بوادر صراع حتمي بين جيلين في الحرس الثوري

الساعة : 13:53
15 أكتوبر 2024
بوادر صراع حتمي بين جيلين في الحرس الثوري

المصدر: فورين أفّيرز

ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات

الرابط: لقراءة وتحميل الترجمة / اضغط هنا

مقدمة

في ظل اقتراب إيران و"إسرائيل" من حرب شاملة، قد يُنظَر إلى الهجوم الصاروخي الباليستي الضخم الذي شنته الجمهورية الإسلامية على تل أبيب بداية تشرين الأول/ أكتوبر، باعتباره نقطة تحول حاسمة؛ فبعد النكسات المتتالية التي تعرضت لها طهران، بما في ذلك اغتيال "إسرائيل" لزعيم "حزب الله"، حسن نصر الله، لم يتبق أمام المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، سوى الرد، وبالتالي فإن المنطقة الآن على شفا صراع أكبر.

ورغم أن أي هجوم إيراني كان أمرًا لا مفر منه، نظرًا للتحالف الوثيق بين "حزب الله" والجمهورية الإسلامية، فقد فاجأ "خامنئي" العديد من المراقبين باتخاذ أحد أكثر الخيارات تطرفًا؛ فقد كان بوسعه أن يستخدم شبكة وكلائه لشن هجوم غير مباشر ضد "إسرائيل"، أو إشعال موجة من الإرهاب الإقليمي، وكلا الخطوتين سبق أن اتخذهما في الماضي. لكن "خامنئي" اختار بدلًا من ذلك إطلاق مئات القذائف على ثاني أكبر مدينة في "إسرائيل"، وهي واحدة من أكبر الهجمات الصاروخية الباليستية في التاريخ.

صراع بين جيلين في الحرس الثوري

ويمكن القول إن "خامنئي" اتخذ هذه الخطوة الدراماتيكية لسبب داخلي في إيران؛ فقد تصدّعت قوات الحرس الثوري، القوة المسلحة الإيديولوجية المؤثرة التي يرأسها "خامنئي" نفسه، بسبب الانقسامات بين قادتها المحافظين الأكبر سنًا وبين صفوفها الأصغر سنًا والأكثر تطرفًا. فالأولى غالبًا ما تفضل ممارسة بعض ضبط النفس عندما يتعلق الأمر بـ"إسرائيل"، في حين تريد الأخيرة ملاحقة عدو الجمهورية الإسلامية مباشرة. وعادةً ما كان للنخبة الأكبر سنًا النفوذ الأكبر لدى المرشد الأعلى، لكن مع مقتل مزيد ومزيد من قادة الحرس الثوري وشركائه صار للأجيال الأصغر سنًا اليد العليا، وذلك من خلال التشكيك في كفاءة كبار السن، وأيضًا من خلال الإيحاء بأن بعض نخب الحرس الثوري هي في الواقع أصول "إسرائيلية"، بمن فيهم "إسماعيل قاآني"، قائد فيلق القدس الذي يسيطر على شبكة إيران من الميليشيات بالوكالة. وبعد أن قتلت "إسرائيل" "حسن نصر الله" يبدو أن حسابات "خامنئي" قد تشكلت من قبل هذه الفئة الأصغر سنًا، وهذا جزء من السبب الذي دفعه إلى شن هجوم تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

ومن المرجح أن تنمو قوة هؤلاء المتشددين الشباب في السنوات المقبلة؛ فبعد الإخفاقات الاستخباراتية المتتالية لم يعد "خامنئي" يستطيع الاعتماد على الحرس القديم لإدارة إيران، حتى لو كان بوسعه ذلك فإن الوقت في صالح المتطرفين في الحرس الثوري؛ فـ"خامنئي" يبلغ من العمر 85 عامًا، والعديد من كبار مستشاريه هم أيضًا من المعمّرين، وبالتالي فيمكن للأجيال الشابة أن تنتظر حتى يتقدموا في السن. لذلك، لا يُرجح أن تصبح الجمهورية الإسلامية أكثر سلمية في السنوات المقبلة، ولن تكون حكومتها أكثر اعتدالًا عندما تتغير قيادتها، بل من المتوقع أن تصبح أكثر قمعًا، وأكثر عنفًا، وأكثر التزامًا بزعزعة استقرار العالم.

خيار حتمي بتطهير أجزاء من الصفوف الأولى

بعد هجوم "حماس" على "إسرائيل" في السابع من أكتوبر بدأ الجيش "الإسرائيلي" سلسلة من الضربات ضد قوات الحرس الثوري وقوات شركائه؛ حيث استهدفت "إسرائيل" مسؤولي الحرس الثوري والميليشيات المختلفة المدعومة من إيران في العراق وسوريا، كما قامت بقتل كبار قادة "حزب الله" وضرب منشأة لقيادة فيلق القدس التابع للحرس الثوري في ملحق مبنى القنصلية الإيرانية بدمشق.

