الحدث:
استهدف الطيران الحربي "الإسرائيلي" عبر عشر غارات عنيفة ستة معارض للجرافات والحفارات على طريق بلدة "المصيلح" (قضاء صيدا)، أسفرت عن تدمير 300 جرافة وآلية، في وقت أحصت وزارة الصحة استشهاد شخص من الجنسية السورية، وإصابة سبعة آخرين بجروح بينهم امرأتين. وقد وجّه وزير الخارجية اللبناني، يوسف رجّي، بعثة لبنان في الأمم المتحدة بتقديم "شكوى عاجلة" إلى المنظمة الأممية ومجلس الأمن ضد "إسرائيل"، كونها استهدفت منطقة اقتصادية، وأدت إلى مقتل وجرح عدد من المدنيين.
الرأي:
نفّذت "إسرائيل"، منذ وقف إطلاق النار في أواخر تشرين الثاني 2024، نحو 42 اعتداءً استهدف مهندسين مدنيين من مؤسسة "جهاد البناء" التابعة لحزب الله، وجرّافات وحفّارات في بلدات حدودية جنوبية ومناطق أخرى في الجنوب والبقاع، ما أدى إلى سقوط 23 شهيداً وجرح العشرات، إلا أن هذا الهجوم كان الأعنف والأوسع على الإطلاق في هذه السلسلة التي تستهدف قطاع البناء والإعمار. إذ يحمل هذا الهجوم رسالة واضحة المعالم بأنه لا إعادة إعمار ولو بالحدّ الأدنى، ليس فقط في القرى الحدوديّة بل في الجنوب كاملًا، قبل الوصول إلى اتّفاق نهائيّ يضمن نزع سلاح "حزب الله" وتثبيت أمن الحدود، توازيًا مع الإبقاء على منطقة عازلة على امتداد قرى الشريط الحدودي.
وفي هذا الصدد، كان لافتًا توقيت ومكان الهجوم الذي حمل رسائل متعددة، أولها تجاه "حزب الله" الذي كان لديه توجّه فعلي للانتقال إلى مرحلة جديدة عنوانها "ضرورة ترميم البنية المدنية والخدماتية" التي تضررت بفعل الحرب، والتي كانت التحضيرات لها قد بدأت بوتيرة متقدمة. والثانية تجاه رئيس مجلس النواب، نبيه بري، حيث تعتبر منطقة "المصيلح" إحدى معاقله التي يقع فيها قصره، وذلك رداً على مواقفه الأخيرة من ملف إعادة الإعمار من خلال سعيه لإدراج بنود تنفيذيّة في الموازنة العامة للدولة لتمويل إعادة الإعمار، وتحريك قرض مجمّد بقيمة 250 مليون دولار من البنك الدوليّ لإعادة إعمار البنى التحتية المتضرّرة.
وأما الرسالة الثالثة فكانت للدولة اللبنانية، والتي وفق المعلومات كانت تنوي التعاون مع المنشآت التي استُهدِفت للبدء بعملية تأهيل للبنى التحتية في 38 بلدة جنوبية، بتمويل من قروض قديمة جمعتها الحكومة بقيمة 100 مليون دولار وبإشراف مباشر من الرئيس بري.
تجدر الإشارة في هذا الصدد، أن المحاولات "الإسرائيلية" لتجميد عجلة إعادة الإعمار بالاستهداف العسكري المباشر قد رافقتها إجراءات مالية اتخذتها شركة "whish" لنقل وتحويل الأموال من خلال إقفالها حسابات تابعة لرؤساء بلدات جنوبية، وحسابات أخرى لجمعية "تعاونوا" التابعة لـ"حزب الله"، والتي كان يجري من خلالها تحويل أموال لصالح عمليات الترميم أو شراء البيوت الجاهزة أو بناء مراكز تعليمية وخدمية مؤقتة.
بالتوازي مع ذلك، عزز الهجوم في توقيته كذلك عقب إعلان اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، مخاوف في الداخل اللبناني من أن تتفرغ "إسرائيل" بشكل أكبر للساحة اللبنانية وأن يكون مقدمة لحملة تصعيدية لممارسة الضغط بالنار بشكل أكبر على "حزب الله" وعلى الدولة اللبنانية للإسراع في إنجاز ملف نزع سلاح "الحزب" واستكمال تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان.