صراعات ستحدد شكل العالم في المرحلة القادمة - الجزء الرابع

الساعة : 15:22
23 يناير 2025

المصدر: كرايسيز جروب

ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات

نشر موقع "كرايسيز جروب" استشرافًا لمستقبل عشرة صراعات في العالم استقبلها عام 2025، ستحدد تفاعلاتها وتداعياتها شكل العالم في المرحلة القادمة. وذكّر الموقع بصعوبة التنبؤ بمستقبل ومآلات تلك الصراعات نظرًا لتداخلها وتعقيدها، مشيرًا إلى أن عودة "ترامب" إلى البيت الأبيض ستزيد من تلك الصعوبة. وضمن الصراعات التي تناولها الموقع تتعلق ستٌّ منها بقضايا الشرق الأوسط، اختار مركز "صدارة للمعلومات والاستشارات" أن ينشرها على شكل أجزاء، وها هو الجزء الرابع الذي يتناول الوضع في السودان في ظل الحرب الدائرة بين الجيش السوداني بقيادة "البرهان" وقوات الدعم السريع بقيادة "حميدتي".

التداعيات الداخلية للحرب

تعتبر حرب السودان، بسبب الأعداد الهائلة من النازحين والجوعى، الأكثر تدميرًا في العالم؛ فقد فرّ نحو 12 مليون سوداني من ديارهم، وهو عدد يمثل أكثر من ثلث السكان قبل الحرب، بينما يواجه أكثر من نصفهم نقصًا حادًا في الغذاء؛ حيث تعاني أجزاء من منطقة دارفور من المجاعة. ويصف مسؤولو الأمم المتحدة معدلات العنف الجنسي ضد النساء والفتيات بأنها "مذهلة"، فيما يبدو أن البلاد تتجه بشكل متزايد نحو الانقسام العنيف.

فقد اندلعت المعارك في مساحات واسعة من البلاد، بين "قوات الدعم السريع" شبه العسكرية بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، وبين الجيش السوداني بقيادة "عبد الفتاح البرهان" ومجموعة من الميليشيات المتحالفة والجماعات المسلحة في دارفور. فبعد الإطاحة برجل السودان القوي، عمر البشير، عام 2019، تقاسم "البرهان" و"حميدتي" السلطة أولًا مع السياسيين المدنيين ثم طردوهم قبل أن ينقلبوا على بعضهم البعض.

بدوره، يعتمد الجيش السوداني، الذي يفتقر إلى الكثير من المشاة، على القوة الجوية بما في ذلك الطائرات المسيّرة المستوردة من الخارج، والقصف العشوائي للمناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع. وقد لجأ إلى الميليشيات، خصوصًا تلك التي حشدها الإسلاميون المؤثرون في عهد "البشير"، بينما ساعد متمردو دارفور السابقون في صد هجمات قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور. من جهتها، تكافح قوات الدعم السريع للاحتفاظ بالأراضي خارج معاقلها الغربية، لكنها تُبدي قوة أكبر في القتال عندما تشارك في هجمات تناسب أسلوبها القتالي السريع والمتحرك، وغالبًا ما ترتكب قواتها مذابح أثناء تقدمها.

التداعيات الخارجية والتنافس الإقليمي

على الصعيد الخارجي، تثير تداعيات الحرب مخاطر كبيرة لجيران السودان؛ فقد تراجعت عائدات نفط جنوب السودان التي تدعم ميزانيته وتعزز السلام غير المستقر مع الخرطوم، منذ إغلاق خط الأنابيب الرئيسي الذي يمر عبر السودان. وفي شرق تشاد، سبب ما يقرب من مليون لاجئ سوداني إزعاجًا للوضع السياسي الطائفي؛ حيث أدى سماح الرئيس التشادي، محمد ديبي، بتدفق الأسلحة الإماراتية عبر بلاده إلى قوات "حميدتي"، مقابل الاستثمار الإماراتي في تشاد على ما يبدو، إلى تأجيج الغضب داخل عشيرة الزغاوة القوية التي ينتمي إليها "ديبي".

