الحدث
استأنفت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية مباحثات ثنائية حول اتفاقية دفاعية مشتركة، والتي كانت قد توقفت عقب اندلاع الحرب في غزة. وكشفت وكالة بلومبرغ أن لقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأعضاء من مجلس الشيوخ الأمريكي في مدينة العلا السعودية، الشهر المنصرم، تضمن مناقشة التوصل لاتفاق دفاعي يشمل تطبيع العلاقات السعودية "الإسرائيلية".
الرأي
لم تغير حرب غزة من توجه السعودية الرئيسي للتطبيع مع الاحتلال، لكنّها غيرت بصورة ملموسة من الديناميكيات المرتبطة بهذا المسار، على النحو التالي:
أولا: أظهرت الحرب مجددا للسعودية قدرة إيران على التحكم في شبكة إقليمية واسعة من المجموعات المسلحة التي يمكنها تهديد المملكة ودول الخيلج. لذلك؛ فإن السعودية باتت أكثر حرصاً على التوصل لشراكة دفاعية من الولايات المتحدة، تمكّن الرياض من الحصول على قدرات عسكرية أمريكية متقدمة، فضلا عن التمتع بالتزامات أمريكية دفاعية تمثل ضمانة رادعة لإيران مستقبلا.
ثانيا: ربطت السعودية في نقاشها مع إدارة بايدن مسألة التطبيع مع "إسرائيل" بتقديم حكومة الاحتلال التزامات حقيقية تجاه مسألة قيام دولة فلسطينية. وبينما كانت المؤشرات ترجح أن هذا الربط ليس جوهريا وكان من المتوقع التراجع عنه والاكتفاء بوعود وإجراءات رمزية، إلا أن حرب غزة فرضت وزناً أكبر نسبياً لهذا الاشتراط السعودي، وبات من الضروري أن تقدم حكومة الاحتلال شيئا ملموسا في هذا الصدد كي يوفر للرياض الغطاء السياسي، محليا وإسلاميا، لصفقة التطبيع.
وللتغلب على هذا، من المرجح أن تعرض الإدارة الأمريكية مسارا طويلا ومشروطا لإقامة دولة فلسطينية، يضع الكرة في ملعب الفلسطينيين أنفسهم كي يحصلوا على هذا الاعتراف، وهو ما عبر عنه كاتب الرأي المخضرم في صحيفة نيويورك تايمز، توماس فريدمان، وهو مقرب من الإدارة الأمريكية، حيث توقع أن تروج واشنطن لمبادرة قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح في الضفة وقطاع غزة "إذا طور الفلسطينيون مؤسسات وقدرات أمنية محل ثقة". أي أن مسألة قيام الدولة ستتحول من شرط سعودي موجه إلى حكومة الاحتلال إلى مسألة متوقفة على قدرة الفلسطينيين على تلبية "معايير" أمنية أمريكية و"إسرائيلية"، وهو أمر ليس من المتوقع حدوثه.
ثالثا: توجه واشنطن لنهج أكثر حزما تجاه إيران إقليميا، على خلفية أنشطة وكلاء إيران، يمنح السعودية موقعا أساسيا في الترتيبات الأمريكية لإعادة هندسة المنطقة عقب حرب غزة، وهو الأمر الذي تجلى مبدئيا في استضافة الرياض لمسؤولي المخابرات في مصر والأردن وفلسطين لبحث مسألة إصلاح السلطة.
ما تقدم يعني أن مصلحة الرياض وواشنطن الخاصة في التوصل للاتفاق الدفاعي باتت أكثر إلحاحاً. ولذلك؛ سيكون على الجانبين قريبا الاختيار بين أن يكون الاتفاق منفصل عن مسألة التطبيع وبالتالي يكون ثنائيا وقريبا، أو أن يظل الربط قائما بين الاتفاقية وبين ملف التطبيع السعودي "الإسرائيلي" وبالتالي بقاء الاتفاق الدفاعي مؤجلاً وخاضعاً لتطورات الحرب في غزة وتداعياتها على الملف الفلسطيني والتي لا يتوقع تجاوزها قبل نهاية ولاية "بايدن" الحالية.