تغيير "ترامب" "وزارة الدفاع" إلى "وزارة الحرب" خطوة رمزية ستُثير قلق الحلفاء ولن تُسهم في تحسين قدرات أمريكا

الساعة : 17:03
11 سبتمبر 2025

المصدر: رويال يونايتد سيرڤيس إنستيتيوت

ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات

بجرة قلم، أمر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بإعادة تسمية "وزراة الدفاع" الأمريكية "البنتاغون" إلى "وزارة الحرب"، وهي لفتة دراماتيكية لكنها تجعل الولايات المتحدة تبدو أصغر وليس أقوى. وقد دافع "ترامب" عن التغيير حيث أشار إلى أن أمريكا "انتصرت في الحرب العالمية الأولى والثانية" تحت الاسم القديم، وأصر على "أننا نريد الهجوم أيضًا". لكن هذه النظرة هي بالضبط ما يُقلق الحلفاء ويُشجع الخصوم؛ إذ تُشير التسمية الجديدة إلى أن واشنطن تُعرّف نفسها بخوض الحروب، لا بمنعها.

تاريخيًا، كانت "وزارة الحرب" مؤسسة ضيقة، وقد أُلغيت منذ أكثر من 75 عامًا لأنها لم تكن كافية لتغطية مسؤوليات أمريكا العالمية، وإن إعادة تسمية الوزارة بهذا الاسم مجددًا لا يُسهم في تحسين قدرات الولايات المتحدة، أو تعزيز تحالفاتها، أو ردع الخصوم، بل هي خطوة رمزية مُتنكرة في صورة استراتيجية. ففي وقتٍ تواجه فيه أمريكا تحدياتٍ دفاعيةً حقيقية، من تحديث ترسانتها النووية إلى ردع روسيا والصين، يعتبر اختيار إعادة تسمية "البنتاغون" تشتيتًا للانتباه يخلط بين الخطابة والجاهزية.

لقد كانت "وزارة الحرب"، التي أُنشئت عام 1789، مؤسسةً محدودة لم تُشرف إلا على الجيش، بما في ذلك ما كان يُعرف آنذاك بالقوات الجوية للجيش. وكان للبحرية إدارتها الخاصة على مستوى مجلس الوزراء وكان سلاح مشاة البحرية تابعًا لها، ولم تكن القوات الجوية كخدمة مستقلة موجودةً بعد. وما يُطلق عليه الأمريكيون اليوم "البنتاغون"، المجمع الضخم الذي اكتمل بناؤه عام 1943، بُني لإيواء "وزارة الحرب"، لكن المبنى عفا عليه الزمن بعد انتهاء المؤسسة التي كان من المفترض أن يضمها.

وعقب الحرب العالمية الثانية، أدرك قادة الولايات المتحدة أن هذا الهيكل غير كافٍ؛ حيث تطلبت الحرب الحديثة قيادةً موحدةً عبر البر والبحر والجو، إضافةً إلى استعدادٍ دائمٍ في عصر الأسلحة النووية، فاستحدث قانون الأمن القومي لعام 1947وزيرًا للدفاع لتنسيق الخدمات، وفي عام 1949 أعاد الكونغرس تسمية المؤسسة بـ"وزارة الدفاع".

لم يكن هذا تغييرًا شكليًا؛ فالقادة الذين دعموا هذا التغيير، جورج مارشال ودوايت أيزنهاور وجيمس فورستال، قادوا أمريكا خلال أكبر صراع شهده العالم على الإطلاق. وكان للكلمات أهميتها؛ فـ"الحرب" تعني ضمنيًا مكتبًا فاعلًا، يُعبأ بشكل متقطع عند بدء القتال، أما "الدفاع" فقد جسّد حقيقة الدور الجديد لأمريكا؛ الضامن الدائم للأمن.

وما زالت الكلمات مهمة حتى اليوم؛ فحلفاء الولايات المتحدة يتجنبون وصف مؤسساتهم الحربية بكلمة "الحرب"؛ حيث تتجنبها كل من وزارة دفاع بريطانيا وكندا وأستراليا و"وزارة القوات المسلحة" الفرنسية. كما يفعل خصوم أمريكا الشيء نفسه؛ من وزارة دفاع الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران.

إن هذه الخيارات بعيدة كل البعد عن كونها تجميلية؛ حيث تشكل تصورات عن المصداقية والطمأنينة والردع، خصوصًا للحلفاء الذين يعتمدون على الضمانات الأمريكية. وفي كل الأنظمة، ديمقراطية كانت أو استبدادية، تدرك الدول أهمية تقديم قواتها المسلحة كأدوات للحماية بدلًا من كونها محركًا للغزو. ومنذ عام 1945 ألغى ميثاق الأمم المتحدة رسميًا "الحرب" كأداة شرعية لحكم الدولة، وبالتالي فإن تحرك واشنطن في الاتجاه المعاكس لن يعكس قوة بل ضعفًا، وهي إشارة غير مفيدة في عالم محفوف بالمخاطر.

إن التراجع عن هذا الخيار الآن له عواقب فورية؛ فمن جهتهم سيفسر بعض الحلفاء هذا التغيير على أنه تحول أمريكي عن الدفاع الجماعي نحو القتال الأحادي، بينما سيشكك آخرون في جدية واشنطن وحكمتها في معالجة التحديات الأمنية الحقيقية التي يواجهونها معًا. كما إن المنافسين سيعتبرون ذلك تأكيدًا على النية العدوانية، بل إن هذا التحول يمنح أعداء أمريكا فوزًا دعائيًا سهلًا، سيسمح لهم بتصوير واشنطن على أنها عدوانية بدلًا من أن تكون حامية. وستكون هذه الخطوة ضارة، لا سيما في هذا الوقت الذي تسعى فيه الصين لتصوير نفسها على أنها القطب البديل الموثوق في الشؤون الدولية.

أما في الداخل، فسيضيع "البنتاغون" شهورًا على اللافتات والرمزية بتكلفة تصل إلى مليار دولار، في حين أنه ينبغي أن يركز على الجوهر، ولا يُرجح أن يدوم هذا التغيير؛ فقد شرّع الكونغرس "وزارة الدفاع" بقانون عام 1949، ولا يُمكن لأمر تنفيذي أن يُلغي هذا النظام الأساسي.

من جهة أخرى، فإن "وزارة الحرب" أصبحت جزءًا من الماضي؛ حيث أنشأ الكونغرس "وزارة الدفاع" عام 1949 لسبب وجيه؛ وهو توحيد القوات وردع الصراعات وطمأنة الحلفاء بشأن الهدف الدفاعي لأمريكا، ولا يُمكن لأمر تنفيذي أن يُلغي هذا التاريخ أو يُستبدل بالاستراتيجية العسكرية. وعليه، فإن استعادة هذا الاسم لن تُؤكّد التزامات أمريكا الدفاعية فحسب، بل ستُظهر أيضًا للحلفاء والخصوم على حد سواء أن واشنطن ما زالت ملتزمة بقيادة عالمية مسؤولة. وينبغي على المشرعين التحرك بسرعة لإعادة تأكيد النظام الأساسي واستعادة "وزارة الدفاع"؛ الاسم الذي يعكس دور أمريكا الدائم كمدافع، والدروس المستفادة بشق الأنفس من الجيل الذي بنى نظام ما بعد الحرب.