بعد مقتل "هنية".. ترجيحات بزيادة شعبية الجناح العسكري لحماس في الضفة الغربية وفشل المصالحة مع "فتح"

الساعة : 15:00
16 أغسطس 2024

المصدر: ستراتفور

ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات

الرابط: لقراءة وتحميل الترجمة / اضغط هنا

سيزيد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، إسماعيل هنية، من تقويض جهود المصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس"، من خلال تعميق الفجوات التي تصعّب الوحدة بين الفصيلين، وهو ما سيفاقم من انقسام الحركة السياسية الفلسطينية بشكل عام، خصوصًا في ظل حالة عدم الاستقرار في كل من غزة والضفة الغربية. ففي الـ31 من تموز/ يوليو الماضي، اغتالت "إسرائيل" "هنية" في طهران، ما أدى لخلق فراغ قيادي مفاجئ في الحركة، فيما جاءت عملية الاغتيال بعد أكثر من أسبوع من إعلان "حماس" و"فتح" عن بدء عملية المصالحة الوطنية، التي من المفترض أن تحاول تمهيد الطريق نحو حكومة موحدة.

وقد كان هذا أول إعلان سياسي مهم نحو الوحدة من قبل الحركتين منذ عام 2017 على الأقل؛ حيث أعربت "حماس" عن اهتمامها بالمشاركة في حكم غزة بعد الحرب، أما "فتح" التي تهيمن على السلطة الفلسطينية، فلديها حافز سياسي للحفاظ على هيمنتها في نظام موحد ولمنع التحديات السياسية. لكن وفاة "هنية" وتعيين "السنوار"، المسؤول المتشدد، خلفًا له قد أضافا حالة من الضبابية إلى عملية المصالحة تلك، كما أن الفراغ القيادي المؤقت لدى "حماس" سوف يغذي القيود القائمة تجاه المصالحة؛ مثل التنافس على الهيمنة السياسية في الأراضي الفلسطينية، والاختلافات الإيديولوجية بين الحركتين، والمقاومة القوية من قبل الولايات المتحدة و"إسرائيل".

وفي غياب خطة ملموسة للمصالحة، ومع انشغال كل من "حماس" و"فتح" في تحديات سياسية داخلية، لا يرجح أن تحقق أيٌّ منهما تقدمًا كبيرًا نحو المصالحة. كما إن انخراط "فتح" في ملف التنسيق الأمني مع "إسرائيل" يجعل من الصعب على "حماس" تعميق علاقتها السياسية معها، خصوصًا بعد اغتيال "هنية". علاوةً على ذلك، فإن زيادة شعبية وتأييد "حماس" بعد هجوم السابع من أكتوبر، خصوصًا بين الفلسطينيين في الضفة الغربية، سيثني على الأغلب "فتح" عن تقديم تنازلات سياسية لـ"حماس" في السلطة أو منظمة التحرير الفلسطينية، خوفًا من خسارة نفوذها في السياسة الفلسطينية الرسمية. هذا، ناهيك عن الاختلافات السياسية والأيديولوجية الكبيرة بين الحركتين، ومن أهمها الاعتراف بدولة "إسرائيل" فضلًا عن الاستعداد والقدرة على التعاون معها ومع المجتمع الدولي الأوسع. فمن جهتها، تقبل "فتح" بحل الدولتين بينما لا تزال "حماس" تطمح في استبدال "إسرائيل" بدولة عربية إسلامية، رغم أن بعض مكونات الحركة تتبنى موقفًا أكثر براجماتية يعطي الأولوية للدولة الفلسطينية داخل الأراضي القائمة.

ومن المرجح أن تضغط كل من "إسرائيل" والولايات المتحدة على "فتح" لمنع المصالحة مع "حماس"، وهو ما قد يؤدي إلى فقدان شريك تفاوضي فلسطيني موثوق، ويعيق التطلعات الغربية لتولي السلطة الفلسطينية دورًا في حكم غزة بعد الحرب. كما إن ضم "حماس" إلى حكومة فلسطينية موحدة من خلال المصالحة سيؤدي على الأرجح إلى تنفير الشركاء الدوليين، الذين يعتبرون "حماس" منظمة إرهابية، بما فيهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. فضلًا عن ذلك، فإذا سمحت "فتح" لـ"حماس" بدور أكثر رسمية في منظمة التحرير أو السلطة الفلسطينية، فإنها ستخاطر بفرض عقوبات موسعة من جانب "إسرائيل" والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الذين تعتمد عليهم السلطة الفلسطينية في الحصول على عائدات الضرائب والأسلحة والتدريب. ومن غير المرجح أن يتم رفع مثل هذه العقوبات ما لم تقدّم "حماس" تنازلات سياسية جادة، مثل قبول حق "إسرائيل" في الوجود ووقف النضال ضدها، لكن من غير المرجح أن توافق "حماس" على أي من هذين الشرطين.

في استطلاع رأي صدر في حزيران/ يونيو أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، لتقييم المشاعر الفلسطينية تجاه الأحزاب السياسية المفضلة، قال 40% من المستطلعة آراؤهم إنهم يفضلون "حماس" بينما قال 20% فقط إنهم يفضلون "فتح"، فيما قال حوالي ثلث العينة إنهم لا يدعمون أي فصيل أو ليس لديهم رأي. أما قبل الحرب فقد كانت "فتح" مفضلة قليلًا على "حماس"؛ حيث فضل 26% من المصوتين "فتح" مقارنةً بـ22% فضلوا "حماس". وهنا تجدر الإشارة إلى أن أحد الاختلافات الرئيسة بين الحركتين هو الاعتراف بـ"إسرائيل"؛ فإن كانت "حماس" قالت سابقًا إنها قد تقبل حل الدولتين، لكنها لم تقل إنها ستعترف بـ"إسرائيل" أو توقف القتال المسلح ضدها، حتى لو كان مشروطًا بحل الدولتين. لكن على العكس من ذلك، فقد اعترفت "فتح"، كجزء من منظمة التحرير الفلسطينية، بدولة "إسرائيل" كجزء من اتفاقيات أوسلو 1993-1995.

