المصدر: نيويورك تايمز
ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات
لقد ساعد أكراد سوريا الولايات المتحدة على احتواء "تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش)، والآن يخشون من تركيا التي طالما اعتبرتهم عدوًا لها؛ فقد انتهت الحرب الأهلية التي دامت 13 عامًا بين النظام السوري ومقاتلي المعارضة، لكن الخطر لم ينته بعد بالنسبة للأقلية الكردية في سوريا. فلا يزال عدد من الفصائل المسلحة يتنافسون على السيطرة بعد انهيار نظام "الأسد"، ومنها "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، والتي تحالفت مع الولايات المتحدة لمحاربة "داعش" و"الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا والمعادي للقوات الكردية.
وعلى مدار أكثر من عقد من الزمان، كانت القوات الكردية الشريك الأكثر موثوقية لأمريكا في سوريا؛ حيث حرروا المدن التي استولى عليها تنظيم "داعش" واحتجزوا حوالي 9000 من مقاتليه. لكن تركيا اعتبرت المجموعة الكردية عدوًا لها، وتعتقد الحكومة التركية أن المقاتلين الأكراد في سوريا متحالفون مع "حزب العمال الكردستاني" الانفصالي، الذي يقاتل الدولة التركية منذ عقود. ويبدو أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي يدعم الجماعات المتمردة التي أطاحت بنظام "الأسد"، حريص على اغتنام الفرصة التي أتاحها التحوّل السياسي الضخم في سوريا لإكمال أجندته الخاصة ضد المقاتلين الأكراد.
الهيمنة التركية الجديدة خطر على الأكراد
رغم أن شكل الحكومة السورية الجديدة بقيادة "هيئة تحرير الشام" لا يزال قيد التحديد، فإن المسؤولين الأمريكيين ومحللي الشرق الأوسط يتفقون على أن تركيا ستتمتع بنفوذ كبير في سوريا، ما يعني استبعاد وجود موطئ قدم للجماعات الكردية المتمركزة في الشمال الشرقي من سوريا. فمن جهته، يقول الخبير في الشؤون السورية والدبلوماسي الأمريكي السابق، وائل الزيات، إن تركيا "ستتمتع بأكبر قدر من النفوذ فيما يحدث وما سيحدث في سوريا في المستقبل المنظور". ومع سيطرة "هيئة تحرير الشام" وحلفائها على السلطة، "جلبوا معهم موجة من القوة والنفوذ التركي على مستقبل سوريا"، كما يقول المحلل البارز في معهد "نيو لاينز"، نيكولاس هيراس.
وقد ظهرت المخاطر العالية التي تواجه الأكراد والقوى الغربية العازمة على منع التهديد المتجدد من قبل "داعش"؛ ففي الوقت الذي سيطرت فيه "هيئة تحرير الشام" وحلفاؤها على السلطة، هاجمت القوات المدعومة من تركيا "قسد". وقال قائد "قسد"، مظلوم عبدي، لصحيفة "نيويورك تايمز" إنه اضطر إلى تحويل المقاتلين الذين كانوا يحمون السجون التي تضم أعضاءًا من تنظيم "داعش"، لمحاربة المسلحين المدعومين من تركيا. وتوقع "هيراس" أن العرب الذين انضموا إلى "قسد" لمحاربة "داعش" قد ينشقون أو ينضمون إلى مجموعات أخرى، تحت ضغط من تركيا و"هيئة تحرير الشام"، وهذا من شأنه أن يضعف القوات الكردية أكثر.
بموازاة ذلك، قال مسؤولون وخبراء إن السيناريو الأفضل للأكراد أن يتلقو دعمًا كافيًا من الولايات المتحدة، لتأمين الأراضي التي يسيطرون عليها شمال شرق سوريا. وقد يمنحهم هذا نفوذًا لدى الحكومة الجديدة في دمشق لمتابعة إنشاء دولة مستقلة بالكامل، وهو الأمر الذي سعت إليه الأقلية الكردية في سوريا منذ فترة طويلة. وفي أسوأ الأحوال، قد يواجه الأكراد صراعًا ملتهبًا مع المقاتلين المدعومين من تركيا، ويضطرون إلى التنازل عن السيطرة على بعض أراضيهم الغنية بالنفط على الأقل. وإذا قرر الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، سحب القوات الأمريكية، فسيخسرون مساعدة حيوية على الأرض.
الدور الأمريكي سيكون محوريًا
قالت الخبيرة في الشؤون السورية بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، ناتاشا هول، "هناك حاجة حقيقية إلى نوع من وقف إطلاق النار أو اتفاق سلام بين الأتراك والأكراد يمكن للجانبين الاتفاق عليه"، وهو ما تسعى إليه إدارة بايدن جاهدةً وتسابق الزمن لتحقيقه قبل مغادرتها الشهر القادم. فبعد اجتماعات عُقدت في تركيا مؤخرًا، قال وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، إن "التأكد من وجود داعش في صندوق" يظل أولوية ملحة في سوريا، مضيفاً أن المقاتلين الأكراد "يلعبون دورًا حاسمًا في متابعة هذه المهمة". لكن التوازن الدبلوماسي الذي واجهه كان واضحًا؛ فقد تضمنت اجتماعاته في تركيا محادثات مع وزير الخارجية، هاكان فيدان، الذي قال إن "أي امتداد لحزب العمال الكردستاني في سوريا لا يمكن اعتباره شريكًا شرعيًا".
