المصدر: أتلانتيك كاونسيل
الترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات
الرابط: لقراءة وتحميل الترجمة / اضغط هنا
وسط تكرار دراما الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو" العام الماضي وعشية قمة الحلف لهذا العام في فيلنيوس عاصمة ليتوانيا، أعطى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الضوء الأخضر التركي الذي طال انتظاره لعضوية السويد في الحلف. لكن هذه الخطوة تشير إلى ما هو أبعد من "الذهاب" إلى ستوكهولم؛ حيث تشير أيضًا إلى أن تركيا انتهزت الفرصة لترفع من شأنها بشكل أكبر أمام الغرب خلال الأشهر التي أعقبت إعادة انتخاب "أردوغان". فيبدو أن رحلة السويد للانضمام إلى الحلف تمت وفقًا للجدول الزمني المفضل لتركيا؛ حيث جاءت بعد شهر واحد من إصدار السويد قوانين أكثر صرامة لمكافحة الإرهاب وإدخالها حيز التنفيذ، وتم التأكيد عليها في تجمع للحلف لتحقيق أقصى قدر من التأثير. وقد هددت التطورات الأخيرة، بما فيها المظاهرات المؤيدة لحزب العمال الكردستاني "PKK" وحرق المصحف في السويد، بعرقلة العملية، لكن الفضل يُنسب لتركيا بعدم الاستسلام لتلك الاستفزازات.
من جهة أخرى، يعتبر هذا الاتفاق أحدث وأقوى إشارة على أن تركيا قررت الانحياز أكثر إلى الغرب، كما جاءت إشارات بارزة أخرى مثل استضافة تركيا للرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، التي كررت خلالها أنقرة دعمها لعضوية أوكرانيا في "الناتو"، وأغضبت موسكو بالإفراج عن قادة كتائب "آزوف"، والتأكيد على القيمة التي تُوليها لعضويتها في الاتحاد الأوروبي. كل هذه الإشارات حدثت في غضون ثلاثة أيام وسط مع التكهنات، والتي برزت منذ ما قبل أن تثير تركيا مشكلة مع انضمام السويد، بأن تركيا (تحت حكم أردوغان) تتجه نحو روسيا والشرق.
ففي خضم حملة إعادة انتخابه الصعبة، اتهم "أردوغان" الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة بالتواطؤ مع المعارضة لإزاحته من السلطة، وفي تلك المرحلة خيّم الغموض على مسار علاقات تركيا مع الحلفاء عبر الأطلسي، وبمجرد فوز "أردوغان" في الانتخابات، كانت هناك مخاوف من أن تتحرك تركيا بجرأة نحو الشرق. لكن التلميح الأول أشار إلى أن الحال لن يكون كذلك وأن براغماتية الرئيس ستظهر مرة أخرى في اختيار مجلس الوزراء بعد الانتخابات، والتي رفعت العديد من الأصوات المؤيدة للغرب، بما في ذلك تعيين "محمد شيمشك"، الذي يحظى باحترام واسع، وزيرًا للخزانة والمالية مرة أخرى.
من جهة أخرى، سارع المحللون المقربون من الحكومة التركية إلى التأكيد على أن تحركات تركيا لا تشكل توجهًا نحو الغرب بقدر ما تعتبر سياسةً لتحقيق التوازن في العلاقات، وإصلاح العلاقات المضطربة بما يتماشى مع المسار الذي تتبعه تركيا منذ سنوات عديدة. بالمقابل، برزت تكهنات بأن جزءًا من الزخم يكمن في تصور وضع روسيا الضعيفة في أعقاب التمرد الأخير لمجموعة "فاغنر"، بيد أن ما هو واضح أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تسبب في جعل موسكو شريكًا أقل موثوقية لتركيا. فمنذ محاولة الانقلاب في تركيا عام 2016، كانت العلاقات التركية الروسية تنحدر من القمة إلى القاعدة بسبب عدم انسجام الزعيمين. وفي حين أنه من غير المرجح أن تتم مقاطعة أو تقليص العلاقات الاقتصادية العميقة بين تركيا وروسيا، إلا أن فكرة أو وهم اعتبار روسيا موازنة للغرب أو بديلًا عنه بأي شكل استراتيجي ستبدأ في التلاشي.
