المصدر: إيكونوميك إنتيليجنس يونيت
جيوپوليتيكال إنتيليجنس سيرفيسيز
ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات
الرابط: لقراءة وتحميل الترجمة / اضغط هنا
"السيسي" لم يحقق أهم ما وعد به للشعب: الأمن والاقتصاد
يحكم الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بلاده بقبضة من حديد منذ وصوله إلى السلطة عام 2013، ويتعامل النظام بقسوة مع أي معارضة سواءً كانت حقيقية أو وهمية. ورغم أن جزءًا من العقد الاجتماعي الذي أبرمه "السيسي" مع الشعب المصري هو فرض الأمن وتحقيق اقتصاد أقوى مقابل فقدان الحريات، إلا أن هذا الأمر أصبح مشكوكًا فيه بشكل متزايد في ظل الظروف الحالية، وبعد أن أصبح النظام في مأزق من المرجح أن تزداد ميوله الاستبدادية وتصير أكثر وقاحة.
إن حالة الاقتصاد المصري أبعد ما تكون عن كونها دافعًا لإعادة انتخاب "السيسي"، على افتراض أنه يسعى لولاية ثالثة قبل انتهاء ولايته الحالية في نيسان/ أبريل 2024، حيث سيُفتح باب الترشح للرئاسة في تشرين الأول/ أكتوبر القادم. وعندما أعيد انتخاب "السيسي" للمرة الأولى عام 2018 كانت الظروف الاقتصادية في تحسن، بعد فترة من التكيف القاسي عقب أزمة النقد الأجنبي التي سبقت ذلك بعامين. وقد يُنسب لـ"السيسي" الفضل في اتخاذ قرارات صعبة ربما تؤتي ثمارها على المدى الطويل، ويمكنه كذلك أن يلقي بعض االمسؤولية عن الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها مصر على إدارة الإخوان المسلمين التي أطاح بها بالقوة عام 2013. وتحت إشرافه أيضًا تحسن ملف أمن الطاقة، وسط انتعاش قوي في إنتاج الغاز الطبيعي واستقرار إمدادات الطاقة.
لكن هذه المرة سيكون من الصعب على "السيسي" الدفاع عن سجله؛ حيث تعاني مصر من أشد ضغوط تكاليف المعيشة في تاريخها الحديث؛ فقد أصبحت العملة الصعبة نادرة وانخفضت قيمة الجنيه مقابل الدولار إلى النصف تقريبًا منذ أوائل عام 2022. كما استفحل التضخم (36.5% على أساس سنوي في تموز/ يوليو) وطال كل أسعار السلع الاستهلاكية والخدمات، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 65.8% على أساس سنوي. يضاف إلى ذلك تضخم الديون الخارجية وتكرار انقطاع الكهرباء، بينما أصبحت أقساط خدمة الديون تزاحم توفير الحكومة للخدمات العامة الأساسية.
ونظرًا لوجود عدد قليل من القنوات الرسمية التي يمكن من خلالها اختبار سلطة الحكومة، فإن التهديد الرئيسي لقدرة النظام يتمثل في ردة فعل شعبية عنيفة ضد تدهور مستويات المعيشة، خصوصًا إذا اختطفها الجيش لتبرير انقلاب آخر.
بشكل منفصل، من المتوقع أن تقوم الحكومة بتشديد القيود المالية لتجنب التضخم، والامتثال لأهداف صندوق النقد الدولي لتحقيق فائض أولي في الموازنة. وسيتضمن ذلك خفض فاتورة الدعم التي تضخمت تماشيًا مع ارتفاع الأسعار العالمية للمواد الغذائية والوقود. ومن المرجح أن تكون ولاية "السيسي" الثالثة هي الأكثر تحديًا له حتى الآن، وسط تزايد خطر اندلاع اضطرابات واسعة النطاق أكثر من أي وقت مضى منذ ثورة 2011. بالمقابل، ستواجَه أي بادرة تحرك من المعارضة بقوة صارمة، ومن الممكن توقع تغييرات متكررة في مجلس الوزراء والقيادات العسكرية، وسياسات غير منتظمة تجاه حقوق الإنسان وبيئة الأعمال، مع تحول النظام إلى القمع من أجل البقاء.
مأزق الطاقة رغم تقدم ترتيب مصر في قائمة مصدّري الغاز
من الصعب تصور أن مصر، التي تحتل حاليًا المركز الـ12بين مصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم، تعاني من نقص حاد في الوقود المحلي؛ فقد أصبح انقطاع التيار الكهربائي هو الأساس هذا الصيف. بدورها، أعلنت الحكومة عن عدة إجراءات لتخفيف الأزمة، منها تنظيم قطع التيار الكهربائي وإلزام موظفي الخدمة المدنية بالعمل من المنزل بعض الأيام. ورغم أن موجات الحر المتكررة في الصيف وارتفاع الطلب على التبريد قد تكون المسؤولة عن الأزمة، إلا أن هذه الأزمة تعكس مشكلة أعمق هي القيود على قدرة إنتاج الغاز في مصر؛ حيث يثير ذلك تساؤلات حول إمكانات التصدير للبلاد وما له من آثار على المشترين في أوروبا وأماكن أخرى.
وإذا لم يتم تحقيق اكتشافات مهمة جديدة في مصر وينخفض استهلاكها المحلي من الغاز وتتوافق الأسعار المحلية مع الأسعار العالمية، فإن مكانة البلاد كمصدّر رئيسي للغاز سوف تتعرض للخطر، وكذلك طموحها في أن تصبح مركزًا إقليميًا للغاز. ونظرًا للتحديات الفنية والتجارية والسياسية التي يواجهها جيرانها في شرق المتوسط عند التخطيط لصادراتهم من الغاز، فقد يكون لدى مصر فرصة جيدة لتحقيق طموحها كمركز إقليمي. لكن لتحقيق النجاح يتطلب المشروع تنوع مورّدي وعملاء الغاز وإرادة سياسية ثابتة وسوق غاز محررة، لكن لم يتم تحقيق كل هذه الشروط.
ورغم محاولة إصلاح الأسعار على مدى السنوات القليلة الماضية، إلا أن تحرير السوق لم يحدث بعد؛ ففي كانون الثاني/ يناير 2023 أعلنت الحكومة المصرية أنها تدرس "إدخال آلية ربط السعر المحلي للغاز الطبيعي بحيث يعكس الأسعار العالمية"، وهو الوعد الذي لم يتحقق بعد. كما ترتبط مخاطر عديدة بالاعتماد على مصر كنقطة محورية، وفي بعض الحالات كنقطة إعادة تصدير وحيدة لجيرانها.
بدوره، وجّه صندوق النقد الدولي "تحذيرًا" لمصر في مؤشر الدول الهشة، ورغم الاستقرار النسبي الذي تشهده البلاد منذ سيطرة الجيش على السلطة خلال احتجاجات الربيع العربي، فلا يزال هناك خطر كامن يتمثل في حدوث اضطرابات اجتماعية وسياسية. فلا تزال نسبة الشباب المصريين غير الملتحقين بالتعليم أو التوظيف أو التدريب مرتفعة (نحو 30%)، فيما يتراوح معدل التضخم الرئيسي المرتفع بشكل كبير حول 30% في العامين السابق والحالي، مع وصول تضخم أسعار الغذاء إلى حوالي 60%، ما تسبب في تدني مستوى معيشة معظم المصريين بشكل مثير للقلق.
وبالتالي، فإن الموردين الذين يعتمدون على البنية التحتية المصرية والعملاء الذين يراهنون على الغاز المصري، يمكن أن يتضرروا بشدة من حالة الهشاشة السياسية والاقتصادية التي قد تتعرض لها البلاد، إضافةً لتقلبات السوق المحلية التي لا تزال تتميز بأسعار منتظمة والتي قد تعرقل الصادرات مرة أخرى.