المصدر: ميديل إيست إنستيتيوت
ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات
الرابط: لقراءة وتحميل الترجمة / اضغط هنا
ملخص تنفيذي
لقد أصبحت التحديات البيئية أولوية بالنسبة لبلدان الشرق الأوسط والبحر المتوسط؛ حيث دفعت إلى زيادة التعاون عبر الحدود حتى بين "إسرائيل" وجيرانها العرب والمسلمين. إن هذا التعاون يساعد في معالجة تغير المناخ من منظور إقليمي وعالمي، كما يعزز الاستقرار الإقليمي ويحافظ على عوامل السلام والتطبيع ويوسعها ويزيد من الازدهار والتنمية الاقتصادية. إن هذا الاتجاه، إضافةً إلى التقدم في العلاقات "الإسرائيلية" العربية بعد "اتفاقات أبراهام"، يخلق فرصًا جديدة للتعاون البيئي الإقليمي بين "إسرائيل" وجيرانها، إلا أنه لا يمكن استثمار هذه الفرص قبل تحقيق اختراق في عملية السلام "الإسرائيلي" الفلسطيني. علاوةً على ذلك، فإن تركيبة وسياسات الحكومة "الإسرائيلية" الحالية تشكّل تحديًا إضافيًا للعلاقات "الإسرائيلية" العربية؛ حيث أدت إلى تباطؤ التعاون القائم. ومع ذلك ورغم محدودية نطاقها، فإن مساعي التعاون الإقليمية جارية كما تُبذل جهود لاستمرارها وتوسيعها.
وقد ساعد عقد قمتي "COP27" و"COP 28" في كل من مصر والإمارات على تطور هذا التعاون، إضافةً إلى أن بعض الدول العربية (مثل المغرب والإمارات) وقّعت اتفاقيات ثنائية مع "إسرائيل" للتعاون في القضايا المتعلقة بالبيئة. كما توجد مساعٍ أخرى، مثل صفقة تبادل المياه والكهرباء بين "إسرائيل" والأردن والإمارات، وحوار المياه بين "إسرائيل" والمغرب والاتحاد الأوروبي، والآليات والمبادرات متعددة الأطراف مثل "الاتحاد من أجل المتوسط" و"منتدى غاز شرق المتوسط" و"مبادرة تغير المناخ في شرق المتوسط والشرق الأوسط"، وكلها تمكّن "إسرائيل" وجيرانها من المشاركة بشكل مشترك في معالجة تغير المناخ.
في هذا السياق، شاركت وزارات وهيئات حكومية "إسرائيلية" عديدة في هذه الجهود على مدى السنوات القليلة الماضية، بعضها لديه خبرة ومعرفة ذات صلة بينما البعض الآخر جديد في هذا المجال؛ حيث قامت بتحديد مجموعة من الفرص لتعزيز التعاون الإقليمي، إضافةً إلى مجموعة واسعة من التحديات التي ينبغي التغلب عليها. ويتم استكشاف هذه التحديات ومعالجتها من قبل "منتدى المناخ الإسرائيلي" الذي أنشأه الرئيس "الإسرائيلي"، إسحاق هرتسوغ، عام 2021 كجزء من رؤيته لـ"شرق أوسط متجدد".
على المستوى الدولي، فإن للمجتمع الدولي أيضًا مصلحة في تعزيز التعاون البيئي الإقليمي بين "إسرائيل" وجيرانها، لا سيما إذا أُخذ في الاعتبار أن ذلك سيعمل دبلوماسيًا على دفع التطبيع العربي "الإسرائيلي" وصنع السلام الفلسطيني "الإسرائيلي". كما إن الولايات المتحدة وأوروبا في وضع أفضل لتعزيز هذا الأمر، ويمكنهما القيام بذلك من خلال تقديم دعم إلى الدول التي تسعى للتعاون والتركيز على الفوائد الملموسة للتعاون البيئي (بما في ذلك الفلسطينيين) في المساعي الإقليمية ذات الصلة، وتشجيع التعددية والشمولية والاستثمار في المجتمع المدني.
