المصدر: ذا إنستيتيوت فور ناشيونال سيكيوريتي ستاديز
ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات
الرابط: لقراءة وتحميل الترجمة / اضغط هنا
تطورت العلاقات بين كل من المغرب و"إسرائيل" بشكل سريع منذ توقيع اتفاقية التطبيع بين الطرفين في إطار "اتفاقات أبراهام"، لكن بقيت عقبة رئيسية هي اعتراف "إسرائيل" بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية. الآن وقد أزيلت هذه العقبة المثيرة للجدل، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل سينتج عن تحرك "إسرائيل" فوائد أم أضرار؟
في الـ17 من تموز/ يوليو الماضي، أعلن القصر الملكي في الرباط أن "إسرائيل" اعترفت رسميًا بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، في خطوة مهمة تضع "إسرائيل" في صف الولايات المتحدة ضمن حجر الزاوية في السياسة الخارجية المغربية. ومن المتوقع أن يؤدي هذا الاعتراف إلى تحسن العلاقات بين البلدين بشكل كبير والتغلب على الحواجز التي أعاقت تقدمهما، لا سيما في المجال الدبلوماسي، وذلك من خلال ترقية مكاتب الاتصال إلى سفارات دائمة وتعزيز جوانب أخرى من العلاقات. لكن بالمقابل، قد يكون لهذا التطور تداعيات تتجاوز العلاقات الثنائية، لا سيما في ضوء الانتقادات الموجهة إلى "إسرائيل" فيما يتعلق بسياستها تجاه الفلسطينيين.
يأتي هذا التطور بعد عامين ونصف العام من توقيع الدولتين اتفاقية التطبيع في كانون الأول/ ديسمبر 2020، كجزء من "اتفاقات أبراهام". وإن كان الاتفاق لم يتطلب من "إسرائيل" الاعتراف بالسيادة المغربية على المنطقة، إلا أن القضية حظيت بإشارة بارزة في الفقرة الثالثة؛ حيث أعلنت الولايات المتحدة اعترافها بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، وهو ما كان بالفعل أحد الحوافز الرئيسة للمغرب لتجديد علاقاته مع "إسرائيل". وقد ظهرت أهمية القضية بالنسبة للمغرب من خلال تصريح للعاهل المغربي، محمد السادس، في آب/ أغسطس 2022؛ حيث صرح بأن المغرب يقيس علاقاته مع الدول الأخرى من خلال منظور القضية الصحراوية.
لقد شهدت العلاقات المغربية "الإسرائيلية" تطورات سريعة منذ تجديدها بموجب "اتفاقات أبراهام"؛ فعلى مدى العامين الماضيين زاد حجم التجارة الثنائية بشكل كبير، وظهرت علاقات تعاون جديدة في البحث والثقافة والرياضة، وزار المغرب مئات الآلاف من "الإسرائيليين". كما تم تعزيز التعاون الأمني بين البلدين؛ حيث يواصل المغرب تعزيز قدراته العسكرية لمواجهة تهديدات "جبهة البوليساريو" الانفصالية التي تتلقى دعمًا من الجزائر وإيران، وهو ما يساعد فيه جزئيًا الدعم "الإسرائيلي". فخلال العام الماضي فقط قام عسكريون رفيعو المستوى من كلا البلدين بتبادل الزيارات، وتم توقيع اتفاقيات بشأن التعاون الأمني والإلكتروني، كما تم التوصل لصفقات أسلحة تشمل بيع طائرات بدون طيار وأنظمة دفاع جوي.
ورغم هذه التطورات المثيرة، لا تزال العلاقات بين البلدين تفتقر إلى عناصر مهمة، مثل ترقية مكاتب الاتصال إلى سفارات كاملة (وهي خطوة تم الاتفاق عليها لكن لم تتحقق بعد)، والاجتماعات بين قادة البلدين. ومن المتوقع أن يؤدي اعتراف "إسرائيل" بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية إلى تسهيل إزالة العقبات وتمهيد الطريق لمزيد من التقدم؛ حيث تعتبر هذه الخطوة مهمة أيضًا لجوانب أخرى من العلاقات الثنائية وفي السياق الأوسع على الساحة الدولية كذلك، وهو ما سيثير تبعات ينبغي أن تكون "إسرائيل" مستعدة بشأنها.
