المصدر: كرايسيز جروب
ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات
نشر موقع "كرايسيز جروب" استشرافًا لمستقبل عشرة صراعات في العالم استقبلها عام 2025، ستحدد تفاعلاتها وتداعياتها شكل العالم في المرحلة القادمة. وذكّر الموقع بصعوبة التنبؤ بمستقبل ومآلات تلك الصراعات نظرًا لتداخلها وتعقيدها، مشيرًا إلى أن عودة "ترامب" إلى البيت الأبيض ستزيد من تلك الصعوبة. وضمن الصراعات التي تناولها الموقع تتعلق ستٌّ منها بقضايا الشرق الأوسط، اختار مركز "صدارة للمعلومات والاستشارات" أن ينشرها على شكل أجزاء، وها هو الجزء الثالث الذي يتناول الوضع في سوريا بعد سقوط النظام الديكتاتوري لعائلة "الأسد"، الذي سيطر على البلاد أكثر من خمسين عامًا، وبدء مرحلة جديدة بتولي الثوار زمام الأمور في البلد المدمَّر.
مرحلة جديدة بعد سقوط ديكتاتورية " آل الأسد":
بدءًا بالأخبار الجيدة، فقد سقطت دكتاتورية "بشار الأسد" ويمكن لسوريا أن تنهض مجددًا بعد واحدة من أكثر الحروب دموية في العالم، لكن بعض الأمور قد تأخذ مسارًا سلبيًا؛ فقد ساد الجمود لعدة سنوات، وفي عام 2020 أدخلت تركيا قوات من جيشها إلى سوريا وأبرمت صفقة مع روسيا، التي استخدمت علاقاتها مع "الأسد" لوقف الهجوم على شمال غرب سوريا، الذي خشيت أنقرة أن يدفع ملايين اللاجئين إلى تركيا. وإثر هذه الهدنة أصبحت "هيئة تحرير الشام" (HTS) مسؤولة عن محافظة إدلب، فيما سيطرت "قسد" (قوات سوريا الديمقراطية - SDF) بقيادة الأكراد على الشمال الشرقي، وظن العالم أن الحرب انتهت وأن "الأسد" قد انتصر.
لكن في الـ27 من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، شنّت "هيئة تحرير الشام" هجومًا من إدلب، ورغم عدم تصديقها على ما يبدو، استولت على حلب، ثاني أكبر مدينة في البلاد، بعد قتال قليل. ومن هناك سارت جنوبًا وانتقلت إلى دمشق في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر، وسقط النظام الذي أسسه والد "بشار" وحكم سوريا لمدة 54 عامًا في أقل من أسبوعين. وترجع هزيمة الجيش السوري جزئيًا إلى القوات المدربة جيدًا التي جمعتها "هيئة تحرير الشام"، ثم إلى تدهور النظام نفسه؛ فقد أهمل "الأسد"، الذي كان يعتمد على الدعم المستمر من "حزب الله" وإيران وروسيا، قواته واعتمد على المجندين والجنود الاحتياطيين الذين يتقاضون أجورًا زهيدة إضافةً إلى الميليشيات الشيعية.
ونظرًا لضعفه، فقد وقف داعمو "الأسد" الخارجيون متفرجين أثناء تقدم الثوار، بينما عادت معظم وحدات "حزب الله" التي دافعت عن النظام إلى لبنان لمحاربة "إسرائيل"؛ حيث تكبدت خسائر فادحة، ولم تتمكن إيران، التي تعاني هي نفسها من الضربات "الإسرائيلية"، من مساعدة "الأسد". أما روسيا، التي نجحت قوتها الجوية في تحويل مجرى الحرب قبل ما يقرب من عقد من الزمان، فقد تورطت في حرب أوكرانيا. ومع انهيار دفاعات النظام، بدا أن موسكو وطهران قد قبلتا ضمانات "هيئة تحرير الشام" بأن إيران يمكنها سحب أصولها بأمان، وأن تنسحب روسيا إلى ميناء طرطوس على البحر المتوسط أو القاعدة الجوية في اللاذقية، وليس من الواضح إذا كانت روسيا ستحتفظ بالميناء والقاعدة، حيث تستخدمهما مركزًا لوجيستيًا لعملياتها في أفريقيا.