وقد تمت كتابة هذه الورقة برعاية "منتدى المناخ الإسرائيلي" الذي يرأسه الرئيس "الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، والتي تضمنت مقابلات مع مسؤولين حكوميين، أُجري معظمها قرب نهاية حكومة "بينيت-لابيد"، وفيما يلي عرض لما تضمنته هذه الورقة:
مقدمة
إن الأهمية العالمية المتزايدة لتغير المناخ دفعت مسؤولي الحكومة "الإسرائيلية" إلى الاهتمام بمثل هذه الأمور؛ فهناك أنشطة مماثلة في جميع أنحاء العالم بما فيها منطقة الشرق الأوسط والبحر المتوسط، وهي مناطق حساسة لتأثير تغير المناخ. فتداعيات تغير المناخ واضحة بالفعل في هذه المنطقة؛ حيث تشهد ارتفاعًا في درجات الحرارة وموجات من الحر الشديد وانخفاضًا في كمية الأمطار وزيادة عدد الظواهر الجوية المتطرفة. وقد كان بارزًا اختيار دولتين من الشرق الأوسط (مصر والإمارات) لاستضافة مؤتمرات الأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ؛ "مؤتمر الأطراف COP" عامي 2022 و2023.
بموازاة ذلك، تم إحراز تقدم كبير في السنوات الأخيرة في علاقات "إسرائيل" مع بعض الدول العربية؛ حيث أدى توقيع "اتفاقات أبراهام" عام 2020 وإنشاء "منتدى النقب" عام 2022 إلى تعزيز وتوسيع التعاون الإقليمي، والذي تضمن تغير المناخ والقضايا البيئية والاستفادة من الإمكانات غير المحققة في هذه المجالات. رغم ذلك، لم يتم بعد تشكيل مجموعة عمل إقليمية محددة حول قضايا المناخ والبيئة كجزء من "منتدى النقب"، ولا يوجد حتى الآن تعاون مباشر هادف بين وزارة البيئة "الإسرائيلية" وبين نظيراتها العربية.
لقد أصبحت "إسرائيل" أكثر انخراطًا في الأطر الإقليمية لمعالجة تغير المناخ، وزادت من تعاونها الثنائي في هذا المجال مع دول في الشرق الأوسط وحوض البحر المتوسط، رغم أن هذا التعاون لا يزال محدودًا. بدوره، دعا الرئيس "الإسرائيلي"، إسحاق هرتسوغ، إلى تأسيس تعاون بيئي إقليمي خلال الزيارات التي قام بها إلى البلدان المجاورة منذ توليه منصبه في حزيران/ يونيو 2021. ومنذ إنشاء "منتدى المناخ الإسرائيلي" في تشرين الأول/ أكتوبر 2021 قدّم "هرتسوغ" مرارًا وتكرارًا رؤية لـ"شرق أوسط متجدد" على أساس إطار إقليمي شامل. لكن وصول حكومة "نتنياهو" إلى السلطة في كانون الأول/ ديسمبر 2022، بتكوينها ونواياها المعلنة وسياساتها الأوّلية، أدى إلى تباطؤ العلاقات "الإسرائيلية" العربية، ما أدى أيضًا إلى الحد من نطاق التعاون البيئي بين "إسرائيل" وجيرانها.
في هذا الإطار، وكجزء من جهود "منتدى المناخ الإسرائيلي" لزيادة التعاون بين "إسرائيل" وجيرانها، أُجريت سلسلة من المقابلات مع مسؤولين حكوميين "إسرائيليين" نهاية عام 2022 وأوائل عام 2023، سعيًا لرسم خريطة للتعاون القائم بشأن تغير المناخ والبيئة، وتحديد العقبات والفرص ووضع توصيات لتوسيع التعاون. وقد أجريت تلك المقابلات مع وزارات الخارجية والتعاون الإقليمي وحماية البيئة والطاقة والبنية التحتية والاقتصاد والزراعة والصحة ومجلس الأمن القومي.
