قراءة استشرافية حول كيفية تعاطي ترامب مع ملفي إيران والحرب الأسرائيلية على غزة

الساعة : 16:00
8 نوفمبر 2024

 فاز الرئيس الأمريكي السابق، دونالد جيه ترامب، بالانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024، وسيعود إلى البيت الأبيض في الـ20 من كانون الثاني/ يناير القادم. وعند توليه السلطة ستجد إدارته الشرق الأوسط في حالة من الاضطراب، وسط استمرار الحروب في غزة ولبنان إضافةً إلى التهديدات من قبل إيران وشبكتها الإقليمية من الوكلاء. ورغم أن المخاوف الاجتماعية والاقتصادية، وليس قضايا السياسة الخارجية، قد سيطرت على حملته الانتخابية، فمن الممكن استقراء كيفية استجابة إدارة "ترامب" الثانية القادمة للوضع المعقد في الشرق الأوسط؛ وذلك من خلال فحص سجل الرئيس المنتخب خلال فترة ولايته الأولى، وما قاله منذ ذلك الحين، إضافةً للتصريحات العامة لزميله في الترشح، السناتور جيه دي فانس.

وهنا يمكن القول إنه من المرجح أن تهيمن قضيتان رئيسيتان على الأجندة الإقليمية للإدارة الأمريكية القادمة: إيران والصراع "الإسرائيلي" الفلسطيني، وهما محور هذا التقييم، إضافةً لقضايا رئيسية أخرى في الشرق الأوسط، منها الحرب ضد "تنظيم الدولة الإسلامية" وسياسة الطاقة ومصر والعلاقات مع دول الخليج. أما بالنسبة لإيران، فيعتقد "ترامب" أن الولايات المتحدة يجب أن تمنع إيران من الحصول على سلاح نووي؛ فقد انتقد تصرفات إيران المزعزعة للاستقرار في جميع أنحاء المنطقة، وبعد الضربة الانتقامية الأخيرة التي وجهتها "إسرائيل" إليها في الـ26 من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أعرب "ترامب" عن دعمه لحق "إسرائيل" في الدفاع عن نفسها ضد التهديدات التي تشكلها إيران.

خمسة مواقف وتصريحات رئيسية:

1.     القول إن هجمات إيران على "إسرائيل" لم تكن لتحدث في عهده: فقد دأب "ترامب" على تقديم رواية متسقة وهي أن العالم اليوم أكثر فوضوية مما كان عليه عندما كان في منصبه، ويستشهد بهجمات إيران على "إسرائيل" كواحد من عدة أمثلة.

2.     إثبات أن إيران تمكنت من الوصول إلى المزيد من المال بسبب سياسات بايدن-هاريس: حيث زعم كل من "ترامب" و"فانس" أن النظام الإيراني لديه مزيد من المال اليوم، مقارنةً بما كان عليه في ظل نهج سياسة "الضغط الأقصى" التي اتبعها "ترامب" على إيران في الفترة 2018-2021.

3.     منع إيران من الحصول على أسلحة نووية: فقد صرح "ترامب" بأن إيران لا ينبغي لها أبدًا الحصول على سلاح نووي، وفي الرابع من تشرين الأول/ أكتوبر علق بأن إجابة "بايدن" على ما إذا كان سيدعم هجومًا "إسرائيليًا" على المنشآت النووية الإيرانية، بأنه كان يجب "ضرب النووي أولًا والقلق بشأن الباقي لاحقًا"، بدلًا من عدم دعم مثل هذه الضربة. كما أكد "ترامب" على أن الأسلحة النووية هي "أكبر خطر لدينا".

4.     قوله إنه يستطيع التوصل لاتفاق مع إيران وحتى إدخالها في "اتفاقات أبراهام": فقد صرح "ترامب" مرارًا بأنه يستطيع التوصل لاتفاق مع إيران في فترة زمنية قصيرة، وقد يدخلها في "اتفاقات أبراهام" مع "إسرائيل"، دون تقديم تفاصيل حول كيفية القيام بذلك. وعندما سُئل إذا كان سيعيد التفاوض على اتفاق مع إيران إذا أعيد انتخابه، قال "ترامب": "بالتأكيد، سأفعل ذلك"، وأضاف أن "علينا أن نبرم صفقة لأن العواقب مستحيلة"، كما أكد أن إيران كانت ستبرم صفقة لأنه أعطاهم "دولة تريد عقد صفقة، وكان عليهم ذلك، لم يكن هناك أموال لحماس، لم يكن هناك أموال لحزب الله".

