"الإسرائيليون" يتدفقون إلى قبرص على وقع اشتعال الحرب في غزة ولبنان

الساعة : 11:01
30 أكتوبر 2024

لقد أثار الارتفاع الحاد في هجرة المستوطنين "الإسرائيليين "إلى قبرص مخاوف كثيرة؛ حيث يسعى العديد منهم لشراء الممتلكات بما فيها المنازل والأراضي، إذ يغادر المستوطنون الأراضي المحتلة بأعداد كبيرة وسط تداعيات حرب "إسرائيل" على غزة ولبنان. فمن جهته، كشف الصحفي "دميتري لاسكاريس" في تقرير نشره مؤخرًا، عن زيادة كبيرة في عدد "الإسرائيليين" الذين يسافرون إلى جزيرة قبرص، "لشراء أي شيء يلوح في الأفق" عقب الحرب الأخيرة في غزة والأزمة المتصاعدة في المنطقة.

وقال "لاسكاريس" في تقريره: "لقد وجدت منتجعات سرية فاخرة تلبي احتياجات الإسرائيليين الأثرياء وتدللهم، بينما ترتكب تل أبيب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني. وقد سافرت مؤخرًا إلى قبرص للتحقيق في التقارير الإعلامية التي تفيد بأن الإسرائيليين يتدفقون إلى الجزيرة لشراء أي شيء يلوح في الأفق".

كما أكد "لاسكاريس" أن العلاقة بين الصهيونية وقبرص تعود إلى ما يقرب من بداية الحركة الصهيونية؛ ففي المؤتمر الصهيوني الثالث عام 1899، قدم "ديفيد تريتش" فكرة مفادها أن الدولة اليهودية التي تصورها "ثيودور هرتزل" يمكن أن تنشأ أولًا في قبرص. وقال تريتش: "لا ينبغي لليهود أن يبحثوا عن ملجأ في الأراضي المواتية للاستيطان الأوروبي، لأنهم سيواجهون المقاومة في كل بلد من هذه البلدان، ولن يتمكنوا من الاستقرار بكفاءة في المناطق الاستوائية، وفي ظل هذه الظروف فإن قبرص هي الموقع الأكثر ملاءمة للاستيطان اليهودي. وفي حين أن الجزيرة ليست جاذبة لاستيطان الأوروبيين، فإن مناخها مناسب لهم، ومن الجدير بالذكر أنها قريبة من إسرائيل وتعمل كبوابة لها".

ورغم إزالة اقتراح إنشاء دولة يهودية في قبرص رسميًا من الأجندة الصهيونية، لكن "هرتزل" لم ينساه، وقال: "سنتجمع في الجزيرة ونسافر يومًا ما إلى أرض إسرائيل ونطالب بها بالقوة، تمامًا كما انتُزِعَت منا". وفي عام 2018، قُدِّر عدد السكان اليهود في قبرص بنحو 6500 نسمة، لكن في نيسان/ أبريل 2024 زاد العدد بشكل كبير، فقد أشارت "قناة كان" العبرية إلى أن الجالية "الإسرائيلية" وحدها وصلت إلى 12 ألف نسمة، في حين يبلغ معدل النمو الشهري الحالي نحو 250 إلى 300 فرد، ما يعني أن أكثر من 3000 "إسرائيلي" ينتقلون سنويًا إلى قبرص.

في هذا الإطار، يحدد التقرير ثلاث موجات مميزة للهجرة "الإسرائيلية" إلى الجزيرة؛ الأولى خلال جائحة "كوفيد-19"، والثانية بسبب الاضطرابات السياسية في "إسرائيل" المتعلقة بما يسمى بالإصلاحات القضائية عام 2023، أما الثالثة فقد حدثت أواخر عام 2023 إلى أوائل عام 2024 عقب حرب الإبادة الجماعية التي شنتها "إسرائيل" على غزة.

تنبع أهمية هذه القضية من عدة عوامل رئيسية؛ أولها السياق الجيوسياسي لقبرص وقربها من الأراضي المحتلة وعضويتها في حلف "الناتو". إضافة لذلك، فإن الاكتشاف الأخير لاحتياطيات الغاز عزز من قيمة المنطقة وأكد على أهميتها على الساحة العالمية. ومن القضايا المهمة الأخرى أن هناك قاعدة عسكرية بريطانية مهمة على الجزيرة، تلعب دورًا حاسمًا في دعم الإبادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل". ووفقًا لتقرير "لاسكاريس"، فإن العديد من الطائرات الحربية والطائرات المخصصة لشن هجمات على الفلسطينيين انطلقت من قاعدة "أكروتيري" الجوية.

ويستخدم المحللون مصطلح "الاحتلال الصامت" لوصف هذه الظاهرة، لأن قوانين البلاد لا تسمح للشركات الأجنبية بشراء أكثر من 500 متر مربع، ومع ذلك فإذا كانت الشركة مملوكة بنسبة 51% على الأقل لمواطنين قبارصة أتراك، فيمكنها تجاوز هذا الحد والاستحواذ على مساحات أكبر من الأرض. وقد سمحت هذه الثغرة للشركات اليهودية بتجميع آلاف الأفدنة؛ حيث تسجل نفسها ككيانات في شمال قبرص، ما يحجب هويتها "الإسرائيلية" ويعقد قدرة الحكومة على تتبع مدى الاستحواذ "الإسرائيلي" على الأراضي القبرصية.

كما إن تكاليف المعيشة المرتفعة في "إسرائيل" وقانون الإصلاح القضائي الذي أقره "نتنياهو" والحرب "الإسرائيلية" على غزة منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تمثّل أسبابًا رئيسية أخرى للهجرة من الأراضي المحتلة. وفي تقرير حديث لصحيفة "معاريف" العبرية، شهدت الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري هجرة 40 ألف مستوطن، وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف معدلات الهجرة قبل العدوان؛ حيث يهاجر نحو 2000 شخص شهريًا مقارنة بالأعوام السابقة.