وفيما يلي تلخيص للرؤى الرئيسية من هذه المقابلات، وتوضيح عدة مسارات للولايات المتحدة وأوروبا لتعزيز التعاون البيئي الإقليمي بين "إسرائيل" وجيرانها العرب والمسلمين.
الأهداف "الإسرائيلية"
يؤكد المسؤولون الحكوميون "الإسرائيليون" على عدد من الأهداف المتعلقة بالتعاون الإقليمي بشأن تغير المناخ والبيئة مع الدول العربية والمتوسطية:
1- رسم خرائط وتتبع أهمية التغيرات الإقليمية والعالمية التي لها تداعيات بيئية على "إسرائيل".
2- تحليل وفهم الاحتياجات المتعلقة بالمناخ لدول المنطقة والسعي لمواءمتها مع نقاط القوة في "إسرائيل".
3- متابعة الاتفاقات الموقعة مع جيران "إسرائيل" العرب لإيجاد محتوى ذي مغزى وإجراءات عملية في قطاعات مثل الطاقة والبيئة والزراعة.
4- الاستثمار في تعزيز التعاون مع كل من مصر والأردن والبحرين، التي ترتبطهم علاقات دبلوماسية مع "إسرائيل" رغم وجود معارضة شعبية وحكومية للعلاقات مع "إسرائيل" (مقارنة بالإمارات والمغرب)؛ حيث تأمل "إسرائيل" أن يساعد التعاون البيئي، الذي ينطوي على منفعة متبادلة مع هذه الدول، على تعزيز العلاقات الرسمية، وتحسين الصورة الشعبية لاتفاقيات السلام والتطبيع والتغلب على المواقف العامة السلبية تجاه التعاون معها.
5- الاستفادة من تغير المناخ والبيئة لخلق مسارات تعاون غير مباشر مع تلك الأطراف الموجودة بالمنطقة التي لا تزال في صراع مع "إسرائيل"، مثل العضوية المشتركة في أطر متعددة الأطراف.
6- استخلاص أكبر النتائج الممكنة من قمة مؤتمر الأطراف في الشرق الأوسط، من حيث نطاق مشاركة "إسرائيل" ومستوى مشاركتها في المبادرات والعمليات الإقليمية.
7- تعزيز مفهوم "المرونة الإقليمية للمناخ"، بناءً على افتراض أنه إذا لم تكن المنطقة قادرة على الصمود على مستوى أوسع لأزمة المناخ، فحتى البلدان المستعدة جيدًا ستواجه صعوبات وتهديدات.
مجالات التعاون "الإسرائيلي" مع الدول العربية
على المستوى العملي يوجد تعاون إقليمي بشأن تغير المناخ والبيئة وفي مجال الطاقة كذلك، رغم أنه محدود (بصرف النظر عن التعاون بشأن الغاز الطبيعي)، ويتم هذا التعاون بشكل رئيسي في المجالات التالية:
· تصدير الغاز الطبيعي إلى مصر والأردن عبر خطوط الأنابيب، ثم إلى أوروبا من خلال مرافق التسييل في مصر، وربما إلى تركيا أيضًا.
· النهوض بصفقة مبادلة الماء والكهرباء بين "إسرائيل" والأردن والإمارات، والتي تشمل إنتاج الطاقة الشمسية في الأردن وتحلية المياه في "إسرائيل" بمساعدة الإمارات.
· الحفاظ على الشعاب المرجانية في خليج إيلات، من خلال المنظمات الدولية (مثل اليونسكو ومركز أبحاث البحر الأحمر العابر للحدود في لوزان بسويسرا)، بالتعاون مع مصر والأردن والسعودية.
