الحدث:
أعلنت وزارة الدفاع التركية مقتل تسعة جنود وإصابة أربعة آخرين في هجوم جديد، شنته عناصر "حزب العمال الكردستاني" على قاعدة عسكرية تركية في منطقة الزاب شمال العراق.
الرأي:
تشير حصيلة الهجوم المرتفعة، والتي تأتي بعد أقل من 20 يومًا على هجومين مماثلين أسفرا عن مقتل 12 جنديًا تركيًا، إلى أن "حزب العمال الكردستاني" يدشن مرحلة جديدة من عملياته تتسم بتصعيد نوعي، مع التركيز على التواجد التركي في العراق نظرًا لحساسيته؛ حيث تؤدي الردود العسكرية التركية إلى ارتفاع أصوات العديد من المليشيات والأحزاب العراقية التي تطالب بسحب القوات التركية من شمال العراق. وبحسب رؤية مركز "صدارة"، فإن العمليات في العراق توفر ميزة للحزب تتمثل في عدم قدرة الحكومة المركزية في بغداد على ضبط الأوضاع الأمنية في إقليم كردستان المتمتع بحكم ذاتي، فضلًا عن تمتع عناصر الحزب بحرية الحركة في جبال قنديل قرب مثلث الحدود العراقية التركية الإيرانية، وامتلاكهم قواعد أمامية منتشرة بطول الحدود مع تركيا، ما يتيح لهم تنفيذ الهجمات مع سهولة التخفي نظرًا لوعورة المنطقة وانتشار الضباب والثلوج، بينما في سوريا توجد تفاهمات لأنقرة مع كل من موسكو وواشنطن تضبط وتيرة ونطاق العمليات العسكرية بين تركيا والتنظيمات الكردية.
كما يرى مركز "صدارة" أن "حزب العمال" تحوّل إلى معضلة أمنية مزمنة لأنقرة، بعد أن نقل جزءًا كبيرًا من قواته من جبال قنديل شمال العراق إلى سوريا في تموز/ يوليو 2012، مستفيدًا من انسحاب قوات النظام السوري من المناطق ذات الغالبية الكردية على الحدود التركية لخلق مشكلة لأنقرة. ثم قفز الحزب خطوة للأمام بتعاونه مع الجيش الأمريكي وقوات التحالف الدولي للقتال كقوة برية ضد "تنظيم الدولة الإسلامية"، وهو ما سمح له بالسيطرة للمرة الأولى على مدن كبرى مثل الرقة ودير الزور ومنبج، وأتاح له التزود بكميات ضخمة من الأسلحة الأمريكية الحديثة؛ فزاد حجم قواته العسكرية والأمنية حتى اقتربت من 50 ألف مقاتل تحت لافتات متنوعة، وبالتالي عزز قدراته وراكم قوته شمال العراق الذي يتخذه منصة لشن هجمات ضد تركيا.
ونظرًا للعدد الكبير من الضحايا الذي أسفرت عنه الهجمات الأخيرة، فقد سارعت القيادة التركية لعقد اجتماع عاجل بحضور الرئيس "أردوغان" ووزراء الدفاع والداخلية والخارجية، ورئيس الاستخبارات ورئيس هيئة أركان الجيش، وهو ما تزامن مع عمليات قصف جوي مكثفة بالطيران الحربي والمسير طالت مواقع عسكرية ومعسكرات تدريب ونقاط تفتيش ومستودعات ذخيرة ومخازن لوجستية تابعة للحزب، شمال العراق وشمال شرق سوريا، فضلًا عن منشآت خدمية ونفطية في القامشلي وريفها بسوريا.
ورغم ما تلحقه هذه الغارات الجوية من خسائر بشرية ومادية بالحزب، فإن غايتها إضعاف قدراته العملياتية وإنهاك خطوط إمداده، إلا أنها لا تكفي لإحداث تغيير استراتيجي في المعادلة، في ظل تلقي الحزب دعمًا أمريكيًا وغربيًا، إضافةً لتقاطع مصالحه مع مصالح فصائل بالحشد الشعبي في سنجار بالعراق، ومع النظام السوري في بعض الملفات، ما يجعله جزءًا من لعبة كبرى يتطلب حلها تفاهمات دولية وإقليمية غير متوافرة حاليًا، وهو ما يعني استمرار أنشطته وهجماته.