لم يعد "حزب الله" قائمًا كما كنا نعرفه، حتى الهجمات الصاروخية الباليستية الإيرانية ضد "إسرائيل" لا يمكنها إخفاء تلك الحقيقة؛ وبما أن "الحزب" كان العمود الفقري لشبكة وكلاء إيران، فإن استراتيجيتها في تسليح هذه الجماعات ونشرها في جميع أنحاء المنطقة أصبحت فجأة في خطر. مع ذلك، ورغم القضاء على قيادات "الحزب" وتدهور قدراته العسكرية بشكل كبير، لكنه لا يزال يحتفظ بترسانة من الصواريخ وكادر من عدة آلاف من المقاتلين، وسيستمر في تشكيل تهديد عسكري قوي لـ"إسرائيل" ولبنان والمنطقة.
ومن المؤكد أن "الحزب" يتوق للانتقام من "إسرائيل"، خصوصًا بعد مقتل أمينه العام، لكن قدرته العسكرية اليوم على تنفيذ ذلك أقل بكثير؛ ونتيجة لذلك قد يلجأ للتخطيط لأعمال "إرهابية" دولية تستهدف مصالح "إسرائيل" أو اليهود في الخارج، كما فعل مرارًا عبر السنين.
إن نجاح "إسرائيل" السريع ضد "حزب الله" جاء نتيجة لهيمنتها الاستخباراتية، وذلك بعد تحوّل كبير في أساليب جمع المعلومات الاستخباراتية بعد آخر حرب خاضتها مع "الحزب" عام 2006. ويقدر المسؤولون الأمريكيون و"الإسرائيليون" أن "إسرائيل" دمرت حوالي نصف مخزون "الحزب" من الصواريخ في الأسابيع الأخيرة، لكنه لا يزال يحتفظ بترسانة من الطائرات المسيرة للاستطلاع والهجوم، وما بين 60 إلى 100 ألف صاروخ وقذيفة، ولا يزال قادرًا على إطلاقها إلى عمق "إسرائيل"، كما حدث في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر، حين سقط صاروخ في بلدة كفر قاسم العربية وسط "إسرائيل"، رغم أن معظم هذه المقذوفات يتم إسقاطها بواسطة الدفاعات الجوية "الإسرائيلية" وبعضها تخطئ أهدافها، وأحيانًا يدّعي "الحزب" شن هجمات لم تحدث أصلًا؛ فعلى سبيل المثال، أعلن الحزب في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر أنه أطلق صواريخ على قاعدة جوية "إسرائيلية" في "سديه دوف" شمال تل أبيب، لكن تلك القاعدة أُغلِقَت قبل عدة سنوات وأصبحت الآن قطعة أرض رملية فارغة تنتظر تطويرها سكنيًا.
مع ذلك، تظل هذه الصواريخ خطيرة للغاية؛ فبعد مقتل قائد بارز في "الحزب" إثر إحدى الضربات "الإسرائيلية" أطلق الحزب حوالي 100 صاروخ على "إسرائيل" في الـ22 من أيلول/ سبتمبر الماضي، استهدف بعضها مدينة حيفا. وفي خضم الحملة الجوية "الإسرائيلية" أطلق الحزب صاروخًا على تل أبيب للمرة الأولى، كما أطلق صواريخ على مدينة حيفا مجددًا. لكن المسؤولون الأمريكيون يقولون إنه مع مقتل العديد من قادة الحزب الرئيسيين في فترة زمنية قصيرة، فقد تضررت بشدة بنية القيادة والسيطرة لديه؛ ولم يتبق سوى عدد قليل من القادة الذين يمكنهم إصدار أوامر بإطلاق الصواريخ، ما يُفسّر سبب عدم قيام الحزب بإطلاق دفعات أكبر من الصواريخ على "إسرائيل". وقد يُفسّر هذا أيضًا لماذا كان رد فعل "الحزب" هو الانسحاب من جنوب لبنان وإنكار دخول القوات "الإسرائيلية" إلى لبنان على الإطلاق، رغم تعهد نائب الأمين العام للحزب، نعيم قاسم، عبر شاشة التلفزيون بمواجهة الجيش "الإسرائيلي" إذا دخل جنوب لبنان.
في الوقت نفسه، ومع قيام "الإسرائيليين" بتفكيك بنية "الحزب" الهجومية جنوب لبنان، ووجود قوة عسكرية كبيرة على الحدود، قد يكون من الصعب للغاية على "الحزب" اليوم تنفيذ هجوم عبر الحدود. فوفقًا للسلطات "الإسرائيلية"، عندما قُتل القائد في "الحزب"، إبراهيم عقيل، في غارة جوية كان هو والقادة الذين كان يجتمع معهم يخططون لمثل هذا التوغل في الأراضي "الإسرائيلية".
والسؤال، كيف سيحاول "الحزب" الانتقام لمقتل "نصر الله" وسط هذه الانتكاسات العسكرية؟
من المرجح أن يلجأ "الحزب" إلى أعمال "الإرهاب الدولي"، التي يشرف عليها أحد العناصر القليلة التي لم تفقد بعد قادتها الرئيسيين. فـ"الوحدة 910" المعروفة أيضًا باسم "منظمة الجهاد الإسلامي" أو "منظمة الأمن الخارجي"، هي المسؤولة عن المخططات "الإرهابية" العالمية، ويقودها "طلال حمية" ونائبه "خالد قاسم"، وتحافظ على شبكات من العملاء في جميع أنحاء العالم ويقومون بمراقبة الأهداف المحتملة وينتظرون تنفيذ المخططات عندما يتم توجيههم بذلك من قيادة "الحزب" في لبنان.
ووفقًا لتقييمات المسؤولين الأمريكيين، فإن وجود خطط مسبقة جاهزة "يشكل مكونًا أساسيًا من الخطة الإرهابية للحزب"؛ فقد وصف "علي كوراني"، أحد عملاء "الحزب" الذي تم اعتقاله في نيويورك عام 2017 وأدين بتهم الإرهاب، نفسه بأنه عضو في "الوحدة 910" المشار إليها. وعندما سُئل "كوراني" من قبل وكلاء "مكتب التحقيقات الفيدرالي" تحت أي ظروف يمكن أن يتلقى أوامر بتنفيذ هجوم في الولايات المتحدة، حدد "كوراني" سيناريوهين: اغتيال "نصر الله" أو حرب بين "إسرائيل" وإيران؛ بعبارة أخرى، وضع مشابه تمامًا للوضع الحالي.
والخلاصة، أن "حزب الله" لم ينتهِ بعد، لكنه على الأرجح لن يكون التنظيم نفسه الذي كان عليه قبل بضعة أسابيع فقط. وستتم ترقية مقاتلين أصغر سنًا لكن الأمر سيستغرق بعض الوقت لكي يكتسبوا الخبرة التي كانت لدى أسلافهم. وسيخلف شخص ما "نصر الله"، لكنه بلا شك سيكون أقل كاريزما ومهارة من الزعيم الراحل. ولن يكون من السهل استبدال الأنفاق والبنية الأساسية الأخرى التي بناها "الحزب" على مدى سنوات عديدة بتكاليف باهظة. لكن المعيار الحقيقي لمعرفة إذا كان الحزب سيتمكن من إعادة بناء نفسه، حتى على مدى سنوات طويلة، هو إذا كانت إيران قادرة على إعادة تزويده بترسانته المتطورة. وأيًّا كان ما سيفعله "الحزب" بعد ذلك، فيجب على الحكومات الغربية أن تعطي الأولوية لقطع قدرة طهران على تسليح وكلائها وتمويلهم.