تحديات داخلية أمام الإدارة الجديدة:
تواجه "هيئة تحرير الشام"، التي يتولى زعيمها، أحمد الشرع، السلطة فعليًا، تحديات هائلة إذ يتمثل الخطر المباشر في الفوضى خصوصًا في ريف وسط وغرب سوريا. وقد نجحت "الهيئة" إلى حد كبير في تأمين المدن الكبرى، وعاقبت بعض الأشخاص المتهمين بالتحريض على الكراهية الطائفية، وأعلنت أنها ستحل جناحها المسلح وميليشيات أخرى لتشكيل جيش مركزي. كما نجح "الشرع"، الذي لم يتسامح مع المعارضة عندما كان يحكم إدلب، في تحسين الحماية للمسيحيين والدروز تدريجيًا، وتعهد بحماية الأقليات في جميع أنحاء البلاد. لكن قوات "الهيئة"، رغم أنها تُرى عمومًا على أنها منضبطة، ارتكبت بعض الممارسات العدائية؛ ففي حماة وحمص واللاذقية قام مسلحون بشكل عشوائي بقتل أعضاء من الأقليات المتهمة بدعم نظام "الأسد"، وأعدموا بعض شركائه.
كما إن حكم سوريا الجديدة يعتبر تحديًا آخر؛ حيث يتوقع السوريون من مختلف الفسيفساء الدينية والعرقية والثقافية في البلاد دورًا في الحكومة. ويخشى بعض السوريين من التوجهات الإسلامية، نظرًا للجذور الجهادية لـ"هيئة تحرير الشام". وإن كان العلويون، الذين يُنظر إليهم على أنهم القاعدة الشعبية لنظام "الأسد"، لديهم تخوف خاص من النظام الطائفي، فإن هناك قلقًا بين الأقليات الأخرى كذلك، وبعض السنة العلمانيين، والفصائل السياسية المتشككة حول دورها المستقبلي، وكثير من النساء. بدورها، لم تعرب "الهيئة" بعد عن رؤية لتحقيق ذلك، وبالتالي فإن تنفير المكونات الخائفة التي قد ترى في حكام سوريا الجدد التهديد الوجودي الذي صوره "الأسد" منذ فترة طويلة سيكون أمرًا خطيرًا، نظرًا لانتشار الأسلحة وآلاف الجنود السابقين للنظام المتمركزين في المناطق التي تهيمن عليها الأقليات.
تحديات خارجية:
هناك مخاطر أخرى من الخارج؛ فمع سقوط "الأسد" قصفت "إسرائيل" قواعد جوية سورية ومرافق بحرية ومستودعات أسلحة وسوّتها بالأرض، بما في ذلك منشآت للأسلحة الكيماوية. كما أرسلت "إسرائيل" قوات إلى منطقة مجاورة منزوعة السلاح ومواقع على قمة تل على الجانب السوري من الحدود، وهي خطوات وصفها رئيس الوزراء "الإسرائيلي"، بنيامين نتنياهو، بأنها مؤقتة ودفاعية. بالمقابل، انتقد "الشرع" القصف والهجوم، لكنه تعهد بالالتزام بالاتفاقيات القائمة مع "إسرائيل".
وفي شمال شرق سوريا، طرد "الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا قوات "قسد" من عدة بلدات، ما أدى لنزوح آلاف من الناس، وهم يهددون الآن مدينة كوباني ذات الأغلبية الكردية على الحدود التركية. من جهتها، تنظر أنقرة إلى "قسد" على أنها فرع من "حزب العمال الكردستاني"، الذي حاربته في تركيا وشمال العراق لعقود من الزمن. وقد يؤدي مزيد من القتال إلى تهجير آلاف آخرين وزيادة إجهاد عملية الانتقال في سوريا.
وهنا ينبغي التذكير بأن "قسد" تحرس آلاف المقاتلين السابقين من "تنظيم الدولة الإسلامية"، الذين قد يعزز هروبهم بقايا التنظيم التي تعيد تجميع صفوفها بالفعل في الصحراء. وقد كثفت الولايات المتحدة، التي تحتفظ بوجود صغير في الشرق، ضرباتها على التنظيم ودورياتها حول كوباني. وإذا أمر الرئيس القادم "ترامب" بالانسحاب الأمريكي المتسرع من سوريا، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى زعزعة الأمور أكثر. أما تركيا، التي من المتوقع أن تستفيد أكثر من أي جار آخر من سقوط "الأسد"، فينبغي عليها أن تسمح للسلطات السورية الجديدة بالتفاوض مع "قسد" بشأن إعادة دمج الشمال الشرقي بشروط يمكن للجميع التعايش معها.
أخيرًا، يجب على الدول الغربية والأمم المتحدة تخفيف العقوبات التي تعيق الإغاثة والاستثمار الذي تحتاجه سوريا بعد سنوات من الحرب. وينبغي للعواصم الغربية أن تصدر سريعًا تراخيص عامة تسمح بتدفق مزيد من المساعدات والنشاط الاقتصادي على الفور، والعمل في الوقت نفسه مع العواصم الإقليمية لإرشاد دمشق إلى ما ينبغي فعله لتخفيف العقوبات.