كما ساعد التدخل الخارجي في السودان على تقسيم منطقة القرن الأفريقي إلى معسكرات متنافسة؛ حيث يعكس الدعم الإماراتي لقوات الدعم السريع، الذي تنفيه أبو ظبي رغم توثيقه من قبل الأمم المتحدة وغيرها، سعيها إلى تعزيز نفوذها وتحقيق مكاسب في حوض البحر الأحمر. من جانبها، سعت إثيوبيا، التي تربطها علاقات وثيقة بالإمارات، إلى البقاء على الحياد، خوفًا من أن يساعد الجيش السوداني المعارضة المسلحة على أراضيها، لكنها قد تنجرف إلى الصراع في أي وقت. بدوره، يعتمد الجيش السوداني على الدعم من مصر التي ترى أنه، رغم صلاته بالإسلاميين، رهان أفضل من قوات الدعم السريع التي يصعب السيطرة عليها. أما إريتريا، التي تشك في الإمارات وتحرص على وجود منطقة عازلة على حدودها الغربية، فتقوم بتدريب مجموعات متحالفة مع الجيش السوداني. وبحسب الأنباء، فقد زودت إيران الجيش السوداني بأسلحة تتضمن طائرات بدون طيار متقدمة، بينما استضافت السعودية، التي تربطها علاقات بطرفي الصراع، محادثات في جدة دون تحقيق أي نجاح يذكر. وبعد أكثر من عام من الحرب، قامت الولايات المتحدة أخيرًا بتعيين مبعوث للسودان، وهي خطوة مرحب بها.

من جانبه، يبدو "حميدتي" راغبًا في التحدث لكنه يريد جيشًا جديدًا، ودورًا قياديًا فيه للموالين له، وهو الأمر الذي يلقى معارضة شديدة من قبل القادة العسكريين والإسلاميين ومتمردي دارفور السابقين، بينما لا يستطيع السياسيون المدنيون المتعصبون أن يتحدوا على شروط وقف إطلاق النار. ومن المثير للقلق أن بعض السودانيين، خصوصًا أتباع نظام "البشير"، يتحدثون عن التقسيم بحجة عدم إمكانية التعايش في ظل انتهاكات قوات الدعم السريع، ما يعني أن يظل الجيش مسيطرًا على الشمال والشرق، بما في ذلك الخرطوم، بينما تسيطر قوات الدعم السريع على الغرب ومجموعة من المناطق الأخرى.

على كل الأطراف أن تسعى لإنهاء الحرب

إن إنهاء الحرب يجب أن يمثل أولوية لكل الأطراف؛ فبنظرة مثالية قد تستطيع كل من أبو ظبي والقاهرة، نظرًا لنفوذهما على الطرفين، أن تعيدا إنطلاق المحادثات التي عقدتاها في البحرين في كانون الثاني/ يناير 2024، وهي المحاولة الأكثر جدية حتى الآن لجمع الجانبين، ويتعين عليهما وضع رؤية لتقاسم السلطة حتى لو كانت انتقالية فقط. فالعديد من السودانيين يرفضون فكرة أن يلعب "البرهان" و"حميدتي"، اللذان دفعا السودان إلى الهاوية، أي دور في مستقبله، ولن يستطيع أي منهما أن يوقف حربًا مدمرة في غياب تسوية يمكنهم التعايش معها. أما بالنسبة للولايات المتحدة، فإن الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، لا يُظهر اهتمامًا كبيرًا بالسودان وقد يخضع لقوى الخليج، وهو ما يعتبر خطأً كبيرًا. فواشنطن هي الطرف الأفضل الذي يمكنه دفع اللاعبين الرئيسيين، لا سيما مصر والإمارات، إلى التوصل لاتفاق، بدلًا من ترك الأمور تنحدر إلى مرحلة تفكك السودان، والذي سيتسبب في زعزعة استقرار القرن الأفريقي والبحر الأحمر وأبعد من ذلك لعقود قادمة.