المصدر: دراجونفلاي إنتيليجنس
ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات
ملخص:
· من المرجح جدًا أن يظل العمل في ليبيا والسفر إليها صعبًا خلال عام 2025.
· رغم الاستقرار الهش الذي ساد في السنوات الأخيرة، فإن نقاط الضعف البنيوية لا تزال قائمة، ما يعني أن نوبة طويلة من الاشتباكات المحلية أو استئناف القتال المسلح في جميع أنحاء البلاد لا تزال محتملة.
· من المرجح أن تنجم مثل هذه الأزمة الأمنية عن عدم استقرار حكومة طرابلس.
استمرار خطر انهيار الوضع الأمني
لا توجد مؤشرات على أن الشركات العاملة في ليبيا والتي ترغب في الانتقال إليها خلال العام المقبل ستكون قادرة على تخفيف وطأة المخاطر الأمنية، وذلك رغم الهدوء النسبي الذي شهدته الساحة الليبية على مدى السنوات القليلة الماضية، حيث استأنفت شركات أجنبية عديدة عملياتها هناك. ورغم أنه تم احتواء القتال المسلح بين الميليشيات المتنافسة إلى حد كبير، ورغم أن التعاون الضمني بشأن إنتاج النفط بين السلطات المتعارضة شرق وغرب البلاد مستمر، لكن لا تزال نقاط الضعف البنيوية قائمة، ما يعني احتمال استئناف جولة طويلة من القتال المسلح في جميع أنحاء البلاد على مدى السنوات القادمة.
ومن المرجح جدًا أن تُسفر أي أزمة سياسية أو أمنية، خصوصًا في عام 2025، عن عدم استقرار "حكومة الوحدة الوطنية" في طرابلس بقيادة "عبد الحميد الدبيبة"، والتي تبدو ضعيفة في ظل وجود معارضة عامة وانتشار الميليشيات المحلية، إضافة إلى أن قائد قوات الشرق الجنرال المتقاعد، خليفة حفتر، يميل إلى استغلال عدم الاستقرار في تلك الحكومة لتحديها.
العلاقات بين الشرق والغرب على حافة الهاوية
منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، استأنفت العديد من شركات الطاقة الدولية التنقيب عن النفط البري بعد انقطاع دام عشر سنوات على الأقل، في ظل استمرار الوضع الهش بين السلطات المتنافسة شرق وغرب البلاد. فقد واصل كل من "حفتر" و"الدبيبة" في السنوات القليلة الماضية إظهار استعدادهما لحل الخلافات سياسيًا وليس عسكريًا، وكان أحدث دليل على ذلك استئناف إنتاج النفط بعد أن أدى نزاع البنك المركزي إلى خفض الإنتاج إلى النصف هذا الخريف؛ حيث يستمر الإنتاج في تحفيز الجانبين، بما في ذلك الميليشيات المتحالفة، للحفاظ على الاستقرار.
ولا يزال العداء بين الشرق والغرب عميق الجذور؛ حيث يزعم كل جانب أنه القوة الحاكمة الشرعية في البلاد. وتشير هذه التوترات إلى احتمال عودة الصراع المسلح بين الجانبين خلال العام القادم؛ إذ يواصل كلا الجانبين الانخراط في سياسة حافة الهاوية، في محاولة لانتزاع النفوذ من الآخر، بدلًا من العمل على وحدة الصف الليبي. وبالتالي، من شبه المؤكد أن تنشأ نزاعات حول قضايا أخرى مثل التعيينات العليا للمؤسسات الحكومية وتخصيص الميزانية؛ وفي ظل غياب أي طرق رسمية لحل هذه النزاعات، من المحتمل أن يلجأ أحد الجانبين إلى العنف في نهاية المطاف.
تزايد المشاعر المناهضة للحكومة في الغرب
نظرًا لكل ما سبق، من المحتمل أن تسير الأمور نحو انهيار "حكومة الوحدة الوطنية" خلال السنوات القادمة؛ وذلك لسببين رئيسيين:
· أولًا: يبدو أن المشاعر المناهضة للحكومة آخذة في النمو، واستنادًا إلى بيانات "موقع وأحداث الصراع المسلح" (ACLED)، فقد تضاعفت الاحتجاجات غرب ليبيا هذا العام لتصل إلى 132 احتجاجاً مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي والتي بلغت 65 احتجاج. وكانت هذه الاحتجاجات في الغالب بسبب ظروف المعيشة وانعدام الأمن والفساد، وفي بعض الأحيان كانت تدعو إلى حكومة موحدة. وبدلًا من معالجة أسباب الاحتجاج، كان رد حكومة "الدبيبة" غالبًا بالقوة، وهو ما يوفر فرصة للميليشيات للانحياز إلى المحتجين.
· ثانيًا: يبدو أن نفوذ "حكومة الوحدة الوطنية" على الميليشيات آخذ بالتضاؤل؛ فقد كافحت هذه الحكومة لسنوات للحفاظ على الأمن، وفي ظل ضعفها قد تستمر الاشتباكات لفترة طويلة. وقد تكررت هذه الاشتباكات بالفعل للسيطرة على مراكز التجارة والتهريب؛ حيث اشتبكت الجماعات المتنافسة مع بعضها خلال عام 2024 (129) مرة، أي ما يقرب من ضعف العدد خلال عامي 2022 (70) و2023 (67)، بناءً على بيانات "ACLED". وقد وقعت معظم هذه المناوشات في الزاوية وطرابلس شمال غرب ليبيا، فيما وصل عدد الجهات الفاعلة النشطة في الصراع في تموز/ يوليو الماضي إلى 65، وهو أعلى مستوى تصل إليه أعداد الجماعات المسلحة منذ كانون الأول/ ديسمبر 2019، وقت الحرب الأهلية.