أهمية الاعتراف "الإسرائيلي" بالسيادة المغربية
ينسجم اعتراف "إسرائيل" بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية مع توجه الولايات المتحدة، لكن إدارة "بايدن" لم تسلط الضوء على ذلك الاعتراف ومن المحتمل جدًا أنها لم تكن ستُقدِم عليه ابتداءً. بموازاة ذلك، تتخذ دول غربية أخرى مواقف أكثر غموضًا، لذلك فإن هذه الخطوة قد تسبب انتقادات دولية، ما سيضاعف الانتقادات الحالية تجاه "إسرائيل" بشأن أعمالها في الأراضي الفلسطينية. كما يتماشى هذا الاعتراف مع موقف "إسرائيل" تجاه الفلسطينيين، لكن بما أن هذه الخطوة تتعارض مع قرارات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي فقد تُعيد إلى الواجهة أسئلة على الصعيد الدولي بشأن الضم والاحتلال وحق تقرير المصير، في وقت تواجه فيه "إسرائيل" بالفعل إدانة شديدة لسلوكها تجاه الفلسطينيين في سياقات مماثلة.
علاوةً على ذلك، يرى البعض في العالم العربي استئناف العلاقات بين المغرب و"إسرائيل" خطوة استراتيجية تخدم هدف الأخيرة المتمثل في إقامة موطيء قدم أقوى في أفريقيا، والتي يتهمونها بالتخطيط لتعميق الانقسامات في العالم العربي. وقد ينظر مؤيدو نظرية المؤامرة هذه إلى الدعم "الإسرائيلي" للموقف المغربي باعتباره تدخلًا في الشؤون الداخلية لدولة عربية، رغم أن بلدانًا عربية عديدة في المعسكر السني البراغماتي تدعم موقف المغرب، في حين أن المعارضين الرئيسيين للسيادة المغربية في الصحراء الغربية (إيران والجزائر) معادون بالفعل لـ"إسرائيل".
على عكس ذلك، فإن الاعتراف بالسيادة المغربية يمكن أن يوفر مزايا مهمة لتعزيز العلاقات بين "إسرائيل" والمغرب وأن يعزز مصالح تل أبيب في سياقات أوسع، إذ من المتوقع تحقيق بعض الفوائد من هذه الخطوة نظرًا لأهميتها بالنسبة للمغرب:
· يأتي على رأس قائمة المكافآت المحتملة بالطبع فتح سفارات دائمة في كلا البلدين، ما سيعزز العلاقات بشكل أكبر، وهذا الأمر على درجة من الأهمية نظرًا للتحديات الحالية التي تواجهها "إسرائيل" في علاقاتها مع الدول العربية الأخرى التي وقعت معها معاهدات سلام وتطبيع، وبسبب التوترات على الساحة الفلسطينية.
· المكافأة الثانية، والتي تعود بالنفع المتبادل أيضًا، ستكون تبادل الزيارات والاجتماعات على أعلى مستوى سياسي، خصوصًا مع ملك المغرب، وهي خطوة سعت إليها "إسرائيل" عدة مرات خلال العامين الماضيين. وكان آخر اجتماع رسمي بين ملك مغربي ورئيس وزراء "إسرائيلي" في تموز/ يوليو 1999، عندما حضر رئيس الوزراء آنذاك، إيهود باراك، جنازة "الملك الحسن الثاني"، والتقى خلال الزيارة بالملك "محمد السادس" فور توليه العرش، وسيكون الاجتماع المحتمل مع الملك بعد 25 عامًا بمثابة معلم سياسي مهم لـ"إسرائيل".
· المكافأة الثالثة المتوقعة، والتي ستكون مفيدة لكلا البلدين أيضًا، هي توسيع العلاقات الاقتصادية؛ حيث تتمثل الخطوة الأولى التي يمكن تنفيذها بسرعة نسبيًا في التوقيع على معاهدة حماية الاستثمار، والتي كانت قيد التفاوض منذ ما يقرب العامين. وستوفر هذه المعاهدة الحماية القانونية للمستثمرين "الإسرائيليين" في المغرب، ويمكن أن تسهّل الوصول إلى التحكيم الدولي في حالات منازعات الاستثمار، على غرار معاهدة الاستثمار الموقعة مع الإمارات عام 2021. ويمكن أيضًا أن تتضمن خطوة إضافية تتمثل في توقيع اتفاقية التجارة الحرة، والتي تم ذكرها على أنها تطور محتمل.
