المصدر: ستيمسون سنتر
ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات
الرابط: لقراءة وتحميل الترجمة / اضغط هنا
مقدمة:
عُقد مؤخرًا اجتماع لخبراء إقليميين أمريكيين لمناقشة ثلاثة سيناريوهات متوقعة للشرق الأوسط على مدى الأشهر الـ18 القادمة:
· استمرار القتال بمستوى منخفض في غزة
· كابوس "انفلات الأمور" المتمثل في زيادة الحرب والعنف
· رؤية "إحياء الأمل" بوقف إطلاق النار في غزة وإعادة الإعمار المادي والسياسي
وقد أظهر النقاش تفاوتًا في الآراء بخصوص السيناريو الأول، فيما انطوى السيناريو الثاني على بعض المعقولية، لكن السيناريو الثالث كان يُنظر إليه على أنه غير مرجح بحلول عام 2026. في التفاصيل، خلص النقاش إلى أن الآمال في وقف دائم لإطلاق النار وتقديم المساعدات الإنسانية وإعادة البناء الاقتصادي والسياسي في غزة، تقابلها مخاوف من تزايد الغضب والعداء في المنطقة. وبالتالي، فإن النتيجة الأسوأ المحتملة (السيناريو الثاني) ستكون حربًا شاملة ذات عواقب مدمرة ليس فقط على المنطقة، بل ربما على الاقتصاد العالمي. وعليه، فإن أفضل السيناريوهات التي يمكن تصورها على المدى القصير هو تزايد الإرهاق "الإسرائيلي"، إلى جانب القضاء على معظم قوات "حماس"، ما يؤدي إلى تسوية محدودة مع الجهات الفاعلة الفلسطينية والعربية بدعم من الولايات المتحدة.
فبعد تسعة أشهر من هجوم "حماس" في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، لا يزال الشرق الأوسط في حالة هشة ومتقلبة للغاية، في ظل استمرار الحرب دون حل، إضافةً إلى تزايد التهديدات باندلاع صراع أكثر تدميرًا بين "إسرائيل" و"حزب الله" في لبنان. وما يزيد من تعقيد هذا الوضع، هو عدم اليقين بشأن عدة قضايا سوف تؤثر على المشهد بشكل مباشر وهي: من سيفوز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، الانتخابات المحتملة في "إسرائيل" فضلًا عن الانقسامات السياسية والمجتمعية المتزايدة بها، القيادة الفلسطينية غير المستقرة، والاضطراب الداخلي في إيران. وتعبيرًا عن هذا الوضع،
لا يوجد في الأفق حل سهل
أوجز الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في الـ31 من أيار/ مايو، ما زعم أنه اقتراح "إسرائيلي" لخارطة طريق من ثلاث مراحل؛ تبدأ بوقف إطلاق النار لمدة ستة أسابيع، والإفراج عن عدد من الرهائن (بما فيهم الأمريكيين) مقابل السجناء الفلسطينيين، وانسحاب "إسرائيل من جميع المناطق المأهولة" في غزة. لكن رئيس الوزراء "الإسرائيلي"، بنيامين نتنياهو، أبدى تردده علنًا بشأن هذه الخطة، فيما أثارت "حماس" مخاوف بشأن كيفية ضمان امتثال "إسرائيل" لها. كما إن ورقة "اليوم التالي" حول ما يجب القيام به في غزة، والتي يقال إنها تسربت داخل الحكومة "الإسرائيلية"، توصي بعدم تحديد موعد للمغادرة، وأنه لا ينبغي على "إسرائيل" أن تعد بإقامة دولة فلسطينية، بل عليها أن تحوّل غزة إلى كيان فلسطيني يتمتع بالحكم الذاتي تحت الوصاية "الإسرائيلية"، لكن الوثيقة تعترف بأنه ستكون هناك حاجة لبقاء أفراد غير متطرفين من "حماس" في مناصبهم يديرون عملية تقديم الخدمات.
وقد أجمع الخبراء على أن "نتنياهو" لن يقبل أي خطة تحد من قدرة "إسرائيل" على الاستمرار في ملاحقة "حماس"، فيما أشار أحدهم إلى أن "إسرائيل" ستحاول "إضفاء طابع الضفة الغربية" على غزة، ما سيؤدي إلى تقطيع القطاع إلى أجزاء صغيرة يمكن إيصال المساعدات الإنسانية إليها، دون أن يحصل الفلسطينيون فيه على أي سلطة سياسية.
