الحدث:
عقب اجتماعها مع الرئيس "الإسرائيلي"، إسحاق هرتسوغ، ونظيرها، يسرائيل كاتس، في السابع من كانون الثاني/ يناير الجاري، قالت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، إن حكومتها لن تعارض بيع طائرات "يوروفايتر" للسعودية. وأضافت "بيربوك" أن "السعودية مساهم رئيسي في أمن "إسرائيل" وتساعد في القضاء على خطر اندلاع حريق إقليمي"، من خلال اعتراض هجمات الحوثيين الصاروخية على "إسرائيل". وفي سياق متصل، كشفت "القناة 12" العبرية أن رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، عهد خلال الأسابيع الأخيرة إلى وزير الشؤون الاستراتيجية، رون ديرمر، بمهمة مواصلة العمل مع الإدارة الأمريكية للتوصل لاتفاق تطبيع مع السعودية. بدوره، أبلغ "ديرمر" البيت الأبيض باستعداد حكومته لمناقشة المقابل الذي تطلبه السعودية المتعلق بالقضية الفلسطينية، بينما ما زال السعوديون مهتمين بالتحالف الدفاعي والأسلحة التي كانت جزءًا من الاتفاق، بحسب القناة العبرية.
الرأي:
تعزز هذه التطورات تقدير مركز "صدارة" السابق حول تمسك السعودية بمسار التطبيع مع الاحتلال رغم تعثره المؤقت نتيجة حرب غزة، بل إن الحرب قد تكون فتحت المجال للسعودية لتظهر فائدة أكبر أمام كل من الولايات المتحدة و"إسرائيل"؛ حيث تعول الإدارة الأمريكية على دور سعودي رئيسي في خطط إعادة إعمار غزة مستقبلًا ضمن صيغة انتقالية بديلة لحكم "حماس". كما تلعب السعودية دورًا في جهود احتواء التصعيد الإقليمي عبر الحوار مع إيران، وحتى عبر التصدي لصواريخ الحوثيين التي تستهدف "إسرائيل"، وهو الأمر الذي لا شك أن السعودية ستواصل القيام به، لكنها ستكتفي بموقف دفاعي وتتجنب تصعيد المواجهة مع الحوثيين للحفاظ على التهدئة في اليمن وتحويلها إلى سلام دائم.
إضافةً لذلك، فقد أظهرت السعودية كذلك خلال الحرب فائدتها للاحتلال من خلال قبول تشغيل الخط البري المباشر من الإمارات عبر المملكة والأردن، والذي يساهم في تخطي عقبة باب المندب جزئيًا، ويبشر بتطوير آليات نقل لوجستية بين الهند وأوروبا تعود بالنفع الاقتصادي على كافة الأطراف، بما فيها دولة الاحتلال. ومن جهة أخرى، فإن تحقيق الاتفاق قد يمثل طوق نجاة سياسي لكل من "نتنياهو" و"بايدن"؛ حيث جرى الترويج على نطاق واسع لفرضية أن "طوفان الأقصى" استهدف وقف التطبيع السعودي "الإسرائيلي"، ما يجعل التوصل لاتفاق قبل انتهاء الحرب بمثابة نصر سياسي.
أما فيما يخص مشروع "يوروفايتر"، فهو جهد مشترك بين المملكة المتحدة وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا؛ لذلك يجب أن توافق برلين على أي عملية بيع. وفي السابق، اعترضت ألمانيا وربطت البيع المحتمل للسعودية بنهاية الحرب في اليمن. والآن، يسلط موقف ألمانيا المتغير بشأن بيع مقاتلات "يوروفايتر" الضوء على الحوافز التي تقدم للسعودية، لتلعب دورًا في الردع الإقليمي لمصلحة "إسرائيل". وهكذا أيضًا، أصبح من المرجح أن تحصل الرياض على مقاتلات "يوروفايتر"، الأمر الذي يُبقي على علاقات السعودية الدفاعية الاستراتيجية مع الغرب ويجنبها اللجوء إلى بدائل تسليح روسية أو صينية.
في السياق ذاته، يشير ربط الوزيرة الألمانية موافقة بلادها بما أسمته "مساهمة السعودية في أمن إسرائيل"، إضافةً لما يتضمنه اتفاق التطبيع المفترض بصفقات أسلحة أمريكية للمملكة، إلى طبيعة الحوافز التي يجري تقديمها للرياض لتمضي قدمًا في هذا المسار. بل إن عضو الكونغرس البارز "ليندسي غراهام" تحدث قبيل زيارته للسعودية الأسبوع الجاري عن نيته إبلاغ ولي العهد صراحةً، بأنه لا يمكنه دعوة أبناء ولايته للسياحة والاستثمار في السعودية، لكن إن توصلت السعودية لاتفاق تطبيع مع "إسرائيل" فإنه وقتها سيمكنه إقناعهم بذلك. ولا شك أن هذه الحوافز الاقتصادية المفترضة تقع في قلب أهداف ولي العهد السعودي من وراء تمسكه بمسار التطبيع مع الاحتلال.