صراعات ستحدد شكل العالم في المرحلة القادمة - الجزء الخامس

الساعة : 15:47
24 يناير 2025
صراعات ستحدد شكل العالم في المرحلة القادمة - الجزء الخامس

المصدر: كرايسيز جروب

ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات

نشر موقع "كرايسيز جروب" استشرافًا لمستقبل عشرة صراعات في العالم استقبلها عام 2025، ستحدد تفاعلاتها وتداعياتها شكل العالم في المرحلة القادمة. وذكّر الموقع بصعوبة التنبؤ بمستقبل ومآلات تلك الصراعات نظرًا لتداخلها وتعقيدها، مشيرًا إلى أن عودة "ترامب" إلى البيت الأبيض ستزيد من تلك الصعوبة. وضمن الصراعات التي تناولها الموقع هناك ستٌّ منها تتعلق بقضايا الشرق الأوسط، اختار مركز "صدارة للمعلومات والاستشارات" أن ينشرها على شكل أجزاء، وها هو الجزء الخامس الذي يتناول الصراع بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" من جهة وبين إيران من جهة أخرى، وتداعيات هذا الصراع خلال الفترة القادمة ومدى قدرة كل من واشنطن وتل أبيب على ردع إيران وكبح جماح مشروعها النووي.

تراجع سريع لمحور المقاومة (وكلاء إيران في المنطقة):

في النصف الأول من عام 2024، كانت إيران ترى أن محور المقاومة الذي تدعمه؛ نظام الأسد في سوريا والجماعات المسلحة التي تضم "حزب الله" في لبنان والميليشيات في العراق وسوريا والحوثيين في اليمن، إضافةً إلى حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في غزة، ما زال يوفر للجمهورية الإسلامية قدرًا من الحماية والنفوذ في المنطقة. لكن، يا له من تغير دراماتيكي حدث خلال بضعة أشهر فقط! ففي تموز/ يوليو، قُتل زعيم "حماس"، إسماعيل هنية، في طهران، وفي أيلول/ سبتمبر فجّرت "إسرائيل" مئات من أجهزة النداء الآلي وأجهزة أخرى تابعة لـ"حزب الله"، ما أدى للقضاء على الكثير من قياداته الوسطى. وتلا ذلك غارات جوية وهجوم بري على لبنان، ما أسفر عن مقتل زعيم "الحزب"، حسن نصر الله، وتدمير معظم قياداته وكثير من صفوفه وأصوله العسكرية، إلى جانب تدمير العديد من القرى اللبنانية. كما أدت الضربات "الإسرائيلية" على إيران في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر إلى تدهور دفاعاتها الجوية ومخازن الصواريخ. وإثر إطاحة المسلحين في سوريا برئيس النظام، بشار الأسد، في أوائل كانون الأول/ ديسمبر، فقدت إيران حليفًا أنفقت مليارات الدولارات لدعمه، كما فقدت الطرق الجوية والبرية الأساسية التي كانت تستخدمها لإعادة إمداد "حزب الله".

لكن بالمقابل، ما زالت طهران تمتلك آلاف الصواريخ الباليستية؛ ففي تشرين الأول/ أكتوبر اخترق حوالي 30 من أصل 180 منها دفاعات "إسرائيلية"، إضافةً إلى ما تمتلكه الميليشيات المتحالفة معها في العراق، وما زال الحوثيون يواصلون إطلاق النار على "إسرائيل" من اليمن، كما إن "حزب الله" قد يعيد تجميع صفوفه. لكن محور المقاومة المتمركز حول محيط "إسرائيل"، الذي رأته إيران رادعًا ضد الهجمات "الإسرائيلية" أو الأمريكية، قد انكسر بقدر كبير. من جهة أخرى، فإن ما يثير قلق طهران أيضًا مدى قدرة وكالات الاستخبارات "الإسرائيلية"، ومدى قدرتها على تحمل المخاطر.

