العلاقات الأمريكية التركية ستظل مستقرة وقد تتجه لتعاون أوثق في بعض الملفات

الساعة : 15:15
10 يوليو 2023

المصدر: جيوبوليتيكال إنتيليجنس سيرفس

الترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات

الرابط: لقراءة وتحميل الترجمة / اضغط هنا

خلاصة

مع حصول الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على فترة ولاية أخرى مدتها خمس سنوات، من المرجح أن تظل علاقات بلاده مع الولايات المتحدة على قدم المساواة أو تتحسن خلال إدارة "بايدن"، الذي أجبرته الحرب الروسية على تحسين العلاقات مع الحلفاء الاستراتيجيين. كما إن المصالح التركية والأمريكية تتوافق مع عدة جبهات جيوسياسية واقتصادية، أو على الأقل لا تتعارض معها، وبالتالي يُتوقع من الإدارة الأمريكية مزيد من التعاون.

مقدمة

رغم إعلان أجندة تعزيز الديمقراطية من قبل الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلا أنه من المرجح أن تظل العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا مستقرة، وقد تتحسن على مدار الفترة المتبقية للإدارة الحالية. فمع أداء "بايدن" اليمين رئيسًا للولايات المتحدة في الـ20 من كانون الثاني/ يناير 2021، جاء الادعاء بأن الإدارة ستعيد التأكيد على تعزيز الديمقراطية على الصعيد العالمي كأداة رئيسية للسياسة الخارجية الأمريكية، كما تم التأكيد على هذا الهدف أيضًا في استراتيجية الأمن القومي للإدارة التي نُشرت عام 2022. لكن التمثيل الأكثر وضوحًا لهذه السياسة تمثل في قمة الديمقراطيات التي رعتها الولايات المتحدة عام 2023، وكانت تركيا من بين الحلفاء الذين رفض فريق "بايدن" دعوتهم إلى القمة.

انحياز لاأخلاقي في دعم الديمقراطية

في تصريح للصحفيين قبل قمة "الناتو"، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي: (في إشارة إلى تركيا) "إنهم حلفاء في الناتو وسنواصل العمل معهم في العديد من القضايا المختلفة ذات الاهتمام المشترك، لكننا في الوقت نفسه ملتزمون بدعم المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون وحرية الإعلام". وبمثل هذه التصريحات كانت الإدارة الأمريكية تشير إلى مخاوف كبيرة من التراجع الديمقراطي في عهد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان. ولم تكن تركيا القوة الصديقة الوحيدة التي تم انتقادها؛ فلم تتم دعوة المجر لحضور القمة، كما انتقدت الإدارة الأمريكية كلًا من بولندا و"إسرائيل" بشأن الإصلاحات القضائية وغيرها من القضايا.

لكن مشكلة تطبيق الإدارة الأمريكية لترويج الديمقراطية تكمن في أنها تطبقها بشكل غير متساوٍ؛ وبالتالي يُنظر إليها على أنها غير شرعية وغير فعالة؛ فقبل الحرب الروسية على أوكرانيا حاولت الإدارة تحسين العلاقات مع روسيا، كما يواصل "بايدن" سعيه للانخراط مع إيران. وحتى مع زيادة المنافسة مع الصين، تريد الولايات المتحدة العمل مع بكين بشكل بناء في عدة قضايا لا سيما سياسة المناخ. وبعد الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، سرعان ما اكتشفت الإدارة أن عزل الحلفاء الاستراتيجيين سياسيًا غير قابل للتطبيق، ومن هنا كان على واشنطن أن تعمل بشكل وثيق مع تركيا وبولندا. وفي ظل الفشل في عقد اتفاق جديد مع إيران لمنع طهران من امتلاك أسلحة نووية، ومع استمرار عدم الاستقرار في سوريا ولبنان، كان على الولايات المتحدة تجديد التعاون الأمني الوثيق مع "إسرائيل".

من جهته، ساعد الرئيس "أردوغان" في بعض القضايا المثيرة للجدل من خلال عدم تجاهل المسائل المتعلقة بالديمقراطية، لصالح استقرار العلاقات مع واشنطن وغيرها من العواصم الغربية الحليفة، خلال السباق الانتخابي الذي فاز فيه في أيار/ مايو 2023. ومن الأمثلة على ذلك الموافقة على انضمام فنلندا إلى "الناتو" والتوسط في تسوية تصدير الحبوب الأوكرانية.

مصالح الطرفين تتكامل في قضايا عديدة

لقد تكهن كثيرون بأن فوز المعارضة التركية سيؤدي إلى علاقات أفضل بين أنقرة وبين كل من واشنطن والأوروبيين والشرق الأوسط، وكان هناك توقع مفرط بحدوث تحولات كبيرة في السياسات التركية، لكن بالمقابل يمكن التوقع أيضًا أن يتبنى "أردوغان" سياسات مماثلة؛ فحتى مع التفويض الشعبي القوي يواجه الرئيس التركي تحديات كبيرة داخليًا، منها مواجهة آثار الزلزال الأخير والتضخم الهائل. ولا يمكن لتركيا الآن تحمل المغامرات الأجنبية التي تزيد من ويلات الشعب، بل على العكس فإن البلاد في أمس الحاجة إلى الاستثمار الأجنبي والتجارة والشراكات الاقتصادية الدولية لتحقيق النمو.

