حرب غزة ستلقي بظلال اقتصادية كارثية على المنطقة ستزداد تفاقمًا باتساع الصراع

الساعة : 15:30
10 يناير 2024

المصدر: ميدل إيست إنستيتيوت

ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات

الرابط: لقراءة وتحميل الترجمة / اضغط هنا

تمهيد:

نشر "معهد الشرق الأوسط" دراسة مطولة تضمنت عدة مقالات لمجموعة من الباحثين والخبراء والأمنيين الغربيين، حول ملامح مستقبل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "MENA" خلال عام 2024، وقام مركز "صدارة" باختيار مجموعة منها لترجمتها ونشرها تباعًا، وهذا هو الجزء السابع من هذه السلسلة.

الجزء السابع:

حرب غزة ستلقي بظلال اقتصادية كارثية على المنطقة ستزداد تفاقمًا باتساع الصراع

في استشرافهما لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لشهر تشرين الأول/ أكتوبر 2023، توقع كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تباطؤًا حادًا في النمو الاقتصادي السنوي للمنطقة خلال عام 2023؛ حيث توقعا أن تنخفض النسبة إلى 2% من حوالي 6% عام 2022. ويرجع ذلك إلى خفض إنتاج النفط من قبل بعض دول مجلس التعاون الخليجي لوقف الانخفاض في الأسعار. وتتوقع كلتا المؤسستين أن يظل نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال 2024 أقل بكثير من مستويات 2022؛ إذ يُتوقع أن يرتفع إلى 3.5% فقط، مدفوعًا في الأساس بالأنشطة الاقتصادية غير النفطية.

بدورها، ستؤثر الحرب في غزة سلبًا على النمو والظروف المالية في العديد من البلدان؛ فقد حجّمت بشكل كبير الآفاق الاقتصادية للمنطقة لعام 2024. وفي هذا الإطار، تشير مذكرة أصدرها حديثًا موظفو صندوق النقد الدولي إلى أن الصندوق يخفض توقعاته للنمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مضيفةً أنه إذا حدث صراع واسع النطاق (متضمنًا عددًا من الدول في المنطقة) فإنه قد يخلق تحديًا اقتصاديًا كبيرًا للمنطقة بأكملها خلال عام 2024 وما بعده.

إن اقتصادات البلدان والأقاليم المشاركة بشكل مباشر في الحرب (خصوصًا "إسرائيل" والضفة الغربية وغزة) قد تعرضت بالفعل لضربة كبيرة. وقد توقع تقرير حديث صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أنه إذا استمر الصراع ثلاثة أشهر أخرى، فمن المرجح أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي للضفة والقطاع بما يزيد على 12%، وقد يرتفع عدد الفقراء بنسبة 45%. ونظرًا لأن أكثر من نصف المساكن في غزة قد تم تدميرها، فضلًا عن تشريد ثلاثة أرباع السكان وقتل أكثر من 20 ألفًا، فإن التأثير الاقتصادي على القطاع قد أدى بالفعل لانخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 50%، إضافةً إلى أن جميع السكان يواجهون كارثة إنسانية.

وبالنسبة لـ"إسرائيل"، ففي حال عدم تصاعد الصراع إلى مستوى إقليمي، فمن المتوقع أن ينخفض النمو فيها إلى حد ما نتيجة انخفاض الاستهلاك الخاص والاستثمار والسياحة، من متوسط 3% سنويًا متوقعًا للفترة 2023-2024 قبل الحرب إلى 2.3% فيما تبقى من عام 2023 و1.5% عام 2024، وفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وفي حال لم يحدث مزيد من التصعيد، فلا يُتوقع أن تعاني "إسرائيل" أضرارًا جسيمة نظرًا لاقتصادها السليم ووجود كفاية من الاحتياطيات المالية والهوامش في ميزان المدفوعات، إضافةً لاتباعها سياسة سريعة الاستجابة.

أما في مصر والأردن ولبنان، فإن قطاع السياحة يمثل ما بين 35% - 50% من الإيرادات الخارجية، وهو مصدر مهم للنقد الأجنبي وتوفير فرص العمل. وقد تضرر هذا القطاع بشدة جراء الحرب، ما أدى أيضًا إلى تباطؤ تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة واستثمارات المحافظ المالية، بسبب تزايد حالة عدم اليقين، وارتفاع المخاطر المتوقعة على الشركات والأسر، وضيق الأوضاع المالية. وإذا استمر الصراع وتوسع، فمن المرجح أن يزداد التأثير الاقتصادي بشكل أكبر على جميع الأطراف المعنية، كما يُرجّح أن يمتد إلى ما هو أبعد من منطقة الصراع الحالية، الأمر الذي سيؤدي إلى اقتطاع ما لا يقل عن أربع أو خمس نقاط مئوية من توقعات النمو الاقتصادي لعام 2024 المرجحة قبل بدأ الحرب.

إن الاقتصاد العالمي اليوم في وضع يمكّنه من استيعاب أزمة نفط كبرى بشكل أفضل مما كان عليه في أوائل سبعينيات القرن الماضي، لكن اتساع نطاق الحرب بين "إسرائيل" و"حماس" قد يؤدي إلى انخفاض كبير (ولو مؤقتًا) في إمدادات النفط والغاز لدى واحد أو أكثر من المنتجين في المنطقة. كما إن أي إغلاق مؤقت لقناة السويس أو مضيق هرمز أو الإضرار بمنشآت الطاقة، يمكن أن يؤدي إلى انخفاض كبير في الناتج المحلي الإجمالي لمنتجي النفط والغاز الرئيسيين في المنطقة، وسيكون لذلك عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي.

وبالتالي، فإن خفض إمدادات النفط والغاز مؤقتًا ربما يؤدي إلى زيادة كبيرة في أسعار الطاقة؛ ومثل هذه الزيادات، التي تأتي وسط اضطراب إمدادات الطاقة والغذاء بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، قد تدفع أسواق السلع العالمية إلى المجهول. فوفقًا لآخر تقرير من البنك الدولي حول آفاق أسعار السلع الأولية، فإن أي اضطرابات مماثلة لأزمة حظر النفط العربي عام 1973 ربما تقلل من إمدادات النفط العالمية، بما يصل إلى 6-8 ملايين برميل يوميًا، ما سيؤدي بشكل أولي لرفع الأسعار بنسبة 56-75% (140-157 دولارًا للبرميل).

لقد أصبح الاقتصاد العالمي أقل اعتمادًا على النفط مما كان عليه في السبعينيات، ورغم ذلك فإن عمليات محاكاة نموذج الاقتصاد الكلي تشير إلى أنه مقابل كل زيادة قدرها عشرة دولارات للبرميل في أسعار النفط، قد تؤدي لانخفاض النمو العالمي بنسبة 0.1%، وارتفاع التضخم العالمي بنسبة 0.2%. ووفقًا لتقرير حديث لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن حدوث أي أزمة في أسعار النفط بسبب عرقلة طرق الشحن الرئيسية، يمكن أن يؤدي إلى تعطيل التدفقات التجارية وخفض أسعار الأصول في جميع أنحاء العالم، وهو ما سيؤدي إلى تحويل "الهبوط الناعم" المتوقع للاقتصادات المتقدمة (التي يُتوقع حاليًا أن تنمو بنسبة 1.4% عام 2024)، إلى حالة ركود تضخمي مع خفض الإنتاج وارتفاع التضخم.

شاروخ فروديست

باحث غير مقيم