وأثارت هذه الهجمات غضب جميع أعضاء الحرس الثوري تقريبًا صغارًا وكبارًا على حد سواء، لكن الأجيال الأصغر سنًا كانت أيضًا غاضبة من رد إيران؛ فقد شعر هؤلاء المتشددون بالخيانة عندما رفضت طهران ضرب "إسرائيل" مباشرةً بعد المجموعة الأولى من الهجمات الأخيرة. حتى بعد أن أطلق الحرس الثوري مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة إلى "إسرائيل" في نيسان/ أبريل الماضي، كان العديد من المسؤولين الأصغر سنًا غير راضين؛ فقد رأى هؤلاء أن رد إيران كان رمزيًا إلى حد كبير وأنه فشل في إلحاق ضرر حقيقي بخصمها، ويعتقد بعضهم أن إيران ضبطت نفسها بدافع الخوف، لكن آخرين يعتقدون أن شيئًا أكثر شرًا يعيق البلاد؛ فبعد مقتل "هنية" في طهران واغتيال "نصر الله" في بيروت، خلص العديد من المتطرفين إلى أن الأوليغارشية (الأقلية) في الحرس الثوري قد تم اختراقها من قبل المخابرات "الإسرائيلية". وبموجب هذا المنطق، فإن بعض كبار المسؤولين في الحرس الثوري مهتمون بكسب المال لدرجة أن مسؤولين "إسرائيليين" قد اشتروهم مقابل تقديم إحداثيات أهداف قيمة، وهو ما قيّد بشكل عام رد طهران.

لقد فرضت هذه المزاعم ضغوطًا كبيرة على "خامنئي" والقيادة العليا للحرس الثوري، لتوجيه ضربة قوية ضد "إسرائيل"؛ وهذا يعتبر جزئيًا السبب وراء شن إيران مثل هذا الهجوم الضخم على خصمها. لكن هجوم تشرين الأول/ أكتوبر، وهجوم نيسان/ أبريل كذلك، لن يُسْكِتا الجيل الأصغر سنًا في الحرس الثوري؛ فالواقع أن المتشددين في هذه المجموعة من المرجح أن يكتسبوا مزيدًا من الجرأة. وربما وجد "خامنئي" المتشددين الشباب محبطين، لكنه ربما خلص إلى أن مزاعمهم صحيحة جزئيًا؛ فمن الصعب أن نتخيل أن أيًّا من مسؤولي الحرس الثوري لا يعمل مع "إسرائيل" منذ مقتل "هنية" بقنبلة يتم التحكم فيها عن بعد في منزل آمن يديره الحرس الثوري.

وبالتالي، فلن يكون أمام "خامنئي" خيار سوى تطهير أجزاء من الصفوف الأولى واستبدالهم بمسؤولين أصغر سنًا، ومن المؤكد أن هذه الخطوة الحتمية من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم الأزمات المستقبلية، سواءً داخل إيران أو بينها وبين العالم. فعلى الصعيد المحلي، ومع تزايد تطرف الحرس الثوري وعدوانيته، من المرجح أن تكون حملاته القمعية على المعارضين أكثر قسوة. وعلى الصعيد الدولي، فإن الحرس الثوري الأكثر تطرفًا سيدفع إيران إلى توسيع برنامجها الصاروخي الباليستي، ومضاعفة دعم الميليشيات، والدفع نحو الحصول على الأسلحة النووية. وستصبح طهران أكثر تصميمًا على تدمير "إسرائيل"، وإزالة القوات الأمريكية من المنطقة، وتقويض النظام الدولي الليبرالي.

رغم كل هذا، فقد أعرب بعض المحللين عن أملهم في أن تصحح إيران مسارها بمجرد وفاة "خامنئي"، لكن المرجّح أن وفاة المرشد الأعلى ستعجّل بهذا التطرف؛ فقد أثبت "مجتبى" (نجل خامنئي) أنه أكثر تأييدًا للأجيال الشابة من والده. وحتى لو لم يخلف والده، فإن ترتيبات المرشد الأعلى ضمنت فعليًا انتقال العباءة إلى رجل دين آخر أصغر سنًا وأكثر تطرفًا. وفي نهاية المطاف، فإن الشيء الوحيد الذي قد يمنع إيران من أن تصبح أكثر تطرفًا هو تفكيك النظام نفسه. وقد يكون مثل هذا الانهيار واردًا؛ فالجمهورية الإسلامية لا تتمتع بشعبية كبيرة بين الناخبين، ومن المؤكد أن معظم الإيرانيين يفضلون حكومة مختلفة وعلمانية وأكثر سلمية. لكن النظام قد واجه عقودًا من الاحتجاجات الجماهيرية دون أن يهتز، وأثبتت إيران قدرتها على الصمود في مواجهة كل التحديات رغم أدائها الاقتصادي الكارثي. وفي الوقت الحالي، أصبح من المحتم أن تصبح إيران أكثر تطرفًا، ولا ينبغي لأحد أن يراهن على أقل من ذلك.