المصدر: أكسفورد أناليتيكا
الترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات
الرابط: لقراءة وتحميل الترجمة / اضغط هنا
في ظل استمرار الصراع الداخلي المسلح في السودان بين قوات الجيش بقيادة اللواء عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع (سليلة "الجنجويد") التي يقودها محمد حمدان دقلو "حميدتي"، يشعر جيران السودان الإقليميون بقلق متزايد بشأن تداعيات ذلك الصراع. فقد شهدت مصر، الداعم الرئيسي لـ"البرهان"، تدفقًا هائلًا للاجئين وهي تخشى من تأثير الأزمة على ملف مياه النيل ونزاعها مع إثيوبيا حول قضية "سد النهضة"، في حين تواجه كل من تشاد وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى مخاطر كبيرة مع تصاعد القتال في دارفور. على جانب آخر من الإقليم، تتطلع كل من السعودية والإمارات، اللتين انخرطتا بشكل مكثف في السودان في السنوات الأخيرة، لحماية استثماراتهما الاقتصادية ومصالحهما السياسية.
لكن رغم أن طرفي النزاع يبذلان جهودًا كبيرةً لمحاولة كسب الناس كلٌّ لصفه من خلال الحملات الدعائية، إلا أن النزاع لم ينزلق حتى الآن إلى حرب أهلية شاملة، بمعنى أن المدنيين السودانيين لم ينجذبوا بعد إلى الصراع ولم يدعموا أيًّا من الطرفين؛ حيث يعارضون الحرب ويرفضون التحالف مع أي من الجانبين. ويبدو ذلك من خلال مواقف السودانيين من عسكرة بلدهم وأنهم يعتبرون تلك الحرب صراعًا بين جنرالين يقاتلان من أجل السلطة والثروة وأمور أخرى، لكن رغم ذلك لا يزال التخوف قائمًا من أنه إذا استمرت الحرب فقد يتغير هذا الوضع.
على مستوى تدخل الأطراف الخارجية، تمكنت الولايات المتحدة والسعودية، مع التهديد بفرض عقوبات، من إقناع الطرفين بالموافقة على إعلان الالتزام بحماية المدنيين وبالقانون الإنساني الدولي، لكن حتى الآن لم يتم اتخاذ أي خطوات عملية على الإطلاق امتثالًا لتلك الالتزامات. كما إن المحادثات الجارية في جدة تنحصر حاليًا في التركيز على وضع بعض الترتيبات العملية، مثل الممرات الإنسانية الآمنة وتحقيق وقف مراقب للأعمال العدائية. لكن فيما يتعلق بمدى تمكّن أطراف بعينها من ممارسة النفوذ لإجراء وساطة فعالة، فإن الخيار الأفضل هو إشراك الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية "IGAD" بطريقة منسقة لمنع تجزئة الوساطة.
ومن غير الواضح إذا كان هذا الضغط سيكون كافيًا أم لا؛ إذ يبدو أن كلا الجنرالين يعتقدان أن لديهما خيارات عسكرية متاحة، وبالتالي يأمل كلاهما في تحقيق أقصى فائدة عسكرية قبل الذهاب إلى المحادثات. فمن جهتها، تمتلك قوات الدعم السريع ميزة رئيسية وهي ترسخها في المناطق السكنية بالخرطوم، ما يعني أنها ستقاوم الدعوات لسحب القوات من تلك المناطق، رغم أن ذلك ضروري لتحقيق وقف إطلاق نار فعال. لذلك، فمن المحتمل فرض عقوبات على كلا الجانبين لقطع شبكاتهما المالية ووقف التدفقات النقدية إليهما. إضافةً إلى ذلك، هناك ضغط على الوسطاء الإقليميين والدوليين لمحاولة تنسيق الجهود، لضمان حصول الأطراف المتحاربة على رسالة موحدة مفادها أنه لا يوجد خيار عسكري؛ فطموح أيٍّ من الطرفين لتحقيق نصر صريح ينذر بخطر حرب طويلة الأمد.
رغم ذلك، من الصعب التنبؤ بمدى إمكانية نجاح الجهود المبذولة في هذا الإطار؛ فليس من الواضح إن كانت مصر مستعدة لكبح الجيش السوادني عن مواصلة القتال، نظرًا لمصالحها الخاصة التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بانتصار "البرهان" في الحرب. بالمقابل، توجد علاقة مماثلة بين "حميدتي" والإمارات، لكن الآمال معقودة على أن تتمكن السعودية بالتعاون مع الولايات المتحدة من ممارسة بعض التأثير على كل من مصر والإمارات.
تاريخيًا لا تنتهي الحروب في السودان بسرعة، وفي السياق الحالي لكل طرف مزايا مختلفة؛ فقدرة قوات الدعم السريع على إعاقة حركة الحياة في العاصمة تجعل بقاء المدنيين أمرًا صعبًا للغاية. أما قوات الجيش فيبدو أن أولويتهم هي استعادة السيطرة على الخرطوم والطريق شمالًا إلى مصر والطريق شرقًا إلى بورتسودان، وقد رأينا ذلك في الماضي في عهد "البشير" عندما شعرت الحكومة أنه يمكنها الاستمرار في العيش مع الصراع الداخلي المستمر طالما كانت تسيطر على الشمال والوسط.
وحتى إذا تم طرد قوات الدعم السريع في نهاية المطاف من الخرطوم، فمن المؤكد أنهم سينسحبوا إلى معاقلهم في دارفور، وقد يؤدي ذلك لاحقًا إلى قتال طويل الأمد في ذلك الجزء من البلاد. لكن لكي يتمكن من إخراج قوات الدعم السريع من الأحياء، سيحتاج الجيش إلى زيادة القصف الذي سيؤدي إلى مزيد من الدمار. وكلما طال أمد الصراع زاد تعقيده؛ حيث يهدف اللاعبون الإقليميون لرؤية نوع من الانتصار بشكل أو آخر، غير عابئين بالعودة إلى الوضع الراهن، وفي ظل ذلك كله أصبحت سياسة السودان مثل سياسة جنوب السودان.