المصدر: فورين أفّيرز
ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات
الرابط: لقراءة وتحميل الترجمة / اضغط هنا
تحالف إقليمي جديد يحمي "إسرائيل"
لقد أكدت الضربات التي شنها الجيش "الإسرائيلي" على لبنان والهجوم الصاروخي الباليستي على "إسرائيل" حقيقة أساسية تم تجاهلها لمدة عام تقريبًا: أن جوهر الأمر هو إيران؛ فقد أثبت تشرين الأول/ أكتوبر 2023 بوضوح مدى خطورة الجمهورية الإسلامية ووكلائها، بينما كشف أيلول/ سبتمبر 2024 عن مدى ضعفهم عندما يتم مواجهتهم بتصميم وتطور تقني. ومن هنا، يجب ألا نضيع الفرصة التي خلقها نجاح "إسرائيل" المذهل الأخير، ولا ينبغي أن ننسى الإدراك الجديد فيما يتعلق بجوهر الدراما الإقليمية الحالية؛ فمع بداية عامها الثاني يجب إعادة تعريف الحرب باعتبارها معركة من أجل الحرية والاستقرار. وبالتالي، يجب على "إسرائيل"، بل على حلفائها أيضًا، الاستفادة من نافذة الوقت المتاحة قبل أن تتمكن إيران من الحصول على سلاح نووي؛ فعليهم إحداث تحول استراتيجي من شأنه أن يؤمن مستقبل "إسرائيل" ويعزز الاستقرار طويل الأمد في الشرق الأوسط.
إن التحدي القادم أعظم بكثير من أن تتعامل معه "إسرائيل" بمفردها، فحالها اليوم كحال المملكة المتحدة في أربعينيات القرن العشرين؛ إذ إنها محاطة بأعداء يهددون حريتها، وبالتالي فهي في أمس الحاجة إلى شيء أشبه بميثاق الأطلسي الحديث لتعزيز تحالفها مع الولايات المتحدة وغيرها من البلدان ذات النهج المماثل. وفي جوهره، ينبغي أن يتضمن هذا الميثاق الجديد القيم الأساسية والمصالح المشتركة للديمقراطية الأمريكية العظيمة والديمقراطية "الإسرائيلية" الحدودية، وينبغي أن تكون أهدافه الاستراتيجية: تحييد التهديد الإيراني، والسلام العربي "الإسرائيلي"، والتوصل لحل خلاق للصراع "الإسرائيلي" الفلسطيني.
وللتركيز على هذه المهام، لا بد أولًا أن تنتهي الجولة الحالية من العنف، بعد أن يتمكن جيش "إسرائيل" من دفع "حزب الله" بعيدًا عن حدودها الشمالية. ولا بد أن تنفذ الحكومة اللبنانية، بدعم دولي، قراري مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (رقم 1559 ورقم 1701)، اللذين يدعوان إلى تفكيك الميليشيات الشيعية ونزع السلاح بشكل كامل جنوب لبنان. وبمجرد أن يتحرر لبنان من قبضة "حزب الله" وتتوقف "إسرائيل" عن الخضوع لميليشياته، سيعود كل اللبنانيين و"الإسرائيليين" إلى ديارهم سالمين. في الوقت نفسه، يتعين على "حماس" أن تحرر كل الرهائن المتبقين، ويتعين على "إسرائيل" أن تسلّم غزة إلى تحالف عربي فلسطيني بقيادة الإمارات، والذي سيعمل على إعادة بناء الشريط الضيق من الأرض ويؤسس هيئة حاكمة منزوعة السلاح غير متطرفة بعد "حماس".
وبعد توقف القتال في لبنان وغزة وعودة كل الرهائن والمدنيين إلى ديارهم، ينبغي على الولايات المتحدة وحلف "الناتو" و"إسرائيل" والحكومات العربية المعتدلة أن تفعل ما فعله الرئيس الأمريكي "روزفلت" ورئيس الوزراء البريطاني "تشرشل" عام 1941؛ البدء في بناء عسكري واستراتيجي ضخم. ويتمثل المحور الرئيسي لهذا البناء في إنشاء منظمة دفاعية في الشرق الأوسط، تعمل على منع التسلح النووي من قبل إيران ووقف توسعها وتسريح وكلائها. وينبغي أن يقوم هذا التحالف الموحد المدعوم من الولايات المتحدة بتحذير المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، بأن أي محاولة إيرانية لاختراق المجال النووي سيتم منعها بأي وسيلة ضرورية. وسيكون هذا التحالف الجديد ضد إيران قادرًا أيضًا على فرض حصار دبلوماسي واقتصادي على النظام الديني، في حين يقدم المساعدات المعنوية والمالية والسياسية لشعب إيران الساعي إلى الحرية.