· تشجيع التطوير المشترك وإطلاق قمر صناعي لمراقبة الظروف المناخية بالتعاون مع الإمارات، لتوفير الإنذارات حول الأزمات المناخية المتوقعة وتتبع مدى تقدم التصحر.
· الدخول في حوار مع المغرب بشأن المياه الخضراء والطاقة بمشاركة الاتحاد الأوروبي وتحت رعايته.
· دراسة مخاطر الصحة العامة الإقليمية المحتملة التي قد تسببها أزمة المناخ من خلال مجموعة عمل "منتدى النقب"، وتعزيز التعاون بين الأنظمة الصحية في البلدان المجاورة مثل مصر والأردن والسلطة الفلسطينية، لإدارة الكوارث المحتملة المتعلقة بالمناخ في المستقبل.
· التعاون (مع الأردن وغزة على سبيل المثال) في مكافحة انتشار الأمراض التي تنقلها المياه والأغذية والنواقل والتي تفاقمت بسبب تغير المناخ، بما في ذلك البحث عن حلول لتلوث مصادر المياه المشتركة.
· النهوض بمبادرات الطاقة المتجددة مع دول مثل المغرب والأردن وتركيا، لا سيما الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
· تحسين الأمن الغذائي وتطوير الاقتصاد الأزرق من خلال التعاون مع الأردن والإمارات ومصر والمغرب.
· بيع التقنيات "الإسرائيلية" في مجالات الزراعة والمياه والصيد والتصحر، خاصةً لدول الخليج والمغرب.
التعاون الثنائي
بعد توقيع "اتفاقات أبراهام" ركزت معظم الوزارات الحكومية في "إسرائيل" على تطوير الروابط مع الإمارات والبحرين، فأُجريت الزيارات المتبادلة وتم التوقيع على مذكرات التفاهم؛ حيث ينصبّ الاهتمام البيئي الرئيسي للإمارات على الأمن الغذائي والاقتصاد الأزرق، بينما تركز البحرين على القضايا المتعلقة بالمياه والزراعة والتصحر. لكن، ووفقًا لمسؤولين "إسرائيليين"، فرغم الاتفاقات التي تم التوصل إليها بشأن هذه القضايا، إلا أن التنفيذ من قبل الجانب الخليجي بطيء للغاية، ولا تزال تفاهمات كثيرة على الورق فقط. فمع البحرين لم يحدث أي تقدم عملي بشأن القضايا المتعلقة بالمناخ بحلول وقت المقابلات، أما بالنسبة للإمارات، حيث يكتسب البعد الاقتصادي أهمية كبيرة، فمن الصعب على "إسرائيل" التنافس مع مختلف الدول والشركات العاملة هناك، وهذا يحدّ من المبادرات المشتركة التي تصل إلى مرحلة التنفيذ.
أما بالنسبة للمغرب، فإن اتفاق التطبيع الذي تم التوصل إليه عام 2020 يتراجع؛ حيث يحدد المسؤولون "الإسرائيليون" إمكانات كبيرة للتعاون البيئي مع الرباط، لكنهم غالبًا ما يعترفون أنه لم يتم تحديد أولوياته بعد، وأنهم يفتقرون إلى الاتصالات والموظفين والميزانيات اللازمة لتحقيق أقصى استفادة من الإمكانات الحالية. وفي حين أن بعض التعاون البيئي المغربي "الإسرائيلي" قيد التنفيذ، إلا أنه يتم إجراؤه إلى حد كبير من قبل الشركات الخاصة والمجتمع المدني وليس من قبل الحكومتين. من جهته، يهتم المغرب بشكل أساس بالقضايا المتعلقة بالمياه والزراعة وصيد الأسماك والتصحر وطاقة الرياح، فضلًا عن شراء التقنيات "الإسرائيلية" في هذه المجالات.