طرابلس هي خط الصدع الرئيسي للاستقرار
إن انهيار "حكومة الوحدة الوطنية" يحمل احتمالات عالية جدًا لاندلاع قتال مسلح مستمر وواسع النطاق في جميع أنحاء البلاد، وقد يتسبب في تعطيل كبير لإنتاج النفط. وفي الغرب، يُعد القتال المسلح واسع النطاق نذيرًا ونتيجة محتملة لأي إرهاصات لانهيار "حكومة الوحدة الوطنية"، وذلك لأن العديد من المجموعات المتحالفة مع الحكومة تفعل ذلك من باب الراحة والوصول إلى موارد الدولة. ومن هنا فإن انهيار الحكومة سيكون فرصة للميليشيات القوية المتمركزة في الغرب لتوسيع نفوذها على موارد الدولة، كما سيكون هناك خطر كبير من تعثر السلام الهش بين الشرق والغرب، وذلك على الشكل التالي:
أولًا: انتقدت العديد من الميليشيات المتمركزة في الغرب "حكومة الوحدة الوطنية" علنًا بسبب تعاملاتها مع "حفتر"، كما تتهم العديد من المجموعات في طرابلس "الجيش الوطني الليبي" بارتكاب جرائم حرب خلال الحرب الأهلية. ومن شأن انهيار الحكومة أن يمكّن المجموعات المتمركزة في الغرب من تعطيل إنتاج النفط ونقل العائدات إلى الشرق.
ثانيًا: من المحتمل جدًا أن يحفز أي ضعف ملموس في الغرب "حفتر" على التعدي على استقرار طرابلس، سواء من خلال فرض حصار على النفط في الشرق، أو عسكريًا كما قاد هجومه الفاشل ضد طرابلس عام 2020.
ويمكن تحديد المحفزات والمؤشرات والتأثيرات لجولة طويلة من الاشتباكات المسلحة غرب ليبيا كما يلي:
المحفزات:
· "حكومة الوحدة الوطنية" تستبعد مجموعة بارزة من الوصول إلى الموارد التي كانت محتجزة سابقًا من خلال إعادة تعيين المناصب الهامة.
· قوات الأمن التابعة للحكومة تقتل العشرات من المتظاهرين خلال الاحتجاجات المناهضة لها على نطاق واسع، ما دفع الميليشيات إلى التدخل.
· إغلاق قطاع النفط لمدة أشهر نتيجة للنزاع بين السلطات في الشرق والغرب يدفع الميليشيات في الغرب لمواجهة قوات الحكومة.
· أدى حدث مناخي شديد لمقتل عشرات الأشخاص أو أكثر وسبّب أضرارًا جسيمة بسبب فشل الإدارة، ما دفع إلى احتجاجات واسعة النطاق يدعمها قادة الميليشيات.
المؤشرات:
· تنتشر حوادث العنف السياسي جغرافيًا، أو تشتد في المناطق التي كان فيها العنف أقل سابقًا، مثل غريان ومصراتة، وتصبح أكثر تواترًا.
· تشكل الجماعات المسلحة المتمركزة في الغرب تحالفات جديدة تعارض "حكومة الوحدة الوطنية".
· تكرار المظاهرات السياسية الكبيرة بشكل أكثر انتشارًا وعنفًا.
· وقف البنك المركزي المدفوعات لأحد أو كلا البنكين في الشرق والغرب والسلطات المتمركزة في الغرب.
· وقوف أحد داعمي "الدبيبة" الأجانب (تركيا بشكل أساس، وقطر وإيطاليا)، إلى جانب زعيم جماعة مسلحة بارز، مثلًا من خلال عقد ترتيبات تجارية أو أمنية معه مباشرة، وتجاوز "حكومة الوحدة الوطنية".
· زيادة "حكومة الوحدة الوطنية" من واردات الأسلحة من تركيا بشكل كبير، مثل الطائرات بدون طيار.
التأثيرات:
· ستدور المعارك في الغالب بالقرب من الساحل، مع هجمات ومواجهات متفرقة في جميع أنحاء غرب ليبيا، خصوصًا بالقرب من البنية التحتية للنفط.
· سيتدهور مستوى السلامة والأمن بشكل عام، وسيصبح السفر البري داخل المدن وفيما بينها صعبًا بسبب حواجز الطرق.
· ستدعو الحكومات الأجنبية إلى خروج مواطنيها والقيام بعمليات إجلاء لهم.
· من المؤكد أن تسعى الجماعات المسلحة لمنع تصدير النفط إذا ظل أي إنتاج ممكنًا.
· من المحتمل أن تسعى قوات "الجيش الوطني الليبي" المتمركزة في الشرق إلى زيادة نفوذها في الغرب، ما سينذر بوقوع اشتباكات مسلحة بين القوات التابعة للشرق والغرب في جميع أنحاء البلاد.
والخلاصة أنه رغم عدم وجود مؤشرات على أن مثل هذا السيناريو وشيك الحدوث، لكن مواقف وولاءات ميليشيات غرب ليبيا تتغير بسرعة في كثير من الأحيان، لذلك فقد تحدث أزمة هناك دون أن يلحظها أحد. والمؤشر الأكثر وضوحاً على تدهور الوضع هو الاشتباكات المسلحة في طرابلس التي استمرت لأكثر من أسبوع، بعد أن كانت "حكومة الوحدة الوطنية" تحتوي هذه الاشتباكات بفعالية في السنوات القليلة الماضية، وتقصرها على بضعة أيام على الأكثر.