المصدر: أراب دايجيست
ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات
الرابط: لقراءة وتحميل الترجمة / اضغط هنا
الملخص التنفيذي
رغم تضييق الخناق على المشاعر المؤيدة للفلسطينيين، لا تزال المملكة العربية السعودية في حالة صراع؛ حيث تهتم القيادة بدعم "إسرائيل" أكثر من إدانة الإبادة المستمرة للمدنيين في غزة، بينما يدعم عموم السعوديين القضية الفلسطينية رغم أنهم لا يستطيعون الإفصاح عن ذلك. فمنذ الهجوم العسكري المفاجئ الذي شنته حركة "حماس" في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حرص النظام السعودي على إظهار الأمور كأن كل شيء في المملكة يسير بشكل طبيعي تمامًا، وأن الوضع في غزة ليس له أي تأثير على الحياة اليومية في المملكة.
ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن "جيمي ديمون"، الرئيس التنفيذي لبنك "جي بي مورجان"، و"جين فريزر" من "سيتي جروب"، وحوالي 6000 من كبار رجال الأعمال الآخرين، قاموا بزيارة إلى المملكة لحضور مؤتمر استثماري يستمر ثلاثة أيام، وهو مبادرة الاستثمار المستقبلي السنوية التي يطلق عليها اسم "دافوس في الصحراء". كما خصص ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وقتًا لحضور مؤتمر عالمي للرياضات الإلكترونية في الرياض مع نجم كرة القدم، كريستيانو رونالدو، وغيره من المشاهير لإطلاق أول كأس عالم للرياضات الإلكترونية، رغم أن المنافسة نفسها لن تبدأ فعليًا حتى العام المقبل.
حفلات ترفيهية ومهاجمة حماس
لقد ركزت وسائل الإعلام السعودية على الإصلاحات الاقتصادية التي قام بها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وموسم الرياض الذي بدأ في الـ28 من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، والذي يوصف بأنه "أحد أكبر الأحداث الترفيهية الشتوية في العالم". ومن أبرز الأحداث التي سيشملها الحدث: "The Phantom of the Opera"، و"جولة الجولف الأوروبية للسيدات"، و"Battle of the Baddest"، وهي مباراة ملاكمة ترفيهية بين البطلين العالميين، تايسون فيوري وفرانسيس نجانّو، لابتكار تجربة مثيرة لا تُنسى محليًا وعالميًا، لكن لم يُذكر بطبيعة الحال أن أحد أبرز نجوم الموسم انسحب بسبب الأوضاع في غزة، وهو الممثل الكوميدي المصري "محمد سلام".
بالطبع لم يتمكن النظام من تجاهل الوضع في فلسطين بشكل كامل؛ ففي المنتديات العامة التي نوقشت فيها الحرب حاول النظام السعودي جاهدًا، مثل حكومات أخرى، تقديم نفسه كرجل دولة في نهجه تجاه الصراع معبّرًا عن قلق عميق بشأن حقوق الإنسان والقانون الدولي. وفي السابع من تشرين الأول/ أكتوبر ألقى الدبلوماسي المخضرم، الأمير تركي الفيصل، خطابًا في "معهد بيكر" انتقد فيه "حماس" بسبب هجومها وكذلك السياسات التي اتبعتها الحكومات "الإسرائيلية" المتعاقبة منذ فترة طويلة، والتي قال إنها ساعدت في الوصول إلى الوضع الدموي الحالي. وأضاف "الفيصل": "إنني أُدين إسرائيل لتحويل الأموال القطرية إلى حماس، الجماعة الإرهابية كما تعتبرها إسرائيل".