إن البلدين يقعان على شواطئ البحر المتوسط ويتمتعان بقربهما من أوروبا وبمناخ مشابه، وهذا يخلق مصالح مشتركة لكنه في بعض الأحيان يولّد المنافسة عندما يتعلق الأمر بالصادرات. فمن وجهة نظر الوزارات "الإسرائيلية" المختلفة، يجب أن يكون المغرب أولوية لـ"إسرائيل" لأنها تتطلع إلى الاستثمار في دفع التعاون البيئي الإقليمي. وتشير سلسلة زيارات قام بها عدد من الوزراء "الإسرائيليين" إلى المغرب في أيار/ مايو وحزيران/ يونيو 2023، مثل زيارة وزير حماية البيئة "إيديت سيلمان"، إلى أن "إسرائيل" تكثف جهودها في هذا الاتجاه، وما يعزز ذلك أن الحكومة أوفدت ملحقًا زراعيًا "إسرائيليًا" إلى المغرب، وهو منصب لا يوجد إلا في أماكن قليلة حول العالم.
بالمثل، يرى المسؤولون "الإسرائيليون" أن هناك إمكانات كبيرة للتعاون البيئي مع تركيا، لكن معظمهم يقولون إنهم لم يتواصلوا بعد مع نظرائهم الأتراك وإن التعاون ضئيل حاليًا، لكنهم يعتقدون أن التحسين ممكن نظرًا للتعاون الواسع الذي كان موجودًا في الماضي. إن التعاون المحدود الحالي يتأثر بعقد من العلاقات المتوترة، في حين طورت "إسرائيل" أيضًا التعاون مع خصوم تركيا الإقليميين؛ مصر واليونان وقبرص والإمارات. لكن تركيا تعمل في الآونة الأخيرة على تحسين علاقاتها مع الإمارات ومصر وبدرجة محدودة أيضًا مع اليونان. في الوقت نفسه، تم الانتهاء بنجاح من التطبيع بين "إسرائيل" وتركيا عام 2022، ما خلق ظروفًا ملائمة لتحسين التعاون التجاري وزيادة حجم التجارة. إن إرسال ملحق اقتصادي "إسرائيلي" إلى تركيا وبدء البلدين بالفعل في التعاون في مجال طاقة الرياح يشهد على اتجاه إيجابي. ومع ذلك، كما هو الحال مع المغرب، فإن الافتقار إلى القدرات بين الوزارات "الإسرائيلية" يمنع تحقيق الإمكانات الكاملة للعلاقات.
أما مع مصر والأردن، الجارتان اللتان وقّعتا على معاهدات السلام مع "إسرائيل" منذ عقود، فإن الحكومة "الإسرائيلية" تسعى علانية إلى تطوير التعاون معهما، لكن احتمالات القيام بذلك محدودة بسبب القيود السياسية في كلا البلدين. فالتعاون البيئي مع الأردن يتأرجح ويتدهور، وهو موجود على المستوى الحكومي فيما يتعلق بصادرات الغاز الطبيعي وفي إطار مشروع تبادل الماء والكهرباء الثلاثي مع الإمارات الذي وقعته حكومة "بينيت-لابيد"، لكنه عالق منذ وصول حكومة "نتنياهو" إلى السلطة. وهناك أمثلة أخرى للتعاون من خلال المنظمات غير الحكومية، مثل "Eco Peace" و"معهد Arava للدراسات البيئية"، أو البلديات مثل المجالس البلدية والإقليمية في إيلات. لكن بصرف النظر عن الدعم الحكومي المتواضع الذي تتلقاه مثل هذه المنظمات، فإن الحكومة "الإسرائيلية" لا تشارك في هذه المشروعات.