5.     تسليط الضوء على التهديد الذي تشكله إيران على أمريكا، بما في ذلك محاولات الاغتيال؛ نبهت وكالات الاستخبارات وإنفاذ القانون الأمريكية "ترامب" إلى المؤامرات الإيرانية ضد حياته، وقد استخدم هو هذه المعلومات للحديث عن العواقب المحتملة لإيران في الانتقام الأمريكي. كما تحدث "ترامب" عن محاولتي اغتياله الأخيرتين، مؤكدًا أن "إيران  قد تكون أو لا تكون متورطة فيهما، لكنها على الأرجح قد تكون كذلك"، مع الاعتراف بعدم وجود أدلة تثبت تورطها.

موقف "ترامب" تجاه حرب "إسرائيل" على غزة

دعا "ترامب" إلى إنهاء الحرب في غزة رغم أن رسالته الرئيسية ركزت على التأكد من أن "إسرائيل" تحقق "النصر"، دون تقديم تفاصيل، كما إنه يدعم الجهود الرامية إلى تعزيز التطبيع وصفقات التكامل الإقليمي مثل اتفاقية التطبيع المقترحة بين "إسرائيل" والسعودية.

وفي هذا الإطار، يمكن أن نرصد خمسة مواقف وتصريحات رئيسة:

1.     التعبير عن الدعم القوي لـ"إسرائيل": حيث دأب "ترامب" على وصف نفسه بأنه "أفضل صديق" لـ"إسرائيل"، وخلال خطابه أمام المجلس "الإسرائيلي" الأمريكي في واشنطن في الـ19 من أيلول/ سبتمبر، قال: "سنجعل إسرائيل عظيمة مرة أخرى"، وأكد أنه بأصوات اليهود الأمريكيين سيكون "مدافعًا" و"حاميًا" و"أفضل صديق لليهود الأمريكيين في البيت الأبيض على الإطلاق". كما ذكر "ترامب" أن هذه الانتخابات الأمريكية هي "أهم انتخابات في تاريخ إسرائيل"، وأن "إسرائيل" في "ورطة كبيرة وستُمحى عن وجه الأرض" إذا لم يفز.

2.     دعم حق "إسرائيل" في الدفاع عن النفس؛ فقد تحدث "ترامب" عن إعطاء "إسرائيل" كل ما تحتاجه للدفاع عن نفسها والسماح لها "بإنهاء المهمة". وخلال حدث تذكاري في السابع من أكتوبر في فلوريدا، تعهد "ترامب" بأنه "سيدعم حق "إسرائيل" في الفوز في حربها ضد الإرهاب"، مضيفًا أنها "يجب أن تنتصر بسرعة بغض النظر عما يحدث". وهذا يعكس تعليقات "ترامب" السابقة بأن "إسرائيل" بحاجة إلى إنهاء الحرب ضد "حماس" في غزة؛ ففي حديث له في وقت سابق من هذا العام قال "ترامب"، "عليك أن تنتهي من الأمر، وعليك العودة إلى الوضع الطبيعي. ولست متأكدًا من أنني أحب الطريقة التي يفعلون بها ذلك، لأنك يجب أن تحقق النصر. يجب أن تحقق النصر، وهذا يستغرق وقتًا طويلًا".

3.     قوله إن نهج "بايدن-هاريس" أطال أمد الحرب؛ فقد انتقد كل من "ترامب" و"فانس" بانتظام نهج "بايدن-هاريس" تجاه حرب "إسرائيل" و"حماس" باعتباره ضعيفًا ومتذبذبًا، وفي حديثه بمؤتمر صحفي منتصف آب/ أغسطس انتقد "هاريس" وإدارة "بايدن"، لدعوتهما المتكررة لوقف إطلاق النار. وقال "ترامب": "منذ البداية عملت هاريس على ربط يد إسرائيل خلف ظهرها، وطالبت بوقف إطلاق النار الفوري، دائمًا تطالب بوقف إطلاق النار"، مؤكدًا أن ذلك "لن يمنح حماس سوى الوقت لإعادة تجميع صفوفها وشن هجوم جديد على غرار هجوم السابع من أكتوبر".