وبشكل واضح استشهد "فيدان" بـ"حزب العمال الكردستاني" عندما وصف الجهود المبذولة لمنع المنظمات الإرهابية، من استغلال الفوضى السياسية في سوريا. ومع ذلك، هناك دلائل تشير إلى أن الدبلوماسية الأمريكية لها تأثير؛ فقد زار القائد الأمريكي، مايكل كوريلا، شمال شرق سوريا حيث يتمركز 900 جندي أمريكي، وبعد ساعات تم الإعلان عن وقف إطلاق النار بين القوات الكردية و"الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا في مدينة منبج، التي اشتبك فيها الجانبان مرارًا وتكررًا.
وقال "عبدي" على منصة "إكس" إن وقف إطلاق النار تم بوساطة أمريكية، وأوضح أنه بموجب الاتفاق ستنسحب القوات الكردية من منبج، وهي مدينة ذات أغلبية عربية استولوا عليها من تنظيم "داعش" عام 2016، لكنها أصبحت منذ ذلك الحين نقطة اشتعال بين الفصائل المتصارعة من أجل السيطرة، لكن "عبدي" وغيره من الأكراد السوريين يشعرون بقلق متزايد من أن انسحابهم من منبج سيكون مجرد البداية.
مدينة كوباني قد تكون نقطة الاشتعال التالية
قال ضابط كبير في "هيئة تحرير الشام" إن القبائل المحلية المتحالفة مع مجموعته انتزعت السيطرة على مدينة دير الزور من المقاتلين الأكراد، الذين سيطروا عليها بعد انهيار قوات "الأسد" قبل أيام فقط. وفي الأيام التي تلت ذلك، خاضت القوات المدعومة من تركيا معارك متكررة مع القوات الكردية في المنطقة المحيطة بنهر الفرات. وقال "هيراس" إنه يعتقد أن هذه المناوشات قد تكون استعدادات عسكرية لغزو كوباني، وهي مدينة ذات أغلبية كردية تقع جنوب الحدود التركية مباشرة، وتتمتع بأهمية عاطفية عميقة للقوات الكردية، التي قاتلت مع القوات الأمريكية لاستعادتها بعد حصار "داعش" لها لمدة أربعة أشهر أواخر عام 2015.
ويبدو أن "عبدي" يستعد الآن لهجوم محتمل من قبل المقاتلين المتحالفين مع تركيا؛ حيث قال "هيراس" إن السكان يفرون من كوباني بالآلاف رغم اتفاق الهدنة الهش الذي تم التوصل إليه، والذي كان يهدف إلى كسب الوقت للمفاوضات. وقال السفير الأمريكي السابق في تركيا، جيمس جيفري، والذي كان مبعوثًا رئيسيًا لسوريا خلال إدارة "ترامب" الأولى، إن أي غزو لكوباني من شأنه أن ينتهك اتفاقًا تم التوصل إليه عام 2019 تفاوضت عليه الولايات المتحدة من أجل تحقيق انفراجة، "وسواء كان ذلك من قبل الأتراك أو القوات السورية المرتبطة بالأتراك فلا فرق".
في الوقت نفسه، سعى "عبدي" إلى تعزيز علاقة المقاتلين الأكراد مع "هيئة تحرير الشام"، قائلًا إنه يسعى لإقامة علاقات مباشرة مع قادة المجموعة. وقال مسؤولون وخبراء إن تركيا قد تنتظر حتى تتحقق مصالحها مع الحكومة السورية الجديدة، قبل أن تقرر إذا كانت ستشن هجومًا عسكريًا شاملا ضد القوات الكردية. وقد تراقب أيضًا إذا كان "ترامب" سيسحب القوات الأمريكية، وكيف ستتعامل إدارته مع "أردوغان"، الذي يشبهه في التفكير والذي كانت علاقته بالولايات المتحدة عاصفة في كثير من الأحيان.
من جانبه، حذر السناتور الجمهوري، ليندسي جراهام، في بيان على وسائل التواصل الاجتماعي من أنه مستعد للدفع بفرض عقوبات اقتصادية على تركيا إذا هاجمت القوات الكردية، والتي قال إن ذلك "سيؤدي إلى هروب داعش من السجن"، مضيفاً: "إذا اتخذت تركيا إجراءً عسكريًا ضد القوات الكردية في سوريا، فإن ذلك من شأنه أن يعرض مصالح أمريكا للخطر بشكل كبير".