على عكس ذلك، أفادت عدة وزارات "إسرائيلية" بإحراز تقدم مع مصر رغم الصعوبة التقليدية في تطوير التعاون خارج المجال الأمني؛ فمن جانبها تستشهد وزارة الطاقة "الإسرائيلية" بعلاقة وثيقة ومزدهرة مع وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية، وتقوم بتطوير اتصالات أولية مع وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة فيما يتعلق بصادرات الغاز الطبيعي وتطوير البنية التحتية لنقل الغاز، والتي ستكون قادرة على حمل الهيدروجين في المستقبل. كما أكدت وزارة الاقتصاد والصناعة "الإسرائيلية" أيضًا على وجود استعداد أكبر من الجانب المصري لمواصلة التعاون، إلا أن وزارة الزراعة لم تنجح في هذا الصدد، رغم رغبتها في التعاون مع نظرائها المصريين في تنمية شبه جزيرة سيناء وإعادة تنشيط اللجنة الزراعية الثنائية المشتركة.
فرص تعزيز التعاون البيئي الإقليمي
إن "اتفاقات أبراهام" وتأسيس "منتدى غاز شرق المتوسط" (EMGF) يوفران فرصًا مهمة لـ"إسرائيل" لزيادة التعاون البيئي الإقليمي مع الدول العربية؛ حيث خلقت تلك الاتفاقات في سنواتها الثلاث الأولى روابط بين "إسرائيل" ودول جديدة تمتلك مجموعة من القدرات، وأدت إلى تفاهمات واتفاقيات ومبادرات وأحدثت تغييرًا كبيرًا في المناخ الإقليمي. كما إن "منتدى النقب" وتشكيل مجموعات عمل حول الموضوعات ذات الصلة، يخلق فرصة لقناة جديدة للعمل البيئي مع دول المنطقة، بما فيها مصر برعاية أمريكية. ويمكن أن يسهّل ذلك مشروعات مشتركة جديدة رغم أن علاقات معظم الدول العربية الأعضاء في المنتدى في الوقت الحاضر متوترة مع "إسرائيل"، نظرًا لتصريحات وأفعال الحكومة الحالية المتطرفة على في القدس الشرقية والساحة الفلسطينية.
وإن كان "EMGF" يوفر لـ"إسرائيل" فرصة لقناة تواصل متعددة الأطراف مع كل من الأردن والسلطة الفلسطينية، وكلاهما ليس عضوًا في منتدى النقب، إلا أنه يمكّن "إسرائيل" بشكل أساس من تعزيز العلاقات مع مصر والاتحاد الأوروبي، وتوسيع تلك العلاقات لتشمل مجالات جديدة لا تتعلق بالأمن. تلعب كل من مصر و"إسرائيل" دورًا مركزيًا في المنتدى، ومن خلال إطاره تعملان على تعزيز المصالح المشتركة بطريقة تزيد من وضوح العلاقات العامة، وتقوي الثقة المتبادلة وتولد التعاون بين الوزارات التي لم تعمل معًا من قبل. وقد أظهر قرار مصر بالانضمام إلى "منتدى النقب" التغيير الإيجابي في موقفها تجاه "إسرائيل". إن استنفاد إمكانات "EMGF" فيما يتعلق بالمناخ والبيئة يتطلب (من وجهة نظر المسؤولين "الإسرائيليين") تركيزًا متزايدًا على الطاقة المتجددة. وقد أصبح صندوق "EMGF" أكثر أهمية نظرًا للحرب في أوكرانيا واهتمام الاتحاد الأوروبي بزيادة واردات الغاز الطبيعي من شرق المتوسط، كبديل جزئي للإمدادات الروسية.
من جهة أخرى، فإن "مبادرة شرق المتوسط والشرق الأوسط بشأن تغير المناخ" (EMME CCI) تتمتع بإمكانيات أيضًا، ورغم عملياتها المحدودة نسبيًا والتي يتأثر نطاقها أيضًا بالتطورات السياسية في البلدان المشاركة، فقد أصبحت منصة ناجحة للتعاون الإقليمي الذي يركز بقوة على المناخ والبيئة، بصرف النظر عن تركيا. كما إنها توفر فرصًا للمشاركة غير المباشرة دون اعتراف بين "إسرائيل" ولبنان، وهو ما يمكن تكراره أيضًا في "EMGF" في المستقبل.
