المصدر: جيويش نيوز سينديكيت
ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات
أصبحت العلاقة بين أذربيجان و"إسرائيل" رمزًا للتعاون بين دولتين لا تجمعهما حدود مشتركة أو خلفية عرقية أو دينية، لكنهما تعملان معًا من خلال الاحترام المتبادل والصداقة. وكان هذا التحالف مفيدًا للغاية لكلا الطرفين؛ فهو تحالف فريد من نوعه ولا ينبغي الاستهانة به. وكانت البداية قبل حوالي 30 عامًا باجتماع في نيويورك بين رئيس الوزراء "الإسرائيلي" آنذاك، إسحاق رابين، ورئيس أذربيجان آنذاك، حيدر علييف. وخلال هذا الاجتماع، تحدث الزعيمان على انفراد دون وسطاء أو مستشارين، وناقشا ما تحتاجه كل دولة من الأخرى؛ حيث كانت "إسرائيل" بحاجة إلى مصدر مستقر وموثوق للنفط، بينما كانت أذربيجان تتوق إلى الحصول على أنظمة الدفاع العسكرية "الإسرائيلية".
ومنذ ذلك اليوم، أصبح تحالف "إسرائيل" مع أذربيجان أحد أكثر تحالفاتها استقرارًا وموثوقية؛ إذ يعلم الجميع أن "إسرائيل" أقرب حليف للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وأن الولايات المتحدة هي أقرب صديق لـ"إسرائيل" في العالم، لكن كثيرين لا يعلمون أن أذربيجان هي ثاني أقرب صديق لـ"إسرائيل"، على الأقل وفقًا لمدير الأبحاث في "مؤسسة الحقيقة في الشرق الأوسط"، جوزيف إبستاين.
كما إن الفارق الرئيسي بين أذربيجان وحلفاء "إسرائيل" الآخرين، خصوصًا الحلفاء الغربيين، هو كيف تنظر أذربيجان إلى الصراع "الإسرائيلي" الفلسطيني؛ فجميع الدول الغربية تقريبًا تسمح لهذا الصراع بالتأثير على علاقتها مع "إسرائيل"، حتى في الحالات التي ترد فيها "إسرائيل" على أعمال "إرهابية" يرتكبها فلسطينيون. ففي العام الماضي فقط، رأينا كلًا من بريطانيا وفرنسا وحتى الولايات المتحدة يمارسون ضغوطًا على "إسرائيل" بسبب حرب غزة، لكن أذربيجان لم تسمح قط لهذا الصراع بالتأثير على علاقتها مع "إسرائيل". والدليل على ذلك هو أنه منذ السابع من أكتوبر، زادت أذربيجان صادراتها من الطاقة إلى "إسرائيل" (حتى قبل الحرب، أظهرت الإحصائيات أن أذربيجان تبيع 50% من إنتاجها النفطي لإسرائيل). بالحديث عن النفط الأذري، فمنذ أوائل تسعينيات القرن العشرين أصبح النفط الذي تزوّد به أذربيجان "إسرائيل" عنصرًا رئيسيًا في أمن الطاقة لدى الأخيرة.
وليست "إسرائيل" المستفيد الوحيد من هذه الشراكة؛ فأذربيجان أيضًا عميل دائم للمنتجات "الإسرائيلية"؛ فبحلول أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أصبحت أذربيجان أكبر مستورد للأسلحة "الإسرائيلية"، وفي العقد الماضي جاء ما يقرب من 70% من واردات أذربيجان العسكرية من "إسرائيل". وفي أيلول/ سبتمبر من العام الماضي، وقعت الدولتان صفقة أسلحة أخرى، ما ضمن مزيدًا من الأعمال لشركات التكنولوجيا "الإسرائيلية" وتعزيز الاقتصاد "الإسرائيلي".
كما أثبتت أذربيجان أن أهميتها لا تقدر بثمن بالنسبة لـ"إسرائيل" في مجال آخر، وهو العمل كوسيط بين تل أبيب وأنقرة؛ حيث يرى الشعبان التركي والأذري نفسيهما كأمة واحدة تعيش في بلدين (اللغة الأذرية تعتبر لهجة تركية)، وتركيا أعظم حليف لأذربيجان، تمامًا كما أن الولايات المتحدة أعظم حليف لـ"إسرائيل". وبالتالي، فإن العلاقات الوثيقة التي تربط أذربيجان مع كل من "إسرائيل" وتركيا تجعلها وسيطًا مثاليًا بين الطرفين. وقد توسط الرئيس الحالي لأذربيجان، إلهام علييف، بين تركيا و"إسرائيل" عدة مرات على مدى العقود القليلة الماضية؛ فبين عامي 2008 و2010، عمل "علييف" على استعادة الحوار بين الطرفين، وفي عام 2018 استأنف جهوده لتسهيل الاتصال بينهما، وكذلك بعد حرب ناغورنو كاراباخ عام 2020، التي قدمت خلالها كل من "إسرائيل" وتركيا دعمًا إلى أذربيجان. وفي الفترة المقبلة، قد تكون قدرة "علييف" على سد الفجوة بين تركيا و"إسرائيل" ذات قيمة بالغة، خصوصًا بعد سقوط نظام "بشار الأسد" في سوريا وصعود القيادة الجديدة إلى السلطة بقيادة "أحمد الشرع" الموالي لتركيا، والتي دعمت أنقرة مجموعته منذ بداية الحرب الأهلية السورية.
وعلى مر السنين، أشاد كثير من الصحفيين "الإسرائيليين" بعلاقة بلادهم مع أذربيجان، والثمار التي جنتها "إسرائيل" من هذا التعاون الممتاز. كما أدلى سياسيون "إسرائيليون" بتصريحات للصحافة "الإسرائيلية" عن هذه العلاقة على مر السنين؛ حيث قال نائب المدير العام لوزارة الخارجية، بنحاس أفيفي: "العلاقات بين إسرائيل وأذربيجان ذات طبيعة استراتيجية"، فيما صرح وزير البنية التحتية، عوزي لانداو، بأن "إسرائيل بحاجة إلى أذربيجان قوية"، كما أشار وزير الخارجية السابق، يائير لابيد، إلى أن "أذربيجان شريك مهم لإسرائيل". إضافةً إلى ذلك، وفي عام 1998 تم تحديد أذربيجان من قبل وزارة الخارجية "الإسرائيلية" كدولة رئيسية لـ"إسرائيل".
والخلاصة أن أذربيجان، من وجهة نظر "إسرائيل"، ليست مجرد دولة صديقة أو حليف "بسيط"، بل هي الحليف الأكثر أهمية لـ"إسرائيل" في الشرق الأوسط، وثاني أهم حليف على الإطلاق. كما إن أذربيجان تشكل أهمية بالغة لأمن "إسرائيل" وعلاقاتها الخارجية مع الدول الأخرى، ومن هنا ينبغي لشعب القوقاز وشعب صهيون أن يشعرا بالامتنان للشراكة الوثيقة بين أذربيجان "وإسرائيل".