· أما الفائدة الرابعة المحتملة فتكمن في مجال العلاقات متعددة الأطراف؛ حيث تأتي ثمرتها في شكل دعم المغرب لـ"إسرائيل" في المحافل الدولية والمساعدة في توسيع دائرة التطبيع. لكن يجب على "إسرائيل" الإفصاح عن توقعاتها للدعم في منتديات مثل الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة. والأكثر أهمية هي المساعدة الدبلوماسية في تعاملاتها مع دول أفريقيا جنوب الصحراء، لا سيما تلك الموجودة في الجزء الغربي من القارة؛ حيث يتمتع المغرب بنفوذ سياسي إضافةً لوجود تجاري ومالي كبير.
رغم كل ذلك، فثمة قلق من أنه مقابل وفاء "إسرائيل" بالتزاماتها في الصفقة قد لا يلتزم المغرب بذلك، أو إن الإجراءات المتخذة قد تكون مؤقتة وقابلة للتراجع. وينبع هذا القلق من اعتبارات المغرب الداخلية والعربية، لا سيما التزامه طويل الأمد بالقضية الفلسطينية التي تحظى بتأييد شعبي كبير في المغرب وفي جميع أنحاء العالم العربي.
إن التزام المغرب تجاه الفلسطينيين وسكان القدس، الذي كرره مرارًا كبار المسؤولين بمن فيهم الملك نفسه، يحدّ من قدرته على توسيع العلاقات مع "إسرائيل" خصوصًا خلال فترات تصعيد التوتر بين "الإسرائيليين" والفلسطينيين. فكثيرًا ما انتقد المسؤولون المغاربة في الأشهر الأخيرة التصريحات والأفعال "الإسرائيلية" تجاه الفلسطينيين وفي الحرم القدسي؛ مثل إدانة وزير الخارجية، ناصر بوريطة، لتصريحات وزير المالية "الإسرائيلي"، بتسلئيل سموتريتش، في آذار/ مارس الماضي، عندما نفى وجود الشعب الفلسطيني.
كما إن هناك حساسية متزايدة فيما يتعلق بالقدس وجبل الهيكل على وجه الخصوص، ويتضح ذلك من الانتقادات الشديدة من قبل المغرب عقب الاشتباكات هناك. والجدير بالذكر أن "الملك محمد السادس" يترأس لجنة القدس التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي، والتي من أهدافها حماية التراث الثقافي والديني للقدس ودعم مجتمعاتها الإسلامية. وقد قامت هذه اللجنة منذ إنشائها عام 1995 بتمويل مشاريع مختلفة في المدينة لصالح سكانها المسلمين، في مجالات مثل التعليم والثقافة والرعاية الاجتماعية. وبالتالي، فإن هذا الموقف يلعب دورًا مهمًا في جهود الملك لتعزيز شرعيته الدينية محليًا وفي العالم الإسلامي؛ ومن هنا ففي حين أن تطور العلاقات بين المغرب و"إسرائيل" قد يجلب فوائد عديدة، إلا أنه قد يؤدي إلى مطالبة المغرب بحضور أكبر في الحرم القدسي، والذي سيضيف مصالح جهة فاعلة إضافية إلى ساحة حساسة بالفعل.
على الجانب الآخر، فإن سياسة "إسرائيل" في بسط سيطرتها في الضفة الغربية، إضافةً لاحتمال عدم قدرة حكومتها على إحراز تقدم تجاه حل القضية الفلسطينية، يمكن أن يشكّل تحديات للمغرب في تعزيز العلاقات من خلال إجراءات صارخة، مثل افتتاح سفارة "إسرائيلية" في الرباط. فمثل هذه الإجراءات قد تضخم الانتقادات القائمة للعلاقات "الإسرائيلية" المغربية، والتي ظهرت بالفعل في بعض الأوساط (مثل انتقادات الحزب الإسلامي الذي كان في السلطة عندما تم توقيع اتفاقية التطبيع).
إضافةً لذلك، هناك عداء كبير تجاه "إسرائيل" بين عامة الجمهور المغربي؛ فوفقًا لاستطلاع نشره "الباروميتر العربي" في أيلول/ سبتمبر 2022، كان 64% من المصوتين "معارضين" أو "معارضين بشدة" للتطبيع بين "إسرائيل" والدول العربية. لذلك، يجب ربط اعتراف "إسرائيل" بالسيادة المغربية في الصحراء الغربية بمجموعة من التفاهمات التي تسهّل تحسين العلاقات بين الدولتين، ويجب دعم هذا الفهم بالتزامات من المغرب لا يمكن اتخاذ عكسها بسهولة في المستقبل.