صراعات ستحدد شكل العالم في المرحلة القادمة - الجزء السادس

الساعة : 14:46
28 يناير 2025

المصدر: كرايسيز جروب

ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات

نشر موقع "كرايسيز جروب" استشرافًا لمستقبل عشرة صراعات في العالم استقبلها عام 2025، ستحدد تفاعلاتها وتداعياتها شكل العالم في المرحلة القادمة. وذكّر الموقع بصعوبة التنبؤ بمستقبل ومآلات تلك الصراعات نظرًا لتداخلها وتعقيدها، مشيرًا إلى أن عودة "ترامب" إلى البيت الأبيض ستزيد من تلك الصعوبة. وضمن الصراعات التي تناولها الموقع هناك ستٌّ منها تتعلق بقضايا الشرق الأوسط، اختار مركز "صدارة للمعلومات والاستشارات" أن ينشرها على شكل أجزاء، وها هو الجزء السادس (والأخير) الذي يتعلق بالصراع بين الولايات المتحدة والصين حول أهم ملفات التنافس بينهما.

توازن في العلاقات بعد حقبة من التوتر:

بعد فترة من التوتر، أصبحت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين أكثر توازنًا، منذ قمة تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 بين الرئيس الصيني، شي جين بينج، والرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، جو بايدن. فقد أعادت الدولتان فتح قنوات عسكرية، وهو أمر حيوي لإدارة مخاطر الاصطدامات غير المقصودة بين السفن الحربية الصينية والأمريكية في المحيط الهادئ أو الطائرات في الجو، ويقال إن الصين اتخذت خطوات مبدئية لوقف تدفق المواد الكيميائية التي تدخل في تركيب الفنتانيل إلى الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن الرئيس الجديد، دونالد ترامب، يتولى منصبه مع تنافس أشد مما كان عليه قبل ثمان سنوات، كما إنه من الصعب توقع طبيعة سياسة "ترامب" في آسيا، كما هو الحال مع نهجه في الساحات الأخرى.

يعتقد بعض المرشحين لشغل المناصب الوزارية في إدارة "ترامب" أن الولايات المتحدة منخرطة في صراع عالمي مع الصين ويجب أن تنتصر فيه، بينما يعتقد آخرون في دائرته أن واشنطن يجب أن تقتصر على ردع بكين في آسيا؛ فعلى سبيل المثال يريد رجل الأعمال، إيلون ماسك، الذي يعمل في الصين، علاقات أكثر ودية. أما "ترامب" نفسه فقد أرسل إشارات متضاربة؛ مواجهة بشأن التجارة، وفتور بشأن دفاع تايوان، وغضب بشأن التزامات الولايات المتحدة تجاه الحلفاء الآسيويين، وإعجاب بسلطة "شي". ويبدو أن وعد حملة "ترامب" بفرض رسوم جمركية لا تقل عن 60% على السلع الصينية، وهي زيادة حادة في رسوم ولايته الأولى حافظ عليها "بايدن" في الغالب، من المرجح أن يكون بمثابة ضربة افتتاحية للمحادثات وليس مقدمة لحرب تجارية. فقد تعمل الرسوم الجمركية على تقويض النمو المتباطئ للصين، لكن بكين قد ترد، كما بدأت بالفعل، بحظر صادرات المعادن المهمة، على سبيل المثال، أو إطلاق تحقيقات مكافحة الاحتكار ضد شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة.

صراع تقليدي حول ملف تايوان:

أما بالنسبة لتايوان، فلم يتضح حتى الآن مدى الخطر الذي يشكله "ترامب" على السلام الدقيق حول هذا الملف؛ فعلى مدى عقود من الزمان كانت الولايات المتحدة تهدف لردع الصين عن غزو تايوان، من خلال تعزيز دفاعات الجزيرة دون تقديم ضمانات أمنية صريحة، في حين تعمل في الوقت نفسه على تثبيط عزيمة تايبيه عن إعلان الاستقلال أو استفزاز بكين بأي شكل آخر. لكن الرئيس التايواني الجديد، لاي تشينج تي، كان أكثر عدائية من أسلافه، وقد كثفت الصين من عمليات التوغل في المجال الجوي التايواني والتدريبات العدوانية حول الجزيرة، بما في ذلك مناورة جرت مؤخرًا في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وهي أكبر عملية بحرية منذ عقود وفقًا لتايوان؛ حيث شملت ما يقرب من 90 سفينة بحرية وخفر سواحل.

