تقدم اليمين المتطرف في الانتخابات سيكون نقطة تحول في أوروبا وأمريكا

الساعة : 15:00
8 يوليو 2024

المصدر: آر إس آي إس

ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات

الرابط: لقراءة وتحميل الترجمة / اضغط هنا

لقد أُطلق على عام 2024 "عام الذروة" في الانتخابات؛ لأنه سيشهد إجراء انتخابات كبرى في أكثر من 60 دولة ومنطقة حول العالم، وسط تصاعد الصراع بين روسيا وأوكرانيا وبين "إسرائيل" و"حماس"، وفي ظل تباطؤ اقتصادي عام. وقد تراجع الوضع السياسي إلى حد ما في مختلف أنحاء الغرب، واتجهت شريحة كبيرة من اليمين السياسي إلى مزيد من التعصب. وما يثير القلق أن الحوادث الإرهابية اليمينية المتطرفة في الولايات المتحدة قد تزايدت في السنوات الأخيرة، كما ظل التهديد "كبيرًا" ومتجذرًا في أوروبا الغربية.

سيتناول هذا المقال تقييم مدى استفادة اليمين المتطرف من التقدم الذي حققته الحركة السياسية اليمينية في الانتخابات البرلمانية، التي أجريت في دول الاتحاد الأوروبي خلال هذا العام، والانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة.

اليمين المتطرف سيؤثر بشدة على الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024

في الولايات المتحدة، لم تنجح المشاكل القانونية التي يواجهها الرئيس السابق، دونالد ترامب، في إضعاف شعبيته حتى بين عدد قليل من الجماعات اليمينية المتطرفة، وقد اكتسب اليمين المتطرف في الولايات المتحدة زخمًا خلال فترة ولاية "ترامب" الأولى بين عامي 2016 و2020، وبلغ الأمر ذروته بأعمال شغب عنيفة قام بها بعض أنصاره وأعضاء الجماعات اليمينية المتطرفة (مثل "Proud Boys"، و"Three Percenters"، و"No White Guilt")، في مبنى الكابيتول في السادس من كانون الثاني/ يناير 2021. وفي الفترة التي سبقت الاقتراع، تم تصنيف خطاب "ترامب" في بعض الأوساط على أنه الأكثر استبدادية واستقطابًا، ما أثار مخاوف من أنه إذا أعيد انتخابه فإن رئاسته قد تشجع اليمين المتطرف بشكل أكبر.

في هذا الإطار، ستعمل انتخابات 2024 بين "بايدن" و"ترامب" على تحفيز اليمين المتطرف مرة أخرى، لكن هناك بعض الاختلافات هذه المرة. فقد كان غريبًا ضعف الظهور العام وأنشطة جماعة "Proud Boys"، وهو أمر غير معتاد بالنسبة لهذه المجموعة التي تروج للعنف السياسي وتنخرط فيه، والتي لعبت دورًا مهمًا في أعمال الشغب بمبنى "الكابيتول" عام 2021. إن الرقابة الدقيقة للجماعة وإدانة وسجن قادتها الرئيسيين، مثل إنريك تاريو، الذي حكم عليه بالسجن لعقود من الزمن، ربما دفع البعض إلى ترك الجماعة. ويُعتقد أن بعض الذين تركوا تلك الجماعة قد انضموا إلى جماعات أخرى أكثر تطرفًا ظهرت لاحقًا، مثل "Active Chaos"، و"Patriot Front"، و"Blood Tribe".

من ناحية أخرى، فقد يُقدِم اليمين المتطرف على أعمال عنف إذا لم يفز "ترامب"، خاصة أن القضايا المدنية والجنائية التي تُنظر بحقه والإدانة المحتملة ضده قد تؤدي إلى تراجع دعم بعض الجمهوريين المعتدلين نسبيًا. لكن بالمقابل، فإن هذه المشاكل القانونية، التي يزعم الرئيس السابق أن لها دوافع سياسية، قد تؤدي في النهاية إلى زيادة تحفيز قاعدته المتشددة. وقد تستند الجماعات اليمينية المتطرفة وبعض أتباعها، الذين يقضون أحكامًا طويلة بالسجن لتورطهم في أعمال الشغب في الكابيتول عام 2021، إلى فوز "ترامب" آملين أن يمنحهم عفوًا رئاسيًا. وقد ذهب بعض المعلقين إلى أبعد من ذلك لحد الادعاء بأنه إذا كان الرئيس السابق يواجه عقوبة السجن، وسط مشاكله القانونية المتزايدة وإدانته المتوقعة، فقد تحاول بعض الجماعات اليمينية المتطرفة والمؤيدين المتشددين اقتحام السجن لإطلاق سراح رئيسهم. وقد حذر عدد قليل من الخبراء أيضًا أنه، في أسوأ السيناريوهات، يمكن أن تتجه الولايات المتحدة نحو وضع يشبه الحرب الأهلية، وقد تكون قضايا "ترامب" والانتخابات عام 2024 بمثابة نقاط انعطاف.