بالعودة إلى ملف المصالحة، فإن التغييرات القيادية في "حماس" ربما تزيد من تعقيد تلك العملية؛ فبعد اختيار "السنوار"، أحد العقول المدبرة لهجوم السابع من أكتوبر، خلفًا لـ"هنية" في السادس من آب/ أغسطس الجاري، وبافتراض الدور القيادي السياسي المنوط به، من المتوقع أن يتبنى "السنوار" نهجًا أكثر تشددًا وتعنتًا لن تقبله "فتح" على الأغلب، ما سيجعل المصالحة غير محتملة.

بنظرة أخرى، فإن تغيير قيادة "حماس" قد يعزل الفصائل الأكثر براجماتية في الحركة، والتي تعتبر أكثر استعدادًا للمصالحة مع "فتح" وتشكيل حكومة فلسطينية موحدة. وعلى هذا النحو، قد تتفكك "حماس" تحت قيادة "السنوار" وقد تدعم الفصائل الأكثر اعتدالًا المصالحة الجزئية مع "فتح"، رغم أن الأجنحة السياسية والعسكرية الرسمية للحركة لا يُتوقع أن تدعم مثل هذه الخطوة.

وبنظرة أشمل إلى الوضع الفلسطيني، ففي ظل غياب المصالحة بين "حماس" و"فتح"، وفي مواجهة حملة الاغتيالات "الإسرائيلية" المفتوحة ضد قيادات "حماس"، من المرجح أن يتفاقم عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في الأراضي الفلسطينية، ما سيضعف احتمالات إعادة الإعمار في غزة ويؤجج العنف في جميع أنحاء المنطقة. وحتى لو سعت عناصر أكثر براجماتية في "حماس" إلى مصالحة جزئية مع "فتح" فإن الوضع السياسي الفلسطيني سيظل غير مستقر، خصوصًا مع رد فعل "حماس" والجمهور الفلسطيني على حملة الاغتيالات "الإسرائيلية" المستمرة. كما إن مقتل "هنية" سيؤدي على الأرجح لزيادة تطرف الفلسطينيين، في حين ستزداد شعبية جناح "حماس" العسكري، خاصة في الضفة الغربية، ما سيؤدي لمزيد من عدم الاستقرار والتشدد ويقلل في الوقت ذاته من فرص الجناح العسكري للمصالحة مع "فتح".

إضافةً إلى ذلك، من المرجح أن تحاول "إسرائيل" استهداف "السنوار" بسبب دوره في هجوم السابع من أكتوبر، كما يُرجح أن يواجه أي تعاون بين "فتح" و"حماس"، حتى لو كان غير رسمي أو جزءًا من مصالحة جزئية فقط، رد فعل عنيف من الولايات المتحدة و"إسرائيل"، اللتين ترفضان السماح بحصول "حماس" على دور في حكم غزة. إضافةً لذلك، فإن التعاون بين "فتح" و"حماس" قد يؤدي إلى نفور بعض الدول العربية التي تعارض أيديولوجية الإسلام السياسي لدى "حماس"، مثل الإمارات والسعودية. وهذا بدوره قد يثني هذه الدول الغنية عن تقديم مساعدات لإعادة الإعمار، التي ستكون حاسمة في إعادة بناء غزة التي دمرتها الحرب، خوفًا من أن يمثل هذا الدعم مساعدة لـ"حماس" على إعادة تأسيس نفسها في القطاع ولو بقدرة محدودة.

ميدانيًا، حتى مع تآكل قدرات "حماس" العسكرية في خضم الحرب الجارية، إلا أن الحركة لا تزال تسيطر على مناطق في غزة وتحافظ على قدرات الحكم من خلال فرض ضوابط الأسعار على السلع التجارية، والعمل على صيانة المرافق، والرد على الغارات الجوية، رغم أن التوفير الفعال للخدمات تعطل بشكل كبير بسبب استمرار العمل العسكري "الإسرائيلي" في القطاع. ومع ذلك، فقد أشار كبار المسؤولين في "فتح" إلى دور "حماس" الدائم وتأثيرها في السياسة الفلسطينية؛ إذ قال أحدهم: "حماس جزء من نسيجنا الوطني".

أخيرًا، قد تكون "فتح" أكثر ميلًا إلى الدفع نحو المصالحة إذا استمر دعم "حماس" في الضفة الغربية في النمو، واندلعت انتفاضة هناك شبيهة بانتفاضة القطاع. وإذا تراجع الدعم للسلطة الفلسطينية و"فتح" بشكل ملحوظ، فقد تتحالف الأخيرة بشكل أوثق مع بعض العناصر المسلحة في "حماس" وتدعم مثل هذه الانتفاضة في الضفة الغربية، في محاولة للحفاظ على نفوذها في السياسة الفلسطينية. لكن القيام بذلك سيُنهي التعاون مع "إسرائيل" ويقلل دعم الولايات المتحدة للسلطة الفلسطينية بعد إصلاحها لحكم غزة. ومع ذلك، فإذا أقدم مزيد من الفلسطينيين على دعم "حماس" على حساب "فتح"، فقد تحسب قيادة الأخيرة أن المصالحة مع "حماس" أمر بالغ الأهمية لبقائها، حتى لو كان ذلك يعني تراجع الاعتراف الدولي.