والسبب الوحيد الذي دفع الأمير "تركي" إلى الإدلاء بهذا التصريح الغريب، والذي تردد صداه في وسائل الإعلام "الإسرائيلية"، هو أن "بن سلمان" أمره بذلك، لأنه قد تُرك مرة ثانية يغلي من الغيرة بعد أن تغلب عليه أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد، الذي نال شهرة دولية لدوره في التوسط في إطلاق سراح الرهائن والمحادثات مع "حماس"، تمامًا كما تفوق عليه عام 2020 من خلال التوسط في اتفاق السلام مع حركة "طالبان". وقد غرد مستشار الأمن القومي لـ"نتنياهو"، تساحي هنغبي، (باللغة الإنجليزية) في الـ25 من تشرين الأول/ أكتوبر: "يسعدني أن أقول إن قطر أصبحت طرفًا أساسيًا وصاحبة مصلحة في تسهيل الحلول الإنسانية، إن الجهود الدبلوماسية التي تبذلها حاسمة في هذا الوقت".
وبالنسبة لـ"بن سلمان"، فإن مثل هذه الأوسمة التي يمنحها "الإسرائيليون" في أماكن أخرى، قد تكون الجانب الأصعب من الحرب حتى الآن. وقد ذكرت وكالة الأنباء السعودية أنه خلال المحادثة الهاتفية التي أجراها مع الرئيس الأمريكي، جو بايدن (وهي الأولى منذ أن أصبح رئيسًا قبل ثلاث سنوات)، أكد "بن سلمان" على ضرورة الامتثال للقانون الإنساني الدولي، وحث على العودة إلى عملية السلام. وفي مجلس الأمن في الـ24 من الشهر الماضي، دعا وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، إلى وقف فوري لإطلاق النار ورفع الحصار.
تشابك مصالح بن سلمان و"إسرائيل"
لكن كما هو الحال في الدول الغربية، سيكون من الخطأ الفادح أخذ التصريحات المؤيدة للفلسطينيين الصادرة عن القادة السعوديين وغيرهم من القادة العرب على محمل الجد؛ حيث كتب مؤخرًا "دينيس روس"، وهو مسؤول أمريكي كبير سابق شارك في محادثات السلام في الشرق الأوسط، لصحيفة "نيويورك تايمز" إن كل مسؤول عربي كبير تحدث معه منذ بدء الحرب يأمل أن تنهي "إسرائيل" حكم "حماس" في غزة. وبالتالي، فينبغي النظر إلى مثل هذه التصريحات على حقيقتها؛ أي أنها مجرد ممارسة علاقات عامة للاستهلاك الجماهيري فقط، وأنها بمثابة تغطية على الاتهامات المستقبلية بالتواطؤ في الإبادة الجماعية والتطهير العرقي من قبل "إسرائيل".
وخلف الأبواب المغلقة، وضع "بن سلمان" منذ فترة طويلة كل "أوراقه" على الطاولة "الإسرائيلية" ويعتقد، وهو على الأرجح محقّ في ذلك، أن مستقبله ومستقبل "إسرائيل" متشابكان بشكل وثيق، ومن هنا فإن أسوأ ما يخشاه الآن، بعد أن وضع كل "بيضه" في السلة "الإسرائيلية"، أنها بطريقة أو بأخرى قد تخسر الحرب. ولمحاولة التأكد من عدم حدوث ذلك، فإن "بن سلمان" مستعد في السر لبذل أي جهد لإظهار الدعم لـ"إسرائيل"، سواءً كان ذلك من خلال هجوم بري دموي "إسرائيلي" على غزة، أو تطهير عرقي للفلسطينيين بطردهم إلى سيناء، رغم إدراكه أن هذا السيناريو الأخير بالنسبة للرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، سيكون على الأرجح بمثابة قطع رقبته سياسيًا.
