الحدث
أوعز وزير جيش الاحتلال، يسرائيل كاتس، بتحويل المنطقة المجاورة للحدود المصرية إلى منطقة عسكرية مغلقة، مع تعديل قواعد إطلاق النار تبعا لذلك، كما توصل إلى اتفاق مع رئيس الشاباك على أن يُصنّف تهريب الأسلحة عبر الطائرات المسيّرة كتهديد "إرهابي". جاء هذا بعد يوم من مطالبة وزير النقب والجليل و"تعزيز الصمود القومي"، يتسحاق فاسرلاوف، وهو عضو في المجلس الوزاري الأمني المصغّر (الكابينيت)، بعقد جلسةٍ طارئةٍ لمناقشة "تزايد الخروقات الأمنية على الحدود مع مصر وتعاظم القوة العسكرية للجيش المصري". وحذر في رسالةٍ وجّهها إلى رئيس الحكومة نتنياهو، من أنّ السنوات الأخيرة شهدت "اتجاهًا ثابتًا نحو التسلح والتعاظم العسكري الواسع داخل الجيش المصري".
الرأي
تواصلت في الآونة الأخيرة عمليات التهريب بين سيناء والأراضي المحتلة في فلسطين، وبينما أحبطت قوات الاحتلال عدداً متزايداً من تلك المحاولات، إلا أن استمرارها يشير إلى جهود منظمة تعتقد الأجهزة "الإسرائيلية" أنّ مصر إمّا لا ترغب أو لا تمتلك القدرات على إحباطها بشكل فعّال، وهو أمر يهدد بتطوير خطوط إمداد لوجستية تساعد المقاومة في غزة على إعادة بناء قدراتها القتالية بعد الحرب.
ولذلك؛ فإن مشروع القرار الأمريكي المقدم مؤخراً إلى مجلس الأمن الدولي بخصوص "قوة الاستقرار" في غزة ينص على تولي "إسرائيل" حماية الحدود مع مصر، بالمخالفة لاتفاقية السلام المصرية "الإسرائيلية"، وهو ما يعني أن الإدارة الأمريكية تشارك حكومة الاحتلال نفس المخاوف الأمنية، وأن موقفها متناغمًا بصورة مع المقاربة "الإسرائيلية"، إذ تميل واشنطن إلى تحويل ملف الحدود إلى رافعة للضغط على القاهرة ضمن تصور أوسع لإدارة مرحلة ما بعد الحرب في غزة.
وسواء تمكن الجانبان المصري و"الإسرائيلي" أم لم يتمكنا من التوصل لتفاهمات أمنية جديدة في المنطقة الحدودية تستجيب للواقع الجديد بعد حرب غزة، فإنه من غير المرجح أن يخطط جيش الاحتلال لترك المنطقة الحدودية في المدى القريب بغضّ النظر عن تقدّم مسار وقف إطلاق النار والانتقال إلى مراحله اللاحقة. لكن في المدى البعيد، من المرجح أن يتوصل الجانبان إلى هذه التفاهمات، أو أن يجري الاستسلام للأمر الواقع الجديد الذي يسعى الاحتلال لإضفاء الشرعية الدولية عليه عبر قرار مجلس الأمن المحتمل.
وفي سياق متصل، فإن المخاوف الأمنية المتزايدة إزاء الانتشار المصري في سيناء، والقلق المعلن من قبل مسؤولين "إسرائيليين" إزاء وتيرة تسلح الجيش المصري عموما، تضيف بعداً آخر يدفع جيش الاحتلال للتمسك بانتشاره على الحدود باعتبار أن مسألة التراجع عن ذلك يجب أن ترتبط بالتزامات مصرية مقابلة تشمل إجراءات مشتركة لتأمين الحدود بآليات تقنية متقدمة، وخفض عدد ونوعية القوات المصرية في سيناء، وربما تقييد البنية التحتية الاستراتيجية المصرية في سيناء والتي تنظر إليها المؤسسة الأمنية "الإسرائيلية" كبنية هجومية محتملة.
وفي المحصلة، تسعى "إسرائيل" إلى تثبيت معادلة أمنية على الحدود المصرية تُحوّل وجودها العسكري من وضع مؤقت إلى واقع مستدام، تحت ذريعة مكافحة التهريب وضمان أمنها. وفي المقابل، تجد القاهرة نفسها أمام تحدي موازنة ضرورات التنسيق الأمني مع حماية سيادتها على سيناء ومنع تدويل ترتيبات الحدود.