المصدر: مسجاف إنستيتيوت
ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات
في تموز/ يوليو الماضي، صعّد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تهديداته ضد "إسرائيل" قائلًا: "كما دخلنا ناغورنو كاراباخ وليبيا سنفعل الشيء نفسه مع إسرائيل". وما كان يبدو في البداية تهديدًا فارغًا أصبح الآن سيناريو أكثر احتمالًا بعد الانتصار المذهل للمعارضة في سوريا؛ حيث سيستفيد "أردوغان" كثيرًا من تفكيك النظام المدعوم من إيران وروسيا و"حزب الله"، واستبداله بحكومة ذات قيادة سنية. أما بالنسبة لـ"إسرائيل"، فإن السؤال المطروح هو ما إذا كان بإمكان "أردوغان" الاستفادة من نظام موالٍ له في سوريا لنشر لقوات وأسلحة على حدود "إسرائيل"، بحيث يتماشى النفوذ التركي المتزايد في سوريا مع رؤية أردوغان "العثمانية الجديدة" للشرق الأوسط.
وعليه، فإن هذا السيناريو سيزيد من عداء تركيا تجاه "إسرائيل"، خصوصًا في ظل استمرار الحرب دون نهاية واضحة، ومن الممكن أن يأمر "أردوغان" الجماعات الجهادية المتواجدة بسوريا الآن بشن هجمات ضد "إسرائيل"، أو قد يدعمها في ذلك على الأقل. إلا أن أي تصعيد في هذا الاتجاه سيهدد علاقة تركيا مع الولايات المتحدة وحلف "الناتو"، وسيرى "أردوغان" أنه من الحكمة أن يستخدم أوراقه بحذر، وأن يتجنب تفاقم الصراع السوري خصوصًا فيما يتعلق بـ"إسرائيل".
بالمقابل، كان من البديهي أن تحشد "إسرائيل" الدبابات والمشاة على حدودها مع سوريا لأول مرة منذ 50 عامًا، ويجب عليها أن تواصل استغلال الزخم الحالي لضرب أهداف في سوريا. كما ينبغي أن تصر "إسرائيل" على وجود عسكري أمريكي قوي وموسع في المثلث السوري-العراقي-الأردني؛ حيث سيسهم ذلك في الحد من نفوذ الإسلاميين الموالين لتركيا ومنع القوى المعادية الأخرى من تعزيز وجودها في الأردن المجاور، الذي يتعرض بالفعل لتهديدات من طموحات إيران لزعزعة استقراره وشن هجمات على "إسرائيل" من الشرق.
تهديدات أردوغان يجب أن تُحمل على محمل الجد
إن الذين تغاضوا عن تركيا لسنوات في عهد "أردوغان"، في حين كانت توفر ملاذًا آمنًا لحركة "حماس"، يشهدون الآن على رعاية تركية لتحالف جهادي في سوريا الجديدة. لذلك، يجب على فريق الشرق الأوسط في إدارة "ترامب"، وبالطبع على "إسرائيل"، أن يقرؤوا تحركات "أردوغان" الحالية والمستقبلية بالضبط كما يعرّفها هو؛ فهو يرى نفسه قائدًا عالميًا للإخوان المسلمين وينظر إلى "حماس" على أنها حركة تحرر وليست منظمة إرهابية.
وعلى هؤلاء أيضًا أن يستمعوا إلى كلمات "أردوغان"وأن يصدقوا أنه يعني ما يقول، تمامًا كما كان ينبغي أن يفعلوا مع "حماس" لكنهم فشلوا في ذلك؛ فالتهديد الذي أطلقه ضد "إسرائيل" في تموز/ يوليو الماضي، نفّذه جزئيًا على الأقل بعد خمسة أشهر عبر جيش المجاهدين السوريين الجديد، وهو الآن أقرب إلى حدود "إسرائيل" الشمالية أكثر من أي وقت مضى.
وبعد السابع من أكتوبر، اختار "أردوغان" الجانب الشرير والمحور الشرير، ولم يعد هناك أي فرق جوهري بينه وبين قطر وإيران. فهل ستصبح تركيا الآن "إيران الجديدة"؟ من السابق لأوانه تقييم ذلك، لكن ما هي عليه الآن يكفي بالتأكيد لإدارة "ترامب"، وينبغي ألا يتم الوقوع مرة أخرى في تقدير "أردوغان" بصورة خاطئة.
فقبل عامين فقط، كان لا يزال يسعى لكسب ودّ "هرتسوغ" و"نتنياهو" لمساعدته في الوصول إلى قلب أمريكا، خصوصًا في الجانب المالي، لكن المذبحة والحرب، والأحداث الدرامية الحالية في سوريا، أزالت كل أقنعته. وهكذا تحدث "أردوغان" قبل أيام قليلة في مدينة ماردين بالقرب من سوريا، حين ردّ على جمهوره الذي هتف: "سيدي الرئيس، خذنا إلى القدس" بكلمات: "من صبر ظفر".