وبعد توليه منصبه، قد يعرب "ترامب" مجددًا عن تشككه في إمكانية الدفاع عن تايوان، أو يحاول إقناع الجزيرة، التي يتهمها كثيرًا بالاستفادة من سخاء الولايات المتحدة، بدفع مزيد من المال للدفاع عنها، أو قد يأذن أيضًا بمبيعات أسرع للأسلحة الهجومية إلى تايوان ومزيد من العمليات البحرية الأمريكية في مضيق تايوان. بالمقابل، فإن أيًّا من المسارين قد يدفع بكين إلى الرد، ورغم أن "شي" ربط شرعيته باستعادة حكم البر الرئيسي لما يعتبره القادة الصينيون مقاطعة مارقة، فإن خرق دفاعات تايوان سيكون صعبًا، كما تشير الاضطرابات داخل أعلى مستويات الجيش الصيني إلى أنه لا يثق في احترافيته. ومع ذلك، إذا شعرت بكين بأن عزيمة الولايات المتحدة تضعف، فقد تضغط على تايوان بقوة أكبر، وإذا زاد الدعم الأمريكي فقد تهاجم بإحباط.

صراع آخر حول بحر الصين الجنوبي:

والأمر الأكثر خطورة هو بحر الصين الجنوبي؛ حيث تتداخل مطالبات الصين البحرية مع مطالبات دول أخرى، كما أكد حكم محكمة خاصة عام 2016 بشأن الفلبين رغم رفض بكين للحكم. من جهة أخرى، وحول الصخور والشعاب المرجانية المتنازع عليها قبالة الفلبين، الحليف المعاهد للولايات المتحدة، فقد تصاعد الاحتكاك إلى اشتباكات في البحر. كما سعى الرئيس "فرديناند ماركوس" إلى علاقات أوثق مع الولايات المتحدة، ومنحها حق الوصول إلى مزيد من القواعد العسكرية الفلبينية، التي يقع بعضها بالقرب من تايوان، وإجراء تدريبات مشتركة، والتعاون بشكل أوثق مع حلفاء الولايات المتحدة الآخرين. بدوره، يتهم "شي" "مانيلا" (عاصمة الفلبين) بإثارة الحوادث للحصول على معدات عسكرية واستثمارات أمريكية إضافية، كما يتهم واشنطن باستغلال الاحتكاك لجذب الحكومات الآسيوية إلى شبكة معادية للصين.

إن الصدام الذي يؤدي لمقتل فلبيني قد يدفع "ماركوس" إلى استدعاء ميثاق دفاع بلاده مع واشنطن، وحتى لو كان "ترامب" مترددًا في الرد بقوة، فإنه سيواجه ضغوطًا من مسؤولي وزارة الدفاع للقيام بذلك. وستكون الحيلة هي تجنب دوامة التصعيد دون الإشارة إلى السلبية التي قد تشجع بكين، خصوصًا إذا رأى القادة الصينيون علامات أخرى على ضعف العلاقات الأمريكية مع الحلفاء. وقد زاد حلفاء الولايات المتحدة الآخرون، بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية، من إنفاقهم الدفاعي بالفعل، خوفًا من السلوك الصيني وعدم الاتساق الأمريكي.

في هذا الإطار، تعتقد دوائر انتخابية كبيرة في طوكيو وسول أن بلديهما يجب أن يحصلا على رادع نووي خاص بهما. كما إن التكهنات حول صفقة "ترامب" و"شي" الكبرى لا تهدّئ الأعصاب، حتى لو بدت مثل هذه الصفقة بعيدة المنال. وفي خضم التنافس المتزايد بين القوتين العظميين في العالم، فإن نظرة "ترامب" القاتمة للتحالفات تهز آسيا بنفس القدر تقريبًا الذي تهز به أوروبا.