التنافس الاقتصادي سيظل مهيمنًا على علاقات السعودية والإمارات خلال هذا العام

الساعة : 11:00
10 يناير 2024

المصدر: ميدل إيست إنستيتيوت

ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات

الرابط: لقراءة وتحميل الترجمة / اضغط هنا

تمهيد:

نشر "معهد الشرق الأوسط" دراسة مطولة تضمنت عدة مقالات لمجموعة من الباحثين والخبراء والأمنيين الغربيين، حول ملامح مستقبل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "MENA" خلال عام 2024، وقام مركز "صدارة" باختيار مجموعة منها لترجمتها ونشرها تباعًا، وهذا هو الجزء السادس من هذه السلسلة.

الجزء السادس:

الاتفاق في السياسات العليا يقابله سياسة اقتصادية ستدفع البلدين للتباعد والتنافر

على مدى أكثر من عقد من الزمان، وتحديدًا منذ أن هزت انتفاضات "الربيع العربي" بعض الحكومات في العالم العربي، لعبت كل من السعودية والإمارات دورًا مهيمنًا بشكل متزايد في توجيه دفة السياسات على المستوى السياسي والاقتصادي والأمني في منطقة الشرق الأوسط. ومع تسبب أزمتي أوكرانيا وغزة في تأجيج الوضع العالمي، يسعى صناع القرار في الرياض وأبو ظبي الآن لتوسيع تلك الهيمنة الإقليمية، لممارسة دور أكبر في التأثير على القضايا والسياسات في جميع أنحاء العالم. فمن موقع تربعهما على قمة التكتل العالمي للنفط "أوبك+" إلى دعوتهما للانضمام إلى مجموعة "بريكس"، ثم استضافة الإمارات لمؤتمر المناخ التابع للأمم المتحدة عام 2023، فقد أصبح الطريق ممهدًا لكلا الدولتين خلال العام الحالي لحيازة مقعد على الطاولة، التي تناقش عليها القوى الكبرى القضايا الحاسمة التي تواجه المجتمع العالمي.

وفي حين ظلت الدولتان على الحياد بشكل واضح تجاه الحرب الأوكرانية، فإن تفاعل كل منهما مع الصراع الدائر بين "إسرائيل" و"حماس" قد يكون القرار الأكثر أهمية خلال هذا العام؛ فسوف تواجه الدولتان ضغوطًا كبيرة على المستويين الدولي والمحلي لاتخاذ مواقف حازمة بشأن الحرب، فضلًا عن محادثات "اليوم التالي" حول مستقبل غزة والصراع "الإسرائيلي" الفلسطيني.

من جهتها، ترى الولايات المتحدة أن الرياض وأبو ظبي شريكان أساسيان في الجهود الرامية لتحقيق الاستقرار في غزة بعد الحرب، ومعالجة التحديات الإنسانية الحرجة، وتلبية الاحتياجات الحكومية والأمنية في القطاع، وربما الاستعداد للعودة للمفاوضات بين "الإسرائيليين" والفلسطينيين. وسوف تكون علاقاتهما مع "إسرائيل" (القائمة والمحتملة) محل نقاش ساخن، خصوصًا أثناء حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

ومع ذلك، ستنأى كل منهما بنفسها عن الظهور بمظهر من يوفر غطاءً لحكومة "إسرائيلية" وسياساتها وعملياتها، التي تعتبر لعنة بالنسبة للغالبية العظمى من العرب، بما في ذلك سكان البلدين. ويتلخص مطلب كل من الرياض وأبو ظبي في إثبات أن مشاركتهما في المبادرة التي تقودها الولايات المتحدة من شأنها أن توفر فائدة ملموسة للشعب الفلسطيني، لكن المخاطرة التي تواجههما هي أنه إذا أخطأتا في اتخاذ قرارهما، فقد يؤدي ذلك لإثارة قلق داخلي فضلًا عن الازدراء الإقليمي.

والآن يرتبط الصراع في غزة برغبة السعودية الشديدة في إنهاء الحرب الأهلية في اليمن، ومن ثمّ التهديد بتجدد هجمات الحوثيين على الأراضي السعودية والإماراتية. وفي هذا الإطار، فإن جهود الحوثيين لإظهار دعمهم لـ"حماس" والولاء لـ "محور المقاومة" الإيراني من خلال الهجمات الصاروخية والطائرات المسيّرة التي تستهدف "إسرائيل"، فضلًا عن الهجمات على سفن الشحن في البحر الأحمر، أدت إلى تعقيد الاستراتيجية السعودية وزادت من احتمال تجدد الصراع السعودي-الحوثي. وبالتالي، فإن السعوديين بدورهم يناشدون الولايات المتحدة (وإسرائيل على الأرجح) بعدم السماح لاستفزازات الحوثيين بأن تؤدي إلى صراع أوسع، وقد يستغلون حوارهم مع طهران سعيًا لإشراك إيران في تحقيق الهدف نفسه، وذلك لأن إنهاء الحرب الأهلية في اليمن يعتبر هدفًا رئيسيًا في العام الجديد بالنسبة للسعوديين، حتى يتمكنوا من إعادة تركيز سياستهم وميزانيتهم نحو التنمية الاقتصادية والتنويع بعيدًا عن الدفاع والأمن.

من جهة أخرى، تعدّ اليمن، إلى جانب ساحل البحر الأحمر الأوسع، واحدة من المناطق القليلة التي اتبع فيها السعوديون والإماراتيون سياسات متباينة بشكل واضح؛ حيث يدعم السعوديون بقوة قيام دولة يمنية موحدة على حدودهم الجنوبية، بينما يدعم الإماراتيون حركة انفصالية لإعادة تأسيس جنوب اليمن إلى ما قبل عام 1990. ومع ذلك، ورغم خلافاتهم، فقد استسلم الإماراتيون تاريخيًا لتفضيلات الرياض، وتقبلوا أن الحل النهائي لمستقبل اليمن له أهمية أكبر بالنسبة للسعوديين.

لكن المنافسة الاقتصادية بين البلدين الآن قد تجر الطرفين إلى نقطة احتكاك أوسع؛ فرغبة الرياض في تأكيد هيمنتها الاقتصادية الإقليمية، خصوصًا في الضغط على الشركات الدولية لإنشاء مقر إقليمي في المملكة، تتحدى بشكل مباشر أولوية دبي باعتبارها مركزًا للأعمال والتمويل في الخليج. وستصل هذه المنافسة إلى ذروتها خلال العام الجاري، مع دخول مشروع المقر الإقليمي الرائد في الرياض حيز التنفيذ، والذي يمنع أي شركة أجنبية ليس لها مقر إقليمي في المملكة من التعامل مع المؤسسات الحكومية. في النهاية، قد تكون الأعمال التجارية، وليس السياسة العليا، القضية التي تدفع الحليفين المقربين إلى التباعد والتنافر بصورة أكبر.

جيرالد م. فيرستين

مدير شؤون الجزيرة العربية بمعهد الشرق الأوسط