رغم ذلك، فإن خسائر طهران لم تدفعها بعد لتغيير حساباتها النووية، رغم ما حملته الضربات "الإسرائيلية" من ردع متوقع. كما إن التقدم الذي أحرزته إيران في برنامجها النووي منذ انسحاب "ترامب" من الاتفاق النووي لعام 2015 يعني أن وقت الاختراق (الأيام اللازمة لإنتاج المواد الانشطارية للرأس الحربي) يكاد يكون معدومًا، (سيستغرق تركيب الرأس الحربي أشهرًا إضافية). وبالتالي، فإن الصخب داخل النظام الإيراني من أجل القنبلة يزداد ارتفاعًا، ومع ذلك يبدو حتى الآن أن المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، ما زال يرى التنازلات النووية ثمنًا لرفع العقوبات وإعادة تنشيط الاقتصاد المتعثر، وربما يعتريه قلقٌ أيضًا من أن وكالات الاستخبارات "الإسرائيلية" أو الأمريكية قد تكتشف الاندفاع الإيراني نحو التسلح.

فرصة سانحة لكبح المشروع النووي:

يرى بعض مستشاري ترامب، مثل بعض "الإسرائيليين"، في ضعف إيران فرصة لشل برنامجها النووي أو حتى النظام الحاكم، لكن محاولة الإطاحة بالنظام، الذي لا يحظى بشعبية لكنه ليس هشًا، تعتبر حماقة؛ إذ إن زواله قد يؤدي إلى فوضى مثل فوضى العراق بعد عام 2003، مع احتمال أن ينتصر الحرس الثوري المتشدد. كما إن تدمير المواقع النووية، التي تقبع في أعماق الأرض، يتطلب حملة جوية بذخائر خارقة للتحصينات، وقد تدفع مثل هذه الضربات النظام، الذي سيرى ذلك خطرًا وجوديًا عليه، إلى الرد بكل ما لديه.

بنظرة أوسع، فإن آلاف الصواريخ التي أطلقت على "إسرائيل"، إلى جانب الهجمات على القوات الأمريكية في العراق والضربات الحوثية على ممرات الشحن في البحر الأحمر، قد تجر الولايات المتحدة إلى حرب لا يريدها "ترامب". ومن هنا، فإن إعادة تفعيل جهود الضغط الأقصى، عبر تكثيف العقوبات والعمل العسكري على غرار سياسة "ترامب" في ولايته الأولى بهدف إجبار إيران على تقديم تنازلات أكبر في المستقبل، سيكون أقل سوءًا لكنه سيظل أمرًا خطيرًا. فمن المؤكد أن العقوبات يمكن أن تساعد الدبلوماسية، لكن الضغط الأقصى سيسكب الوقود على منطقة مشتعلة بالفعل. كما إن دول الخليج، التي رحبت بنهج "ترامب" المتشدد في ولايته الأولى رغم أنها أصلحت منذ ذلك الحين علاقاتها مع طهران، تحذر من أن تكرار ذلك قد يؤدي إلى التصعيد. إضافةً إلى ذلك، فإن ممارسة مزيد من الضغوط قد يغلق نافذة الدبلوماسية المفتوحة حاليًا؛ والتي يبدو أن الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، يحظى بمباركة "خامنئي" للانخراط فيها.

الرهان الأفضل مفاوضات مبطنة بالتهديد:

والخلاصة، إن الرهان الأفضل هو البدء بالمحادثات، والتهديد بتصعيد التوتر إذا فشلت، رغم أن تحديد حدود البرنامج النووي الإيراني سيكون أكثر صعوبة مما كان عليه قبل عقد من الزمان، لكن الوصول الكامل للمفتشين والقضاء على مخزونات اليورانيوم المخصب على درجة قريبة من درجة الأسلحة سيكون البداية. وقد تكون الأحكام الأخرى أكثر سهولة؛ فقد كان العيب الرئيسي في اتفاق عام 2015 هو فشله في كبح جماح برنامج الصواريخ الإيراني ودعم وكلاء إيران بالشرق الأوسط، والذي كان أساس استياء الخليجيين من الاتفاق. أما هذه المرة، فمع ترنح هؤلاء الوكلاء أو ركوعهم، قد يكون التوصل إلى صفقة على مستوى المنطقة أكثر جدوى. وقد تقبل إيران (التي تم كبح جماحها) بتنازلات لم تكن متخيلة من قبل؛ ليس فقط عمليات التفتيش النووية لكن وقف شحنات الأسلحة إلى روسيا، أو إنهاء دعمها للمتشددين مقابل تعهد الولايات المتحدة بعدم مهاجمة طهران، أو حتى اتفاقية عدم اعتداء غير رسمية مع "إسرائيل".