فمن جهتها، رفضت حكومة "نتنياهو" أي دور لـ"حماس" أو للسلطة الفلسطينية (المرشح المفضل لإدارة بايدن) في الإدارة المستقبلية لغزة. وتحت قيادة "محمود عباس"، الذي يبلغ من العمر 88 عامًا ولم يخض أي انتخابات منذ عام 2005، ظلت السلطة الفلسطينية لفترة طويلة لا تحظى بشعبية في الضفة الغربية؛ حيث تتمتع ظاهريًا بالسيطرة الإدارية. كما تفقد السلطة قدرتها على الاستمرار بشكل متزايد؛ في ظل رفض وزير المالية "الإسرائيلي" اليميني المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، تحويل الضرائب التي تجمعها "إسرائيل" نيابة عن السلطة لدفع رواتب الفلسطينيين (تمت الموافقة على تحويل جزء من أموال المقاصة منذ بضعة أيام مقابل الموافقة على تشريع 4 مستوطنات). ولا يزال العمال الفلسطينيون الذين كان يُسمح لهم بدخول "إسرائيل" ممنوعين من القيام بذلك، فيما يواصل المستوطنون "الإسرائيليون" (مدعومين من الجيش والشرطة) مهاجمة سكان الضفة، والاستيلاء على الأراضي لبناء المستوطنات مستقبلًا.
ورغم كل هذه التحديات، يحاول الفلسطينيون تجديد السلطة؛ فقد اجتمعوا مؤخرًا في رام الله، وفقًا لأحد الخبراء، لمناقشة تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم أفرادًا مقربين من "حماس" وليسوا أعضاء فيها، وقال الخبير: "معسكرات السلام على الجانبين يتم قمعها الآن ولكن هذا يمكن أن يتغير". إلا أن التعاون "الإسرائيلي" مع السلطة الفلسطينية سيتطلب تشكيل حكومة جديدة في القدس. ورغم الانتقادات من قبل يمين الوسط والجيش المنهك، يواصل "نتنياهو" الاعتماد على دعم كتلة الأغلبية المكونة من 65 عضوًا في الكنيست. هذا، إضافةً إلى أن لديه حافزًا شخصيًا آخر للبقاء في السلطة؛ فالانتخابات المحتملة التي قد تطيح به من السلطة ستفضي به إلى السجن بتهم الفساد المعلقة.
وقال عديد من الخبراء إن "نتنياهو"، الذي اشتكى مؤخرًا على الملأ من أن إدارة "بايدن" حجبت بعض شحنات الأسلحة إلى "إسرائيل" بسبب ارتفاع عدد القتلى المدنيين في غزة، يحاول كسب الوقت تحسبًا لاحتمال خسارة "بايدن" في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر القادم. وإذا فاز "ترامب" بالانتخابات، فمن المتوقع أن يكون أكثر دعمًا لـ"إسرائيل" من "بايدن"؛ فقد كتب "روبرت أوبراين"، آخر مستشاري "ترامب" للأمن القومي ووزير الخارجية المحتمل، في مجلة "فورين أفيرز" مؤخرًا إن "الولايات المتحدة يجب أن تستمر في دعم إسرائيل في سعيها للقضاء على حماس في غزة"، وإن "حكم المنطقة على المدى الطويل ليس من اختصاص واشنطن"، مضيفًا: "لا ينبغي لواشنطن الضغط على إسرائيل للعودة إلى المفاوضات حول حل طويل الأمد للصراع الأوسع مع الفلسطينيين"، بل يجب عليها بدلًا من ذلك التركيز على زيادة الضغط على إيران.
في الإطار ذاته، يرى الخبراء أن إيران تستفيد من استمرار حرب غزة، التي عزلت "إسرائيل" دوليًا وزادت الغضب من الولايات المتحدة في الدول العربية والإسلامية وجنوب العالم. كما تعمل طهران على تطوير برنامجها النووي؛ حيث تقوم بتركيب مزيد من أجهزة الطرد المركزي في موقعها تحت الأرض الأكثر حماية. وتواصل طهران كذلك التشاور الوثيق مع "محور المقاومة"؛ الميليشيات العربية التي أثبتت أنها أكثر خصومةً للولايات المتحدة و"إسرائيل" من العديد من الجيوش التقليدية.
