الحدث
قال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عبر منصة "تروث سوشال"، إنه "يجب السماح للسفن الأمريكية، العسكرية والتجارية على حد سواء، بالمرور مجانًا عبر قناتي بنما والسويس! هاتان القناتان ما كانتا لتوجدا لولا الولايات المتحدة الأمريكية". وأشار إلى أنه كلف وزير خارجيته "بالتعامل الفوري مع هذا الملف"، ما يعني أن حديث الرئيس هو "طلب" سيجري تقديمه لمصر. من جانبه اكتفى وزير الخارجية المصري بالقول إنه من "الأفضل عدم الرد"، وذلك خلال اجتماع مع وفد مجلس أمناء الحوار الوطني.
الرأي
تُعد قناة السويس من أبرز مصادر العملة الأجنبية التي تعتمد عليها إيرادات الدولة في مصر، وقد بلغت إيراداتها في العام المالي الماضي 7.2 مليار دولار، مقارنة بـ9.4 مليار دولار في العام الذي سبقه، وذلك على الأرجّح نتيجة التوتر الأمني في البحر الأحمر. وتشكل السفن الأميركية ما بين 10% إلى 20% من إجمالي السفن التي تعبر قناة السويس سنويًا، وتدفع رسومًا تتراوح بين 400 ألف و700 ألف دولار لكل سفينة. مما يعني أن طلب "ترامب" يهدد مصر بخسائر مالية كبيرة.
لكن بخلاف العامل الاقتصادي، فإن قناة السويس تقع في قلب الشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة، منذ توقيع اتفاقية السلام بين مصر و"إسرائيل"، حيث تتلقى مصر منذ ذلك الحين معونات عسكرية أمريكية ثابتة تبلغ عمومًا حوالي 1.3 مليار دولار سنويًا، ومساعدات اقتصادية تعرضت لتغيرات مع الوقت. وفي المقابل، وإلى جانب التزام مصر باتفاقية السلام، فإن القاهرة تقدّم للولايات المتحدة مزايا تتعلق بأولوية عبور السفن العسكرية الأمريكية في قناة السويس، واستخدام الأجواء الجوية المصرية في تحركات القوات الأمريكية في المنطقة.
وبينما لا تتمتع الولايات المتحدة بأي وضع خاص تاريخيًا مرتبط بإدارة القناة، مقارنة مع القوتين الاستعماريتين بريطانيا وفرنسا، فإن "ترامب" يستند في طلبه هذا إلى أن الولايات المتحدة حاليًا هي من تتصدى لمسألة تأمين الملاحة في البحر الأحمر ضد هجمات "الحوثيين"، في حين أن مصر وأوروبا اللتان ستجنيان الثمار التجارية والاقتصادية لإعادة الأمن في الممر البحري لا تتحملان تكلفة ذلك. وقد أفادت شبكة CNN بأن التكلفة الإجمالية لعملية الجيش الأمريكي ضد "الحوثيين" قد اقتربت من مليار دولار في أقل من ثلاثة أسابيع، وهي تكلفة سيعمل "ترامب"- كعادته- على توزيعها على الجهات التي يرى أنها مستفيدة. ولذلك؛ فقد شارك مستشار الأمن القومي الأمريكي، مايك والتز، منشور "ترامب"، وكتب عبر منصة "إكس": ينبغي على الولايات المتحدة ألا تدفع لعبور قناة تدافع عنها".
ليس من الواضح بعد إلى أي مدى سيتمسك "ترامب" بمثل هذه المطالبات التي تفاجئ حلفاءه وتقوض موثوقية الشراكة مع الولايات المتحدة، لكن نظرًا لضعف مصر الراهن اقتصاديًا، وأهمية الشراكة الأمنية والعسكرية مع الولايات المتحدة، فمن المرجّح أن يغلِب على تعامل القاهرة نهج "الدبلوماسية الهادئة"، وتجنّب الصدام مع الإدارة الأمريكية. لكن من المتوقع أن تؤثر مثل هذه التطورات، خاصة بعد موقف مصر من ملف التهجير في غزة، على مقدار الأهمية التي ستوليها إدارة "ترامب" لمصر مقارنة مع باقي الحلفاء في المنطقة، خاصة السعودية والإمارات. وهو الأمر الذي يمكن ملاحظته من تأكيد "ترامب" أن زيارته للمنطقة ستقتصر "عربيًا" على السعودية والإمارات وقطر.