وبالتالي، فإن هذه الخطوة من "أردوغان" تعتبر انتصار كبيرًا للسويد وتركيا وللتحالف بأكمله، كما إنها انتصار لإدارة "بايدن" وللأمين العام لحلف "الناتو"، ينس ستولتنبرغ، اللذين عملا بجد خلف الكواليس لجعل هذا الاتفاق ممكنًا. فقد جاء هذا الاختراق بعد وقت قصير من مكالمة هاتفية بين الرئيسين الأمريكي والتركي، وبعد موجة من الاتصالات بين وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكين، ومستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، ونظرائهما. ومن المحفزات الرئيسية للاتفاق، وإن كان غير رسمي، هو تأكيد الولايات المتحدة، الذي صدر بعد يوم واحد من اتفاق "أردوغان"، بأنها ستبيع طائرات "F-16" إلى تركيا، التي طلبتها لأول مرة في تشرين الأول/ أكتوبر 2021 بعد طردها من برنامج "F-35" والتي تم حظرها حتى الآن من قبل الكونجرس.
ففي مقابلة قبل قمة "الناتو" ألمح "بايدن" إلى تعزيز الدعم للقدرات الدفاعية لكل من اليونان وتركيا كوسيلة لدفع صفقة "F-16" من قبل الكونجرس؛ ويرجع ذلك إلى كيفية موازنة الولايات المتحدة تاريخيًا بين حليفيها الرئيسيين جنوب شرق أوروبا، من خلال المساعدات التي يعود تاريخها إلى مبدأ "ترومان"، الذي أرسى الأساس لإدراج كليهما في نهاية المطاف في "الناتو"، كما يؤكد على أهمية دفء العلاقات التركية مع اليونان عقب زلزال شباط/ فبراير. وقد تلعب هذه العوامل دورًا في التغلب على مخاوف الأعضاء الرئيسيين في الكونجرس الأمريكي، بما فيهم رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، روبرت مينينديز (عضو ديمقراطي عن نيوجيرسي)، الذي أكد أنه يُجري محادثات مع إدارة "بايدن" بشأن بيع طائرات "F-16". إن الانتهاء من انضمام السويد إلى "الناتو"، والذي لا يزال بحاجة إلى المصادقة عليه من قبل البرلمان التركي، وإتمام صفقة "F-16" خطوتان كبيرتان نحو إعادة بناء الثقة بين تركيا وشركائها عبر المحيط الأطلسي.
بالنظر إلى أسباب توتر علاقات تركيا عبر الأطلسي، فإن أحد مظالم تركيا في هذا الإطار هو التصور بأن حلفاءها الغربيين لم يقدّروا أبدًا مخاوفها الأمنية؛ فرغم تصنيفها "حزب العمال الكردستاني"، التهديد الأمني الأول لها، رسميًا كمنظمة إرهابية، لم تُظهر الولايات المتحدة وأوروبا تفهمها لمخاوف أنقرة تجاه هذه القضية. ويرجع ذلك جزئيًا إلى تعاون الولايات المتحدة مع الفرع السوري للحزب لمحاربة تنظيم "داعش"؛ لكن رفض تركيا المؤقت لانضمام السويد أتاح لها الفرصة لتذكير الحلف بأن مخاوفها يجب أن تؤخذ على محمل الجد للمضي قدمًا في التعاون مع أعضائه.
ومن هنا، فإن إحدى طرق قراءة توجّه السياسة الخارجية التركية بعد الانتخابات تتمثل في استعداد أنقرة لتحسين علاقاتها مع الغرب؛ فعلى مدى السنوات الثلاث الماضية سعت تركيا بقوة إلى التقارب مع العديد من الدول المجاورة لها، بما فيها "إسرائيل" والإمارات والسعودية ومصر. وفي حين أن علاقات تركيا مع حلفائها في "الناتو" لم تتدهور أبدًا بقدر ما تدهورت مع الدول المذكورة سابقًا، إلا أنه لا يوجد مجال لتحسينها. لكن الجيد في الأمر أن كلًا من تركيا والسويد والولايات المتحدة و"الناتو" التزموا بخطوات مربحة للجانبين، من شأنها أن تساهم في خلق جو أكثر إيجابية وإنتاجية، والجميع الآن بحاجة إلى المضي قدمًا.