في الوقت نفسه، سيسعى هذا التحالف ضد إيران إلى تعزيز السلام من خلال دعم التطبيع الرسمي للعلاقات "الإسرائيلية" السعودية، وتجديد عملية السلام "الإسرائيلية" الفلسطينية، والعمل على منع حل الدولة الواحدة الكارثي، إذ لا ينبغي أن نكرر أخطاء الماضي، ولا بد من معالجة المخاوف الأمنية المشروعة لـ"إسرائيل". أما الوضع الراهن فهو خطير للغاية؛ لذلك فالحكم الذاتي الفلسطيني أمر ضروري، كما إن إنفاذ القانون والنظام ومنع العنف المتطرف ضروري كذلك. وينبغي أن يعيش "الإسرائيليون" في أمن كامل، وأن يتمتع الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية بقدر أكبر من الحرية والكرامة والرخاء.
نهاية العصر الذهبي لـ"إسرائيل" والولايات المتحدة
إن ما يحدث اليوم في الشرق الأوسط ليس حدثًا معزولًا ولا مجرد جولة عادية من الأعمال العدائية؛ فما بدأ في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي حدث متعدد الأبعاد، ونطاقه أوسع من أي حدث وقع في القرن الحادي والعشرين. ويمثل هذا الصراع الجديد نهاية العصر الذهبي لـ"إسرائيل" الذي دام خمسة عقود؛ حيث تمتعت بالتفوق الاستراتيجي ضد قوى الطغيان والتعصب التي تحيط بها، كما يمثل نهاية العصر الذهبي اليهودي الذي دام ثمانية عقود؛ حيث نجح الشعور الجماعي بالذنب فيما يتصل بالهولوكوست في كبح جماح معاداة السامية وقمعها.
كما يمثل هذا الصراع أيضًا نهاية العصر الذهبي للولايات المتحدة الذي دام ثمانية عقود من السلام الأمريكي، والذي منح العالم استقرارًا نسبيًا وقدرًا من الرخاء والحرية والهدوء. ومن جوانب كثيرة يعود العالم إلى الوراء؛ حيث يخوض "الإسرائيليون" حربًا لم يخوضوها منذ عام 1948، كما اهتزت الجالية اليهودية في الخارج بفعل موجة الكراهية التي لم يحدث لها مثيل منذ الهولوكوست، ويواجه الأمريكيون تحديًا مماثلًا لذلك الذي واجهه الرئيسان "روزفلت" و"ترومان" في أربعينيات القرن الماضي.
بالنسبة لـ"إسرائيل"، فإن الآثار المترتبة على هذا الوضع التاريخي الجديد جلية للعيان؛ إذ يجب عليها إعادة بناء قدرتها على الصمود الوطني الشامل، ودمج نفسها بشكل كامل في العالم الحر. فلم يعمل ائتلاف "نتنياهو" اليميني على تعزيز الدولة اليهودية بل أضعفها، وبدلًا من الاستثمار في العلوم والتعليم والتماسك الداخلي، أهدر الموارد الوطنية من خلال بناء المستوطنات والانخراط في استفزازات غير ضرورية. كما قلل هذا الائتلاف من شأن مؤسسات الدولة وقسم المجتمع، وأدى كذلك إلى تآكل المؤسسة العسكرية وتآكل الشرعية الدولية للصهيونية.
والآن يجب على "الإسرائيليين" العودة إلى المسار الذي حدده "بن جوريون" عندما كانت "إسرائيل" شابة؛ فيجب عليهم إعادة إرساء التوازن الدقيق بين المجتمع الحر والمجتمع المتحرك. وعليهم أيضًا إعادة تعريف "إسرائيل" كديمقراطية حدودية تحمي قيمها في مواجهة الشر، حتى في خضم استعدادهم للحرب يجب عليهم أن يسعوا دائمًا إلى السلام.
أما الولايات المتحدة فيتعين عليها أن تعترف من جانبها بحقيقة بسيطة: "إنها إيران يا غبي"؛ فلن يتراجع "آيات الله" في طهران ما داموا يعتقدون أن التاريخ، فضلًا عن الصين وروسيا، في صفهم، وسوف تستمر إيران في توسيع نطاق نفوذها وتعريض الحضارة للخطر. وعلى هذا، فلن يستطيع الأمريكيون أن يعيشوا في عزلة مريحة بين المحيطين الأطلسي والهادئ، وينبغي ألا يتجاهلوا التطورات الخطيرة التي تعمل على تحويل العالم بسرعة. فالإطار الذي عمل على استقرار النظام العالمي بعد عام 1945، والإطار الآخر الذي عمل على استقراره بعد عام 1990 يواجهان تهديدًا جديدًا؛ فقد كان الهجوم الأول مع الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، والثاني مع هجوم "حماس" على "إسرائيل" في تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وإذا لم يتبن الغرب بسرعة سياسة واقعية وحازمة، فقد يحدث الهجوم الثالث عندما تنفذ إيران أول اختبار لسلاح نووي، أو عندما تهزم الصواريخ الإيرانية كل الدفاعات وتهطل على تل أبيب أو دبي. ولن يتسنّ لأحد إلا للقيادة الأمريكية الرصينة والشجاعة والملهمة أن تمنع ما لا يمكن تصوره من أن يصبح حقيقة واقعة قريبًا.