ضغط خارجي محدود على "إسرائيل"
ستظل الولايات المتحدة الوسيط الرئيس في الحرب، وإن كانت بعض القوى العالمية الكبرى الأخرى، مثل الصين، نشطة لكن أداءها كان في الغالب شكليًا لأن نفوذها على "إسرائيل " أقل بكثير من نفوذ الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة أيضًا فقدت مصداقيتها وسط تزايد الغضب والاستياء في جميع أنحاء المنطقة، بسبب دعم واشنطن غير المشروط لـ"إسرائيل" وعدم قدرتها على ما يبدو على تحقيق وقف إطلاق النار. كما إن كثيرين في جنوب العالم يرون أن الولايات المتحدة تنتقد روسيا نفاقًا بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في حرب أوكرانيا، بينما انتقدت "إسرائيل" علنًا فقط في الآونة الأخيرة بسبب تدميرها لغزة وما تسببت فيه من أعداد كبيرة من القتلى بين المدنيين.
أما على الصعيد العربي، فإن الدول العربية الغنية التي قامت بتطبيع علاقاتها مع "إسرائيل"، مثل الإمارات، أو تفكر في التطبيع مثل السعودية، تعمل على "تقسيم" حرب غزة، على حد تعبير أحد الخبراء، وتركز على التنمية الاقتصادية وتحاول عزل نفسها قدر المستطاع بعيدًا عن التداعيات. ورغم أن الرياض حافظت على انفراج هش مع إيران، لكنها تسعى لإبرام اتفاقية دفاع مع الولايات المتحدة قد يتجاوز السعوديون شرط إقامة دولة فلسطينية مقابل إحراز تقدم معين فيها.
أما الدول الفقيرة، مثل الأردن ولبنان، فهي أكثر عرضة للتداعيات وتشعر بقلق بالغ؛ حيث يرون أن "الأمور قد انفلتت بالفعل"، بحسب رأي أحد المشاركين. وهم يخشون أن تسعى "إسرائيل" إلى طرد الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن ومن غزة إلى مصر، وأن يطمح "الإسرائيليون" المتطرفون إلى مزيد من الأراضي الفلسطينية. ففي خطاب ألقاه في باريس مؤخرًا، عرض "سموتريش" خريطة تضم الأردن والضفة الغربية كجزء من "إسرائيل الكبرى"، وقال إن الشعب الفلسطيني "اختراع". كما يدعو بعض "الإسرائيليين" إلى إنشاء مستوطنات جديدة في غزة، التي انسحبت منها "إسرائيل" عام 2005 وسيطرت عليها "حماس" عام 2007، حتى إن مجموعة تسمى "استيقظوا في الشمال" تحث "إسرائيل" على الاستيلاء على جنوب لبنان واستعماره.
حالة من الضبابية تسيطر على المنطقة
إن "البجعات الرمادية" (مصطلح يعني: أحداث ذات تأثير كبير لكن لا يُرجح أن تحدث)، مثل وفاة "خامنئي" أو "عباس" والانتخابات المقبلة في الولايات المتحدة أو المحتملة في "إسرائيل" التي قد يخسرها "نتنياهو"، ستؤثر على مستقبل المنطقة على المديين القريب والمتوسط. فإيران، التي انتخبت رئيسًا جديدًا، تواجه ضغوطًا من جانب شعبها الذي ضاق ذرعًا بالمغامرات الخارجية للنظام والقمع الداخلي والعقوبات الاقتصادية الخانقة وسوء الإدارة. وقد يتعزز احتمال تجديد الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة وخفض التصعيد الإقليمي، إذا كانت الإدارة الإيرانية الجديدة تتمتع بشيء من البراغماتية وإذا فاز "بايدن" بولاية ثانية.