من ناحية أخرى، تنبغي مراقبة روايات اليمين المتطرف التآمرية المتعلقة بالانتخابات نظرًا لانتشارها الواضح؛ فوفقًا لأحد التقديرات فإن حوالي ربع الأمريكيين (بزيادة عن السنوات السابقة) يؤمنون بمؤامرة "QAnon" التي نشأت عام 2017، والتي تتمحور المؤامرة حول فكرة أن معارضي "ترامب" من الحزب الديمقراطي يديرون عصابة سرية ويتآمرون ضد الرئيس السابق، وما زالت فكرة تلك المؤامرة تلهم أصحابها بأعمال العنف، ما يثير مخاوف من احتمال وقوع المزيد من الحوادث بقية العام. وهناك نظرية مؤامرة أخرى ذات صلة هي "Red Caesar" (القيصر الأحمر)، التي تروّج لفكرة أن هناك حاجة إلى زعيم يميني استبدادي (أي ترامب) لاستعادة الجمهورية.

في السياق ذاته، فإن القومية المسيحية آخذة في الارتفاع؛ فبعض المجموعات والمجتمعات السرية، مثل "جمعية التجديد المدني الأمريكي" السرية للغاية، تدعو إلى إعادة تعريف السياسة الأمريكية مع إعطاء دور أكبر للمسيحية. ولم يكن لهذا الأمر تلك القوة الواسعة في السابق، ومع ذلك فإن بعض تصرفات وتصريحات "ترامب" موجهة إلى حشد الدعم من الجماعات المسيحية، إلى حد لم يسبق له مثيل من قبل.

تأثير نجاح اليمين المتطرف في انتخابات الاتحاد الأوروبي سيكون محدودًا

خلافًا للنظام الرئاسي في الولايات المتحدة، الذي أصبح مستقطبًا سياسيًا لحد كبير، فإن عددًا من دول أوروبا الغربية تتبع أنظمة ديمقراطية برلمانية. وبما أن الاتحاد الأوروبي كتلة إقليمية، فلا توجد شخصية مركزية في أوروبا مثل "ترامب" تستطيع تحفيز اليمين المتطرف، وبالتالي فإن الحركة اليمينية تعتبر أكثر انقسامًا. لكن لا تزال هناك مخاوف بشأن التقدم الذي حققه اليمين المتطرف في الانتخابات البرلمانية للاتحاد الأوروبي التي انتهت مؤخرًا، وما قد يعنيه ذلك بالنسبة للعنف من اليمين، وفقًا لبعض المراقبين؛ إذ يمكن أن تزيد مكاسبه الانتخابية من احتمال اندلاع أعمال عنف بصورة أكبر.

لقد كان هناك مستوىً ثابتًا من الحوادث الإرهابية من قبل اليمين المتطرف، حتى في ظل تحقيق الأحزاب اليمينية المتطرفة مكاسب كبيرة في سياساتها الوطنية خلال السنوات القليلة الماضية في دول الاتحاد الأوروبي. وإن كانت المعلومات لا تُظهر اتجاهًا واضحًا لارتفاع أو انخفاض الحوادث الإرهابية والاعتقالات، لكن كان هناك مستوى ثابت من النشاط الذي يسترعي الاهتمام المستمر بالمشكلة. وقد ظل عدد الهجمات "المكتملة" و"الفاشلة" و"المحبطة" مكونًا من رقم واحد، لكن كان هناك عدد كبير من الاعتقالات بسبب "جرائم إرهابية يمينية" في دول الاتحاد الأوروبي، بما فيها فرنسا وألمانيا، في حين شهدت إيطاليا أكبر عدد من الاعتقالات.

من ناحية أخرى، تتزايد المخاوف بشأن اختراق أجهزة الدولة، مثل الشرطة والخدمات العسكرية وغيرها من المؤسسات، من قبل المتطرفين اليمينيين في الآونة الأخيرة. فقد تطورت "ثقافة التطرف" مع زيادة التعاطف مع الأفكار اليمينية المتطرفة والعنصرية بين بعض قطاعات قوات الشرطة في المملكة المتحدة وأوروبا. ويعتبر الوضع أشد خطرًا في ألمانيا؛ حيث يوجد ما لا يقل عن 400 ضابط على مختلف مستويات السلطة، يجري حاليًا التحقيق معهم لأنهم يحملون آراءً يمينية متطرفة أو أفكارًا تستند لنظية المؤامرة. وقد تبين أن بعض هؤلاء المسؤولين نشروا أفكارًا يمينية متطرفة، وانخرطوا في خطاب عنصري و"إضفاء طابع نسبي على الجرائم النازية". وقد يؤدي النجاح السياسي الذي حققه اليمين المتطرف في كتلة الاتحاد الأوروبي إلى جعل هذا التهديد أكثر خطورة.

