية للسودان.
تداعيات الصراع على دول الجوار:
في ظل هذه الحرب، تشير التقديرات إلى أن أكثر من 90 ألف لاجئ سوداني سافروا إلى مصر، غير أن الأرقام الحقيقية أعلى من ذلك بكثير حيث ينتظر الآلاف على الحدود للعبور، دون مأوى أو مياه شرب أو طعام. ومع ذلك، فليست مصر الملاذ الآمن المثالي؛ فهي تعاني أيضًا من أزمة اقتصادية ونقص حاد في الغذاء وانخفاض قيمة عملتها. وعلى مدار العام الماضي ظلت القاهرة تقترض مبالغ كبيرة من صندوق النقد والبنك الدوليين، ما زاد من تراكم ديونها، وإذا لم تستطع تصحيح وضعها الاقتصادي المتدهور فقد يؤدي ذلك إلى اضطرابات مدنية واسعة النطاق واحتجاجات وأزمة إنسانية، يمكن أن تنتشر في منطقة شمال أفريقيا كلها.
على المستوى الخارجي، تسير الجهود الدولية لوقف الصراع في السودان على قدم وساق؛ حيث تستضيف السعودية محادثات بين الفصيلين المتصارعين بمشاركة الولايات المتحدة، ورغم دعوة الطرفين لوقف إطلاق النار إلا أن القتال لا زال مستمرًا. ومع أن الخصمين اقترحا عدة هدنات منذ بدء القتال في نيسان/ أبريل الماضي، لكن لم يلتزم أي منهما بذلك ملقيًا كل اللوم على الآخر بعدم الالتزام بشروط الهدنة، ما يشير إلى أن احتمال النجاح على طاولة المفاوضات سيكون ضئيلًا.
على هذا النحو، أدى استمرار الصراع وتزايد اشتعال الحرب إلى نزوح أكثر من 900 ألف شخص داخليًا، إلى جانب عبور ما يقدر بنحو 120 ألفًا الحدود إلى البلدان المجاورة، مثل جمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا وإثيوبيا وتشاد ومصر. ومن المتوقع أن يزداد هذا العدد بشكل كبير خلال الفترة المقبلة، حيث يقدِّر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن حوالي 800 ألف شخص قد يعبرون الحدود إلى دول الجوار في الأشهر الستة المقبلة. ونظرًا لأن السودان كان بالفعل موطنًا لحوالي مليون نازح بسبب نزاعات إقليمية مختلفة أخرى وقعت على مدى العقد الماضي، فمن السهل أن تنتشر الأزمة الحالية في جميع أنحاء المنطقة.
مصر هي الوجهة الأفضل للاجئين:
وفي ظل تدافع اللاجئين للخروج من الخرطوم والمناطق السودانية الأخرى التي يشتد فيها القتال، يتجه غالبية هؤلاء إلى مصر على وجه الخصوص، لأن السياسات تجاه اللاجئين في بلدان شمال أفريقيا الأخرى، مثل ليبيا وتونس، أقل من المرغوب فيها. ورغم أن تشاد تقبل الآن أعدادًا صغيرة من اللاجئين، إلا أنها أغلقت حدودها في الوقت الحالي بسبب الضغوط الداخلية، تاركةً الحدود المصرية السودانية كخيار وحيد أمام اللاجئين.
على مستوى العلاقات بين الجارتين مصر والسودان، ستمثل هذه الأحداث تحولًا كبيرًا، فقد كان السودان حتى اندلاع الصراع شريكًا اقتصاديًا رئيسيًا لمصر؛ حيث يقترب حجم التبادل التجاري بينهما من مليار دولار سنويًا. كما وضعت مصر خططًا استراتيجية للاستثمار الزراعي في السودان لكن تم تعليقها بسبب الصراع، ما سيزيد من إعاقة أي خطط للانتعاش الاقتصادي.
وباعتبارها بوابة شمال أفريقيا للدول الغربية، تعتبر مصر شريكًا تجاريًا وسياسيًا رئيسيًا مع العديد من الدول في المنطقة؛ فقد بلغ إجمالي التجارة الثنائية للولايات المتحدة مع مصر 9.1 مليار دولار عام 2021، بينما تجاوز حجم التبادل مع الاتحاد الأوروبي 37 مليار يورو عام 2022. وإضافةً إلى القيمة الاقتصادية لمصر بالنسبة للغرب، فإنها تلعب أيضًا دورًا استراتيجيًا في جامعة الدول العربية؛ حيث يمكن أن تساعد في دعم السلام والاستقرار في المنطقة. كما تشتهر البلاد بمواردها الطبيعية الهائلة، بما فيها البترول والغاز الطبيعي والفوسفات وخام الحديد، خصوصًا في ظل زيادة الاهتمام بهذه الموارد منذ أن بدأت الحرب في أوكرانيا تلقي بظلالها السلبية على إمدادات الطاقة.