وفي استرجاع لنظرة على الانتخابات، يتعين على الولايات المتحدة أن تكون واقعية، وأن تدرك أن هناك قضايا عديدة تكمّل فيها المصالح الأمريكية والتركية بعضها البعض، أو على الأقل لا تتعارضان بشكل علني، نلخصها فيما يلي:

روسيا: لن تنفصل تركيا أبدًا عن روسيا أو تقطع علاقاتها معها، رغم أنه لم يكن لأنقرة مطلقًا علاقة موثوقة مع موسكو ولا توجد احتمالات للشراكة؛ فمن جهتها تعتبر تركيا عضويتها في "الناتو" أمرًا حيويًا لمصالحها الوطنية، وبطاقة تأمين ضد التوسع الروسي.

البحر الأسود: لن توافق تركيا مطلقًا على مراجعة اتفاقية مونترو لعام 1936، والتي تعطي أنقرة سلطة على مرور السفن العسكرية إلى البحر الأسود، وفي الوقت ذاته يظل من مصلحتها أن ترى البحر الأسود حرًا ومفتوحًا أمام حركة المرور التجارية دون عوائق، وكذلك سلامة الكابلات وخطوط الأنابيب تحت البحر. لكن أنقرة ستظل حذرة من زيادة وجود "الناتو" في البحر الأسود؛ وبالتالي من المرجح أن تكون أكثر قابلية للتعاون بين الدول الساحلية لحماية الأنشطة التجارية تحت وفوق سطح البحر وفي المجال الجوي.

الممر الأوسط: إن تطوير ممرات الطاقة والنقل وسلسلة التوريد عبر القوقاز إلى دول آسيا الوسطى مشروع يخدم مصالح كل من أوروبا والولايات المتحدة وتركيا بشكل جيد. ومن خلال منظمة الدول التركية (أذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان وتركيا وأوزبكستان)، تُعتبر أنقرة جزءًا من هيئة حكومية دولية يمكن أن تكون أداة أساسية للتعاون.

اليونان: تهتم الولايات المتحدة بشدة بتحسين التعاون الثنائي بين أنقرة والتوجه اليميني في أثينا الموالي لحكومة الولايات المتحدة. وقد تحسنت العلاقات بين البلدين منذ وقوع الزلزال في تركيا والجهود اليونانية للمساهمة في الدعم الإنساني.

أرمينيا: يمكن أن تؤدي المفاوضات الأخيرة بين أرمينيا وأذربيجان إلى تحسين الاستقرار الإقليمي وتقليل نفوذ إيران وروسيا، ما سيفيد كلًا من تركيا وأوروبا والولايات المتحدة.

الشرق الأوسط: إن لتركيا حزمة متنوعة من العلاقات مع "إسرائيل" والدول العربية؛ فعلى سبيل المثال وصلت العلاقات بين تركيا ومصر إلى أدنى مستوياتها منذ سنوات، وسط غياب الحوار المباشر بين الحكومتين. ومن مصلحة الولايات المتحدة إقامة علاقات أكثر تناغمًا؛ حيث تبدو آفاق ما بعد الانتخابات التركية واعدة نحو مزيد من التواصل من قبل أنقرة. وقد أشار المحلل الإقليمي، جيمس دورسي، إلى أنه بعد سنوات من العلاقات المتوترة ظهر الدعم السعودي والإماراتي للزعيم التركي "أردوغان" سريعًا بعد إعادة انتخابه.

أفريقيا: رغم أن المصالح الأمريكية والتركية لا تتوافق دائمًا في أفريقيا، إلا أن أنقرة مصممة على لعب دور أكثر نشاطًا في القارة. كما إن كلًا من الولايات المتحدة وأوروبا وتركيا تجمعهم مصلحة مشتركة في التخفيف من السلوك الصيني والروسي، لا سيما في شمال أفريقيا وجنوب الصحراء.

السيناريو المتوقع

إن السيناريو الأكثر احتمالًا في المستقبل هو أن تظل العلاقات الأمريكية التركية مستقرة على المدى القريب. ومع اقتراب الانتخابات الأمريكية، وفي حين أن السياسة الخارجية لن تكون حاسمة، لا تريد إدارة "بايدن" إضافة مواجهات جديدة مع الحلفاء. وإن كان ملف تركيا لا يزال قضية مثيرة للجدل لدى بعض أعضاء الكونجرس، إلا أنه من غير المرجح أن ترغب قيادة أي من الحزبين في مواجهة كبيرة بشأن العلاقات الأمريكية التركية، وقد يكون ملف الهجرة البطاقة الأساسية المحتملة إذا أثارت تركيا أزمة كبيرة مع أوروبا.

والخلاصة، إن شروط العلاقات المستقرة واضحة؛ انضمام السويد إلى "الناتو"، ونقل "طائرات F-16" إلى تركيا، وإعادة دمج تركيا في برنامج "مقاتلات F-35". وإضافةً إلى هذه التوقعات، قد تشمل بوادر العلاقات الدافئة تعاونًا أوثق بشأن سوريا أو ليبيا أو دول الممر الأوسط.