ومن هنا، فإن تغير المناخ يخلق فرصًا لـ"إسرائيل" لتحسين علاقاتها مع الدول العربية والإسلامية التي لا تربطها بها حاليًا علاقات دبلوماسية، بما فيها السعودية وقطر وعُمان؛ حيث تتشارك "إسرائيل" مع هذه الدول مصالح بيئية في قضايا مثل التصحر ونقص المياه والاحتباس الحراري واللاجئين والمناخ والأمن الغذائي. ورغم الافتقار إلى العلاقات الرسمية، تشير تقارير إعلامية إلى حدوث بعض المشاركة عبر القنوات الخلفية، وتبادل المعرفة التي يمكن أن تتوسع في المستقبل. ومن خلال التواصل مع هذه الدول ودول الخليج بشكل عام، يجب أن يلعب قطاع الأعمال "الإسرائيلي" دورًا مركزيًا في ضوء الأهمية الكبيرة التي تُعطى للمصالح المالية في الخليج.
ومن بين الدول التي تقيم معها "إسرائيل" علاقات دبلوماسية، يرى المسؤولون "الإسرائيليون" أن المغرب هو البلد الأكثر قدرة على التعاون في مجال المناخ والبيئة؛ حيث يرتبط المغرب ارتباطًا وثيقًا نسبيًا بأجندة المناخ والبيئة، ويهدف إلى أن يصبح أكثر نشاطًا في هذا المجال، ويتمتع بمكانة قوية في العالم العربي تتسم بالتسامح والاعتدال. في الوقت ذاته، يتزايد تعاون المغرب مع "إسرائيل" ويهتم بأن يكون مزودًا مهمًا للطاقة المتجددة لأوروبا، كما إن للمغرب و"إسرائيل" علاقات وثيقة مع الاتحاد الأوروبي ويعتبران من بين جيرانه، وهذا يوفر لكلا البلدين فرصًا للحصول على تمويل وتنفيذ مشروعات ثلاثية مع الاتحاد وتحت رعايته، مثل حوار المياه بين "إسرائيل" والمغرب والاتحاد الذي تم إطلاقه في آذار/ مارس 2023.
بالمثل، يسعى المسؤولون "الإسرائيليون" إلى توسيع وتعميق التعاون البيئي مع تركيا، بعد الانتهاء بنجاح من التطبيع بين الطرفين عام 2022. وتجدر الإشارة إلى أن التقدم الذي أحرزته تركيا في جهودها لتطبيع العلاقات مع الإمارات ومصر، يفتح فرصًا إضافية لجهود تعاونية مصغرة جديدة تشارك فيها "إسرائيل" وتلك الدول.
توصيات للمستقبل:
على صعيد التوصيات للمستقبل يقترح المسؤولون "الإسرائيليون" ما يلي:
1- تعزيز مبدأ "المرونة الإقليمية للمناخ"، لا سيما فيما يتعلق بالمياه والغذاء وأمن الطاقة والصحة العامة والحرارة الشديدة، وتقديم المساعدة إلى البلدان التي تواجه صعوبات.
2- تشجيع التعاون مع الجهات الإقليمية غير الرسمية أو شبه الرسمية لتجاوز القيود السياسية وتعزيز التعاون الرسمي بشكل غير مباشر.
3- زيادة التواصل بين السفراء "الإسرائيليين" في الخارج ونظرائهم من الدول العربية والإسلامية بمساعدة وزارات الخارجية المحلية، لخلق قنوات اتصال وإقامة مشروعات جديدة.
4- رسم خرائط لاحتياجات دول المنطقة فيما يتعلق بتغير المناخ والبيئة مع الانتباه إلى نقاط قوتها، التي يمكن أن تتعلم وتستفيد منها "إسرائيل"، وكذلك المجالات التي يمكن للمعرفة "الإسرائيلية" أن تفيد جيرانها فيها، على أن يتم ذلك على أساس المساواة والاحترام وليس بأسلوب التعالي.