بالمقابل، فإن مصر نفسها تعاني وضعًا اقتصاديًا غير مستقر وتواجه تضخمًا قياسيًا؛ ففي محادثة مع إحدى الصحف اليابانية أعرب الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، عن قلقه من أن يؤدي تدفق اللاجئين من السودان إلى زيادة العبء الاقتصادي على مصر. هذا، إضافةً إلى المخاوف الأمنية أيضًا؛ فمع تجمع الآلاف على الحدود الجنوبية الغربية بين البلدين، قد يوفر ذلك فرصة لأنشطة الإرهاب وتهريب البشر والمخدرات.
إضافةً إلى ما سبق، فإن المنطقة الحدودية بين البلدين لها تاريخ من العنف؛ حيث تستخدمها الجماعات المتطرفة، مثل "داعش" و"القاعدة"، لتنفيذ أنشطة غير مشروعة. ونظرًا لأن الحدود كانت أيضًا مركزًا للاتجار بالبشر كذلك، فإن الزيادة الكبيرة في عدد اللاجئين تُزيد من احتمالات عبور أعضاء الجماعات المتطرفة إلى مصر. ولمواجهة هذا التهديد أرسلت القاهرة قوات مكافحة الإرهاب إلى الحدود لحماية اللاجئين والسيطرة على الوضع الأمني.
على الغرب أن يتخذ خطوات عملية أهمها مساعدة مصر:
إن القتال في السودان قد يعرّض المنطقة لخطر الانهيار؛ فمصر معرضة لخطر اللحاق بالسودان بسبب وضعها الاقتصادي الهش أساسًا. وعليه، فيجب أن يؤخذ احتمال زيادة زعزعة الاستقرار وتوسع النزاع في جميع أنحاء المنطقة على محمل الجد، كما يجب على المجتمع الدولي مساعدة مصر في التعامل مع هؤلاء اللاجئين وإعالتهم. وما يُزيد الأمر خطورةً هو وجود عشرات الآلاف من المقاتلين والداعمين الأجانب والموارد لكلا الطرفين في الصراع السوداني، والذي يجعل من الصعب تحديد متى ستنتهي هذه الحرب وكم عدد النازحين نتيجة لذلك. وإذا لم تسر محادثات السلام في السعودية بشكل جيد، فمن المحتمل أن يحاكي هذا الصراع صراعات أخرى دمرت مناطق بأكملها، مثل لبنان وسوريا. إن مساعدة مصر في التخفيف من أزمة اللاجئين تعتبر إحدى الخطوات التي يمكن للغرب اتخاذها لمنع حدوث ذلك.
وإن كانت الأمم المتحدة من جهتها تعهدت بتقديم 445 مليون دولار لتخفيف الأزمة، سيتم إرسالها إلى البلدان التي تستقبل اللاجئين في جميع أنحاء المنطقة، لكن ينبغي على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أيضًا تقديم مساعدة مباشرة لمصر، لضمان حصول المصريين واللاجئين الذين يعبرون الحدود على مصادر غذائية آمنة. كما يجب تقديم مساعدات خارجية إضافية للمساعدة في استقرار الاقتصاد المصري، وتحمل أمن المصالح التجارية للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عبر قناة السويس، ويمكن أن تشمل هذه الإجراءات حزم البنية التحتية والجهود المبذولة للمساعدة في استقرار الجنيه المصري.
وفي حال استمرار الصراع لفترة أطول، يتوجب على الغرب أن يتخذ إجراءً عمليًا؛ فالاقتصاد المصري مستمر في التدهور، والضغوط الخارجية (خصوصًا الصراع الحالي) يمكن أن تكون لها آثار مزعزعة للاستقرار على بقية المنطقة، وأن تؤدي في النهاية لعواقب قد تؤثر على كل من الولايات المتحدة وأوروبا بشكل مباشر. فمع إشراك واشنطن لكل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في السعودية في الأسابيع المقبلة، ينبغي عليها تشجيع المصالحة وإيجاد حل أكثر ديمومة ونجاحًا للصراع. وبخلاف ذلك، سيتعين على جميع الأطراف المعنية مواجهة عواقب الفشل؛ من أزمة لاجئين متزايدة، وزعزعة الاستقرار في الإقليم، وضغوط إضافية على الاقتصاد المصري قد تدفعه إلى حافة الهاوية.