وإن كان من غير الواضح حتى الآن كيف سيؤثر نجاح الأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة في الانتخابات البرلمانية للاتحاد الأوروبي لعام 2024، على الإرهاب اليميني المتطرف في الدول الأعضاء، لكن هذه المكاسب السياسية لليمين ربما تؤدي إلى تهدئة واسترضاء بعض مطالبه؛ فقد تبدو بعض المواقف السياسية لليمين وكأنها تقترب مما يسعى لتحقيقه من خلال أعمال العنف. لكن بالمقابل، هناك حدود أيضًا لنفوذ اليمين المتطرف في سياسات الاتحاد الأوروبي؛ فرغم زيادة أعضاء الأحزاب اليمينية في برلمان الاتحاد وأنها تسعى إلى توجيه التحالف، لكنها قد لا تتمكن إلا من ممارسة تأثير محدود في السياسات الرئيسية.

يضاف إلى ذلك أن طبيعة تشكيل البرلمان الأوروبي، الذي يتولى إدارته مجلس مستقل للاتحاد، يزيد من صعوبة سيطرة اليمين المتطرف على المؤسسة، إضافةً إلى أن بعض أحزاب الوسط واليسار شكلت جدار حماية تجاه العمل مع أحزاب اليمين المتطرف. فقد استبعد "ائتلاف الهوية" اليميني المتطرف "حزب البديل من أجل ألمانيا" في الفترة التي سبقت الانتخابات البرلمانية للاتحاد الأوروبي، والتي اعتبرت تغييرًا كبيرًا في السياسة اليمينية في أوروبا؛ حيث سعى زعيم رئيسي للأخير إلى التقليل من دور "قوات الأمن الخاصة" (مجموعة شبه عسكرية نازية كانت تحرس معسكرات الاعتقال خلال الحرب العالمية الثانية). لذلك، ففي حين يرى اليمين المتطرف أنه يكتسب أرضية سياسية، فإن بعض المنتمين إليه قد لا يعتبرون ذلك مكسبًا لحركتهم.

سبل مواجهة اليمين المتطرف

إن مجابهة اليمين المتطرف لا تزال غير مستكشفة نسبيًا؛ فنظرًا للارتباط السياسي السائد لبعض المشاعر اليمينية المتطرفة، من المرجح أن يصبح تحدي اليمين أكثر صعوبة. رغم ذلك، يمكن لبعض المقاربات السياسية أن تساعد في الحد من انتشار المشاعر المتطرفة والعنف المرتبط بهذه الأيديولوجية. فعلى صعيد المملكة المتحدة، على سبيل المثال، حيث ظهر التطرف اليميني بين قوات الأمن باعتباره مصدر قلق، تم تسليط الضوء على تعزيز عمليات التدقيق ومعالجة "الذكورة المفرطة والعنصرية"، وتحسين آليات المساءلة باعتبارها نهجًا مناسبًا يمكن أن يساعد في إدارة التهديد.

وإن كانت هذه الأساليب تمت صياغتها لتناسب أوضاع المملكة المتحدة، التي ستشهد إجراء انتخابات عامة في الرابع من تموز/ يوليو، لكنها يمكن أن تكون قابلة للتطبيق أيضًا في دول الاتحاد الأوروبي التي تشاطر المملكة المتحدة أوجه التشابه. كما إن "تقليل الدوافع" و"تقليل الوسائل" و"إزالة الفرص" للجهات الفاعلة العنيفة، يمكن أن تمثل بعض الطرق التي تساعد على إنفاذ القانون والتقليل من احتمال حدوث أعمال عنف في فترة الانتخابات وبعدها، خصوصًا في الولايات المتحدة التي يسود فيها مشهد سياسي مستقطب للغاية.

خاتمة

قد تكون انتخابات عام 2024 في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بمثابة نقطة تحول؛ ففي الاتحاد الأوروبي يمكن أن يكون ذلك بمثابة بداية لعصر من التحول نحو اليمين السياسي، وهو التحول الذي حدث بالفعل على المستوى الوطني في بعض البلدان. كما تشير الاتجاهات السائدة في الولايات المتحدة إلى أن الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، قد تشكل نقطة تحول رئيسية. وإن كان هذا العام سيكون مهمًا بالنسبة لليمين المتطرف، فما زال يتعين ترقب كيف سيؤثر على الحركة اليمينية المتطرفة عمومًا. ورغم وجود المحاذير في كليهما، لكن يبدو أن الوضع في الولايات المتحدة سيكون أكثر استقطابًا وتقلبًا مقارنةً بالاتحاد الأوروبي، مع احتمال وجود درجة أكبر من العنف على نطاق واسع من قِبَل اليمين المتطرف في الولايات المتحدة.