5- إطلاق مؤتمر مناخ إقليمي سنوي تحت رعاية الرئيس "هرتسوغ" أو بقيادة طرف ثالث.
6- تسخير الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتطوير وتعزيز المبادرات الإقليمية متعددة الأطراف المتعلقة بتغير المناخ والبيئة، ومساعدة "إسرائيل" في تطوير العلاقات الثنائية مع دول المنطقة من خلال المشروعات الثلاثية، مثل حوار المياه بين "إسرائيل" والمغرب والاتحاد الأوروبي.
7- التركيز على تعزيز التعاون البيئي الإقليمي في القضايا الرئيسية التي تخدم المصالح المشتركة التي تعود بالنفع على "إسرائيل" ودول المنطقة المعنية.
توصيات خاصة بالولايات المتحدة وأوروبا:
1- إدماج الفلسطينيين: يتقاسم "الإسرائيليون" والفلسطينيون حدودًا طويلة وتحديات بيئية مثل الهواء والغذاء والمناخ والماء والنظام الإيكولوجي، لكنهم لا يتعاونون رسميًا في معظمها بسبب الظروف السياسية. وعليه، يجب على الولايات المتحدة وأوروبا تعزيز إشراك الفلسطينيين في المساعي التعاونية "الإسرائيلية" العربية، مع تعزيز الأفق السياسي للدفع قُدمًا بحل الدولتين. كما يجب إرسال رسائل إلى الدول المعنية في المنطقة بالتأكيد على الاهتمام الأمريكي والأوروبي برؤية ذلك واقعًا، لتوضيح أن الولايات المتحدة وأوروبا لا تعتبران تقدم التعاون العربي "الإسرائيلي" وسيلة لتهميش القضية الفلسطينية. ويمكن أن يساعد ذلك أيضًا في تعزيز بعض الثقة المتبادلة بين "الإسرائيليين" والفلسطينيين، وفي خلق مصلحة مشتركة في الاستقرار ووقف التصعيد.
ومن هنا، يجب بذل الجهود لضمان أن المشاريع الإقليمية القائمة، مثل صفقة تبادل الماء والكهرباء بين "إسرائيل" والأردن والإمارات، تعود بالفائدة على الفلسطينيين أيضًا (وعلى غزة كذلك)، وإدراج المصالح والاحتياجات الفلسطينية في المشروعات الجديدة التي يمكن تطويرها عبر آليات مثل "منتدى النقب". كما يجب بذل الجهود للاستفادة من المشاركة المتساوية من قبل "إسرائيل" وفلسطين في "EMGF" والاتحاد من أجل المتوسط أيضًا، لزيادة تعاونهما بشأن القضايا البيئية تحت مظلة متعددة الأطراف.
2- تشجيع التعددية والشمولية: حيث ينبغي على الولايات المتحدة وأوروبا تمكين الأطر الإقليمية متعددة الأطراف، وجعلها أكثر فاعلية وضمان التنسيق بينها لتجنب ازدواجية الجهود، وتعزيز شمولها من خلال إدماج دول إضافية، مثل تمكين المشاركة التركية واللبنانية في "EMGF"، وتعزيز التواصل بين المناطق من خلال توفير وضع مراقب للدول ذات الصلة من المناطق الفرعية الأخرى، وتعزيز التعامل مع "إسرائيل" دون الاعتراف بالحدود.
3- الاستثمار في المجتمع المدني: فينبغي أن تشمل الخطط المتعلقة بتعاون المجتمع المدني في المنطقة أيضًا المستفيدين العاملين في مجال تغير المناخ، أو الذين يسعون لدخول هذا المجال. وأخيرًا، يجب رفع مستوى التعاون البيئي بين المنظمات غير الحكومية الإقليمية ومراكز الفكر لتعزيز السلام والأمن والاستقرار والازدهار.