الحدث:
كشف تقرير لصحيفة "الجارديان" البريطانية أن السعودية تدفع باتجاه خطة بديلة لاتفاقها الأمني الثنائي المنتظر مع الولايات المتحدة، يتجاهل مسألة التطبيع مع الاحتلال "الإسرائيلي"، وذلك في ظل غياب وقف إطلاق النار في غزة والمقاومة العنيدة من جانب حكومة "نتنياهو" للالتزام بإقامة دولة فلسطينية، وتصميمها الواضح على شن هجوم على رفح. وبموجب هذا الخيار، الذي وصفته الصحيفة بأنه "الخطة ب"، ستوقّع الولايات المتحدة والسعودية اتفاقية دفاع ثنائية أقرب إلى مستوى العلاقات الأمريكية الكورية، تشمل أيضًا مساعدة الولايات المتحدة للسعودية في بناء صناعة الطاقة النووية المدنية، والتعاون رفيع المستوى في مجال الذكاء الاصطناعي وغيره من التقنيات المتقدمة. جاء هذا بعد أيام من رحلة وزير الخارجية الأمريكي، أنطوني بلينكن، إلى الرياض التي قالت تقارير إن هدفها الرئيس هو وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاقيات الأمريكية السعودية، والتي وصفها مسؤولو الإدارة بأنها شبه مكتملة.
الرأي:
بموجب هذا التصور، لن تتخلى السعودية استراتيجيًا عن مساعي التطبيع مع الاحتلال؛ حيث سيظل العرض السعودي بتطبيع العلاقات قائمًا مقابل التزام "إسرائيلي" بإقامة دولة فلسطينية، وسيظل التقدم في هذا المسار مرتبطًا بانتهاء الحرب في غزة. وستركز الاتفاقية بالمقابل على إعادة ترتيب أسس التحالف السعودي الأمريكي بما يضمن للسعودية وصولًا أسهل للمعدات العسكرية الأمريكية المتقدمة، ويضمن لواشنطن ابتعاد الرياض عن مجال النفوذ الصيني.
وقد سبق أن توقعنا في مركز "صدارة" أن تؤدي تعقيدات الحرب في غزة إلى تعطيل مسار التطبيع السعودي "الإسرائيلي"، وهو ما قد يدفع المملكة وإدارة "بايدن" للمضي قدمًا في صفقة ثنائية لا تتضمن التطبيع مؤقتًا، نظرًا لحاجة الجانبين لإتمام مثل هذه الصفقة. فمن ناحية، تزداد مخاوف السعودية إزاء تدهور الصراع إقليميًا دون مظلة حماية أمريكية تضمن لها توازن ردع في مواجهة التهديدات الإيرانية، خاصةً بعد استعراض إيران جانبًا من قدراتها الهجومية في الهجوم على دولة الاحتلال.
ومن ناحية أخرى، فإن الإدارة الأمريكية تبحث عن إنجاز سياسي في الشرق الأوسط قبيل الانتخابات، بعد أن تسببت حرب غزة في تنامي الغضب ضدها. ورغم أن توقيع الاتفاقية الأمنية مع السعودية دون أن تشمل التطبيع مع الاحتلال يقلل من قيمتها كإنجاز للإدارة، لكنها ستظل خطوة يمكن ترويجها انتخابيًا لأنها ستشمل التزامات من جانب السعودية بالحد من العلاقات مع الصين في الجوانب الأمنية والعسكرية والتقنية الاستراتيجية، وهو أمر يمثل أولوية أمريكية، فضلًا عن اعتبار الصفقة خطوة تعزز جهود احتواء التمدد الإيراني في المنطقة.
رغم كل ما سبق توضيحه، فليس من المؤكد بعد أن تستجيب الإدارة الأمريكية للمساعي السعودية؛ فيما ربما تواصل الضغط على الرياض وعلى "نتنياهو" على حد سواء. كما أنه ليس واضحًا مدى قدرة إدارة "بايدن" على تمرير أي اتفاق مع السعودية في الكونغرس لا يشمل تطبيع العلاقات مع "إسرائيل". وقد يكون الحل المحتمل هو صيغة "الأقل مقابل الأقل"؛ أي ضمانات أمنية أمريكية أقل إلزامًا، لا تتطلب موافقة الكونغرس، مقابل تأجيل مسألة التطبيع لظروف لاحقة؛ أي أن الاتفاقية الأمنية ستمثل عمليًا مرحلة أولى محدودة مقارنةً بما تطمح إليه السعودية.