4.     دعم الضربة "الإسرائيلية" التي قضت على زعيم "حماس"؛ حيث أعرب كل من "ترامب" و"فانس" عن دعمهما لقتل "إسرائيل" زعيم "حماس"، يحيى السنوار. وعندما سُئل "ترامب" عن رد فعله على وفاة "السنوار" وإذا كان ذلك يجعل السلام أسهل أم أصعب في الشرق الأوسط، أجاب: "انطباعي أنه لم يكن شخصًا جيدًا، وأعتقد أنه يجعل الأمر أسهل". وتابع "ترامب" قائلًا إن "نتنياهو يقوم بعمل جيد، وإن بايدن يحاول كبح جماحه، وربما كان ينبغي أن يفعل العكس"، وأضاف أنه "سعيد لأن "بيبي" قرر أن يفعل ما كان عليه أن يفعله"، مشيرًا إلى أن "الأمر يسير على ما يرام".

5.     الترويج لإنجازه في "اتفاقات أبراهام"؛ إذ يزعم ترامب أن صفقة 2020، التي أدت إلى تطبيع العلاقات بين "إسرائيل" من جهة والإمارات والبحرين والمغرب من جهة أخرى سيتم توسيعها قريبًا.

سيناريوهان محتملان للسياسة الإقليمية الأمريكية

ماذا يعني هذا بالنسبة للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط في الأمد البعيد؟ قد يتكشف لنا سيناريوهان، أحدهما عالق في الماضي، والثاني أكثر استشرافًا للمستقبل؛ فالسيناريو الأول، الذي يبدو أكثر ترجيحًا، هو أن الجمهوريين والديمقراطيين سيستمرون في استخدام مجموعة واسعة من قضايا السياسة العامة، بما في ذلك السياسة الخارجية في الشرق الأوسط، كأداة للفرقة الحزبية والأيديولوجية. وقد كان هذا هو النموذج الذي عملت به الولايات المتحدة على مدى ربع القرن الماضي، وهذه الانقسامات تعوق في كثير من النواحي قدرة أمريكا على إنجاز الأمور؛ وضع الدبلوماسيين والقادة العسكريين في أماكنهم، وتمرير الميزانيات اللازمة لتنفيذ البرامج، وتعزيز استراتيجية الأمن القومي الأكثر تماسكًا في الشرق الأوسط. وقد يؤدي الأداء القوي للحزب الجمهوري في السباقات الانتخابية للكونجرس، بما في ذلك استعادة السيطرة على مجلس الشيوخ، إلى تسريع هذا الاتجاه، لكن من السابق لأوانه أن نحكم على ذلك.

أما السيناريو الثاني، الذي يبدو أقل ترجيحًا في الوقت الحالي، فهو سيناريو يعترف فيه القادة في كلا الحزبين بأن خصوم أمريكا، بما فيهم إيران، سعوا لتأجيج الخلافات الحزبية والأيديولوجية داخل الولايات المتحدة لمنع واشنطن من مواصلة مشاركة أكثر ثباتًا واتساقًا في المنطقة. ومن المؤكد أنه يمكن للمرء أن يشير إلى حالات حديثة في الكونجرس وإدارتي "بايدن" و"ترامب" عندما عبر المشرعون والمسؤولون الديمقراطيون والجمهوريون الممر، وعملوا معًا على جوانب رئيسية من السياسة الخارجية تجاه الصين وروسيا.

وبمجرد فرز جميع الأصوات وعودة المشاعر إلى طبيعتها، ينبغي لقادة الحزبين أن يستخلصوا الدروس من الأمثلة الناجحة المذكورة أعلاه للتعاون الحزبي؛ إذ يمكن للديمقراطيين والجمهوريين اتخاذ خطوات مماثلة لبناء تحالفات عبر الطيف السياسي، تسعى لتعزيز نهج أمريكي أكثر فعالية وأطول أمدًا تجاه الشرق الأوسط.