أما "إسرائيل" فتشعر أيضًا بضائقة اقتصادية مع انخفاض تصنيفها الائتماني؛ فقد تؤدي حالة الضبابية التي تشهدها إلى كبح الاستثمار الأجنبي، خصوصًا في قطاع التكنولوجيا الرائد عالميًا. كما يسعى عدد متزايد من المهنيين "الإسرائيليين" إلى الهجرة، بينما تشعر عائلات الأسرى بالغضب لأن الحكومة أعطت الأولوية لتدمير "حماس" بالكامل (وهو هدف مستحيل) على حساب إنقاذ أبنائهم. كما يتساءل أفراد الجيش إذا كانت "إسرائيل" قادرة على تحمل حرب على جبهتين، حتى مع بقاء استراتيجية "نتنياهو" في غزة المتمثلة في "النصر الكامل" غير قابلة للتحقيق.
من جانبهم، يشعر الخبراء في ملف الإرهاب بالقلق من أن المواجهة ستعيد إحياء الجماعات الجهادية السنية في جميع أنحاء المنطقة؛ فقد أشار أحد الخبراء إلى أن تنظيم "داعش-خراسان"، الذي نفذ هجمات في روسيا وتركيا وإيران منذ السابع من أكتوبر، يدعم القضية الفلسطينية بقوة. وأضاف الخبير أن الفصائل داخل حركة "طالبان" تضغط على قادتها للانضمام إليها، وأن التطرف يتصاعد في كل من باكستان والهند وبنغلاديش وإندونيسيا وماليزيا؛ فقد تم مؤخرًا القبض على مجموعة من ثمانية طاجيكيين قيل إن لهم صلات مزعومة بتنظيم "داعش-خراسان"، بعد عبورهم إلى الولايات المتحدة عبر حدود المكسيك.
آراء الخبراء ترجيح السيناريوهات المختلفة
لقد خلص الخبراء إلى أن أسوأ نتيجة ممكنة (السيناريو الثاني) ستكون حربًا شاملة ذات عواقب مدمرة، ليس فقط على المنطقة بل ربما على الاقتصاد العالمي، وإن أفضل السيناريوهات التي يمكن تصورها على المدى القصير هو تزايد الإرهاق "الإسرائيلي"، إلى جانب القضاء على معظم عناصر "حماس"، ما قد يؤدي إلى تسوية محدودة مع الجهات الفاعلة الفلسطينية والعربية بدعم من الولايات المتحدة.
لكن بعض الخبراء يشعرون بالقلق من أن تصاعد الصراع العسكري مع "حزب الله"، وإن كان أقل من حرب شاملة، إضافةً إلى اندلاع انتفاضة في الضفة الغربية وموجة جديدة من الإرهاب العالمي، قد يتجاوز هذا السيناريو الأفضل، ويدفع المنطقة إلى أسوأ السيناريوهات؛ حالة الحرب الشاملة. إضافةً إلى ذلك، فإن تحرك "إسرائيل" نحو ضم غزة أو الضفة الغربية، سواءً بحكم الأمر الواقع أو بحكم القانون، قد يعرض معاهدات السلام التي أبرمتها مع مصر والأردن للخطر ويزيد من مخاطر نشوب صراع إقليمي شامل، ربما يجعل الوجود العسكري الأمريكي في العراق وسوريا غير مستدام.
ورغم وجود عدد قليل من البدائل القابلة للتطبيق لحل الدولتين، فمن الصعب تصور تراجع الغضب والخوف لدى كلا الجانبين، وإعادة بناء الحد الأدنى من الثقة في المستقبل المنظور. وبالتالي، فإن أفضل ما يمكن الحصول عليه في الأمدين القريب والمتوسط يتلخص في وقف إطلاق النار في غزة، وتقديم مساعدات إنسانية كبيرة، واتخاذ خطوات أولية نحو إعادة البناء الاقتصادي والسياسي تحت زعامة عربية وفلسطينية مشتركة.
رغم ذلك، فإن هذا التقدم الأولي اعتبره الخبراء مشكلة خلال الإطار الزمني لعام 2026؛ فخطط "اليوم التالي" الطموحة التي طرحها البعض لحل الدولتين والتي تدعمها الدول العربية وإدارة "بايدن"، من المرجح أن تتلاشى وتطغى عليها أمور ملحة مثل الحاجة إلى الحفاظ على وقف إطلاق النار، ومعالجة المحنة الإنسانية لسكان غزة، والحاجة لوقف دائم لإطلاق النار، ومنح فرصة للمجتمع "الإسرائيلي" لكي يتعافى من صدمة السابع من أكتوبر.