قمع المواقف الشعبية الداعمة لغزة
ومن أجل محاولة إقناع الجميع في المملكة بالتفكير مثله، وجّه "بن سلمان" أجهزة الأمن السعودية وآلة الدعاية للعمل الإضافي، وأي نوع من التعبير العلني عن المشاعر المؤيدة للفلسطينيين في المملكة، سواءً عبر تغريدة أو منشور أو مقطع فيديو، محظور وقد يؤدي إلى الاعتقال الفوري. وقد أَبلغ العلماء السعوديون السكان أنه يجب على المواطنين التوقف عن مناقشة شأن غزة، مدّعين أن "القادة يعرفون القضية أفضل منكم، وأنتم غير مؤهلين وليس لديكم ما تقدمونه... تحليلاتكم مرهقة... ثقوا في ]بن سلمان]". وقد صدرت تعليمات للجواسيس في "مركز الاعتدال"، مقر مراقبة الدولة السعودية، بتعقب أكبر عدد ممكن من مؤيدي "حماس" والحركات الفلسطينية الأخرى. هذا، مع العلم أن القلة القليلة المعروف أنهم ينتمون إلى "حماس" وغير المحبوسين بالفعل، تم طردهم من البلاد منذ فترة طويلة، إلى جانب العديد من العلماء والمفكرين السعوديين البارزين الآخرين.
في الوقت نفسه، يعمل جيش "الذباب الإلكتروني" التابع لـ"سعود القحطاني" بقوة على الترويج للحسابات المؤيدة لـ"إسرائيل"، وقد ظهرت شخصيات إعلامية سعودية معروفة مؤيدة لـ"بن سلمان"، مثل سعود الشمري، على شاشة التلفزيون "الإسرائيلي" وهي تضحك وتستخف بالصراع. كما أجرت قناة العربية الإخبارية التابعة للسعودية مقابلة عدوانية مع رئيس "حماس" في الخارج، خالد مشعل، وسألته إذا كان سيعتذر الآن لـ"إسرائيل".
في الإطار ذاته، شنّت حسابات وسائل التواصل الاجتماعي التي يسيطر عليها النظام هجمات شديدة على الفلسطينيين، وحثت "نتنياهو" على عدم التوقف عن أي شيء لتدمير غزة، حتى لو كان ذلك يعني استخدام قنبلة نووية. ونتيجةً لذلك، صرح "جاريد كوشنر"، صهر الرئيس الأمريكي السابق "ترامب" ومستشاره، مؤخرًا لقناة "فوكس نيوز" بأن السعودية "أكثر أمانًا" لليهود الأمريكيين من حرم الجامعات الأمريكية.
رغم ذلك، سيكون من الخطأ تفسير الغياب التام للنقد العلني لـ"إسرائيل" بأن الرأي العام في المملكة يميل تجاه "الإسرائيليين". على العكس من ذلك؛ ففي الواقع كل شخص تقريبًا في المملكة مؤيد لفلسطين، حتى يمكن القول إنه لو كانت هناك حرية في المملكة، فلن تحدث مظاهرات حاشدة فحسب مماثلة لما شهدناه مؤخرًا في اليمن وبلدان أخرى، بل من المرجح أن يكون العديد من السعوديين على استعداد للمغادرة على الفور ومحاولة الانضمام إلى "حماس" في فلسطين.
والخلاصة، إن كبت جميع المنافذ للتعبير عن المشاعر المؤيدة للفلسطينيين قد يخدم الأهداف السياسية لـ"بن سلمان" على المدى القصير، لكنه يزيد في الوقت ذاته من احتمال وقوع أعمال عنف يائسة في المملكة مستقبلًا، سواءً ضد الحكومة أو "بن سلمان" نفسه أو الأجانب الذين يعيشون هناك. وقد أثارت نصائح السفر التي أصدرتها الحكومة الأمريكية مؤخرًا بـ"إعادة النظر في السفر" خطر التهديد بوقوع أعمال إرهابية. كما حذر وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، من التصعيد في جميع أنحاء المنطقة، وقال لبرنامج "هذا الأسبوع" على شبكة "ABC": "في الواقع ما نراه.. هو احتمال حدوث تصعيد كبير للهجمات على قواتنا وشعبنا في جميع أنحاء المنطقة".