أداء مرتبك للحكومة "الإسرائيلية" وفرص تصعيد في الضفة والقطاع
بالنظر للتباينات الواسعة بين مكونات الحكومة "الإسرائيلية"، فإن تشكيل رؤية متماسكة حيال القضية الفلسطينية وتحديدًا قطاع غزة تبدو مهمةً صعبة، حيث أعلن وزير خارجية الاحتلال عن مبادرة "الاقتصاد مقابل الأمن" للتعامل مع القطاع، وهو أمر لا يبدو قابلًا للتنفيذ، فيما من غير المتوقع أن يتمكن رئيس الحكومة، نفتالي بينيت، من إقرار استراتيجية "تقليص الصراع" التي يروج لها داخل الحكومة، ما يعنى أن سياسة حكومة الاحتلال سيغلب عليها طابع الارتباك والعشوائية في ظل الائتلاف الحكومي الهش وإمكانية انهياره عند أول منعطف سياسي أو أمني كبير.
ميدانيًا، لن يتوقف الاحتلال عن مشاريعه الاستيطانية في ظل إقرار الحكومة الحالية للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات موازنة تزيد تمويل المستوطنات وبناها التحتية في الضفة الغربية، كما أن عدم التوصل لاتفاق تهدئة شامل مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة سُيبقى الوضع الأمني بحالة من الارتباك شبه الدائم، وهو ما يمكن أن يقود لتصعيد ميداني كبير. وفي الضفة الغربية تعيش المؤسسة العسكرية "الإسرائيلية" حالة من القلق الواسع لتصاعد أعمال المقاومة، لا سيما في مدينة جنين التي يتوقع أن تكون مسرحًا لعمليات "الجيش الإسرائيلي" خلال الفترة المقبلة.
كما أن دور الوسطاء وتحديدًا المصري والقطري والأممي سيبقى محوريًا في إدارة التوترات الميدانية، وستعمل الإدارة الأمريكية على رعاية هذه الأدوار بما يحول دون اندلاع موجة تصعيد واسعة، وبما يحفظ استقرار وتماسك السلطة الفلسطينية. فيما ستعمل مصر على تفعيل ملف التسوية بين السلطة والاحتلال وهو أمر غير قابل للتحقق خلال الفترة المقبلة، لكن الدور المصري سيكتسب زخمًا بالنظر لحالة التقارب بين "السيسي" و"بينت"، الذي سيعكس تنسيقًا أكبر بين الطرفين للتعامل مع ملف قطاع غزة، وهو ما قد يؤدي لتحسين في الظروف المعيشية لسكان القطاع يقابله تشديد أمني مصري على عمليات التهريب.
انسداد سياسي في الحالة الفلسطينية وغضب شعبي متزايد
من غير المرجّح أن تُعيد السلطة الفلسطينية إحياء الانتخابات الرئاسية والتشريعية بعد إلغائها في وقت سابق من هذا العام، خوفًا من احتمالية فوز حركة حماس، خاصةً بعد الشعبية التي حظيت بها الحركة إثر معركة "سيف القدس" في الأشهر الأخيرة، لكن ستعمل السلطة على إجراء الانتخابات المحلية في شهر كانون أول/ديسمبر في المجالس القروية والبلديات المصنفة (ج)، وهي مناطق يغيب فيها التنافس السياسي بين الأحزاب الفلسطينية.
ولن تُسهم هذه الخطوة في الحد من الغضب الشعبي ضد السلطة الفلسطينية في مدن الضفة الغربية، التي ستشهد مزيدًا من النقمة والغضب الشعبي لعدم وجود أفق سياسي ولتردي الوضع الاقتصادي. وستبقى الخلافات داخل حركة "فتح" محددًا أساسيًا لسلوك رئيس السلطة، محمود عباس، الذي لن يكون قادرًا على إحداث تغيير حقيقي في بُنية السلطة، ومن المستبعد أن يذهب لتعيين نائبًا له على الرغم من الضغوط الأمريكية التي تسعى عمومًا لتهيئة المسرح الفلسطيني لمرحلة ما بعد "عباس". كما أن مواقف "عباس" المتشددة لن تسمح بحدوث تقدّم في ملف المصالحة الفلسطينية، وهو ما يضيق هامش المناورة أمامه بصورة غير مسبوقة، ما يجعل فرص تشكيل حكومة تكنوقراط أو وحدة وطنية شبه مستحيلة، الأمر الذي سيكون له انعكاسات على مواقف الوسطاء والأطراف الدولية المنخرطة في الملف الفلسطيني.