حرب أوكرانيا ثم حرب غزة ستزيدان من تفاقم أوضاع مصر أمنيًا واقتصاديًا

الساعة : 15:00
8 يناير 2024

المصدر: ميدل إيست إنستيتيوت

ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات

الرابط: لقراءة وتحميل الترجمة / اضغط هنا

تمهيد:

نشر "معهد الشرق الأوسط" دراسة مطولة تضمنت عدة مقالات لمجموعة من الباحثين والخبراء والأمنيين الغربيين، حول ملامح مستقبل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "MENA" خلال عام 2024، وقام مركز "صدارة" باختيار مجموعة منها لترجمتها ونشرها تباعًا، وهذا هو الجزء الخامس من هذه السلسلة.

الجزء الخامس:

تحديات داخلية وخارجية صعبة تنتظر مصر

إن التنبؤ بالمستقبل فنٌّ لا يعوّل عليه في أفضل الأحوال، وممارسة مضللة في أسوئها؛ ففي حالة مصر على سبيل المثال، تلاشت القدرة على استشراف أحداث عام قادم بدقة في اليوم الذي أعادت فيه روسيا غزو أوكرانيا في شباط/ فبراير 2022. وفي تلك المرحلة بدأ الاقتصاد المصري يزداد تدهورًا، وكشفت الحرب، رغم بعدها عن مصر، عن عيوب جدية في اقتصاد البلاد، الذي كان لا زال يعاني من توابع جائحة "كورونا".

تعتبر مصر أكبر مستورد للحبوب في العالم، وتحصل على 80% من وارداتها من روسيا وأوكرانيا، وبالتالي فقد أدت الحرب إلى تعطيل هذه الواردات وارتفاع الأسعار بنسبة 33.1%، ما أضاف عبئاً بقرابة  ملياري دولار على ميزانية دعم الحبوب، الضخمة أساسًا، والتي تبلغ 3.2 مليار دولار، وأجبر القاهرة على استخدام احتياطها من العملات الأجنبية لتغطية الفارق. وما زاد من تفاقم الأمر أن الحرب الروسية الأوكرانية سلطت الضوء على اعتماد مصر على رؤوس أموال المضاربة (الساخنة)، والتي خرجت على الفور من البلاد بحثًا عن أسواق أكثر أمنًا وتطورًا. وفي محاولة لوقف النزيف، بدأت الحكومة تقييد الوصول إلى العملة الصعبة، وهي خطوة محفوفة بالمخاطر نظرًا لاعتماد مصر الكبير على الصادرات، ومنذ ذلك الحين والأمور في انحدار.

من جهة أخرى، فإن قرض صندوق النقد الدولي الأخير بقيمة ثلاثة مليارات دولار، وهو القرض الرابع خلال ست سنوات، لم يحقق التأثير المأمول، ويرجع ذلك لحد كبير إلى أن هذا القرض كان مشروطًا بتعويم سعر الصرف وتقليص دور الدولة في الاقتصاد. وبعد عدة تخفيضات حادة في قيمة الجنيه، لم يعد من الممكن تخفيضه أكثر بشكل آمن؛ حيث ارتفع التضخم إلى مستوى تاريخي؛ فقد بلغ 38% في أيلول/ سبتمبر 2023، ما يضع عبئًا هائلًا على المواطنين الذين يعيش حوالي 30% منهم تحت خط الفقر. كما إن القيود المتزايدة على العملة الصعبة أدت إلى اكتنازها من قبل البعض، وإنشاء نظام موازٍ غير رسمي لصرف الدولار.

في هذا الإطار، سيتعيّن على مصر أن تعمل جاهدة على زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر، ومن المرجح أن تسوء الأمور قبل أن تتجه إلى التحسن، لكن هذا التحسن لن يحدث قبل الربع الثالث من عام 2024. فنسبة إجمالي الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وفقًا لصندوق النقد الدولي،  هي الأعلى حاليًا بين الاقتصادات الناشئة؛ حيث وصلت إلى نسبة قاتمة بلغت 92.7 %. من جهة أخرى، فقد تم تأجيل مراجعة برنامج الصندوق، كما خفضت وكالة "موديز" التصنيف الائتماني لمصر، بينما تواجه البلاد احتمال حذفها من بعض المؤشرات الدولية، ثم جاء أخيرًا الصراع في قطاع غزة.

فمصر التي تتمتع بعلاقة رسمية ممتازة مع "إسرائيل"، تابعت بقلق كبير تطورات الوضع على حدودها. وعلى عكس تقارير عديدة، لم يتم إغلاق معبر رفح الحدودي من الجانب المصري، لكن "إسرائيل" قامت بقصفه عدة مرات من جانبها، ما جعل عبور شاحنات المساعدات شبه مستحيل. ورغم أن مصر كانت في بعض الأحيان، منذ عام 2006، متواطئة بشكل صارخ في حصار سكان غزة، لكنها خلال الصراع الأخير دفعت باتجاه إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، الأمر الذي حالت دونه "إسرائيل". ولم ينبع ذلك من منطلق الإيثار؛ فالدعم الشعبي المصري للفلسطينيين ظاهر للعيان، وهذه الحماسة، بالتوازي مع الوضع الاقتصادي المتدهور في موسم الانتخابات، تجعل الوضع الأمني حساسًا للغاية.

كما تراقب مصر بقلق (أكثر من أي وقت مضى) عدد الفلسطينيين الذين يقتربون من حدودها؛ حيث أعربت "إسرائيل" مجددًا مع بداية الصراع عن رغبتها في دفع الفلسطينيين للتوجه إلى مصر، وحثّت العديد من الدول الغربية على إقناع الحكومة المصرية نيابةً عنها بقبول ذلك، مع عرض تخفيف عبء الديون كمحفز لقبول الفكرة. لكن مصر، إلى جانب جميع الدول العربية، رفضت بشكل قاطع أي تهجير قسري آخر للفلسطينيين.

ومع ذلك، إذا تمكن اللاجئون، مدفوعين بحالة الخوف والجوع واليأس، من اختراق الحدود، فإن مصر، التي تستضيف بالفعل أكثر من 9.5 مليون لاجئ من بلدان عديدة مجاورة، لن يكون أمامها خيار سوى قبولهم لأسباب إنسانية. وبصرف النظر عن الضغوط المالية، فإن هناك خطرًا أمنيًا حقيقيًا من الانتشار المحتمل للمتطرفين، واحتمال أن تنتقل المقاومة المسلحة ضد "إسرائيل" إلى دولة أخرى ذات سيادة؛ على أي حال، سيكون عامًا صعبًا على مصر.

ميريت ف. مبروك

زميل أول والمدير المؤسس لبرنامج مصر