المصدر: ذا إنستيتيوت فور ناشيونال سيكيوريتي ستاديز
ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات
الرابط: لقراءة وتحميل الترجمة / اضغط هنا
عاد التطبيع المحتمل بين "إسرائيل" والسعودية ليتصدر العناوين الرئيسية، في ضوء إشارة الرئيس "بايدن" العلنية إلى المبادرة وتقارير عن جهود خلف الكواليس لعقد اتفاق، ربما يقرّبنا من اليوم الذي يمشي فيه رئيس وزراء "إسرائيلي" علنًا في الرياض.
يدرس الرئيس الأمريكي، جو بايدن، خيارات الترويج لتحرك إقليمي رائد في الشرق الأوسط، والذي سيركز بشكل أساس على التطبيع بين السعودية و"إسرائيل" مقابل التزام الأخيرة باتخاذ خطوات معينة بشأن القضية الفلسطينية، وموافقة الولايات المتحدة على سلسلة من الإجراءات المهمة. من جهتها، تطالب السعودية باتفاقية دفاعية وبرنامج نووي مدني وأنظمة أسلحة متطورة، والجديد في هذه الخطوة الديناميكية هو الرغبة الواضحة لدى إدارة "بايدن" في تلبية المطالب السعودية، لكن احتمالات نجاح هذه التحركات غير واضحة؛ حيث يدرك "بايدن" أن الجهات الفاعلة الإقليمية، خصوصًا "إسرائيل"، ستكون مطالبة باتخاذ قرارات تاريخية.
وفي مقابلة مع كاتب العمود بصحيفة "نيويورك تايمز"، توم فريدمان، قبل التصويت الخاص بالإصلاح القضائي في "إسرائيل"، صرح "بايدن" بوضوح عن اعتراضه على الإصلاح القضائي الذي تقوده الحكومة "الإسرائيلية"، بينما تناول الجزء الثاني من المقابلة، الذي نُشر في الـ27 من تموز/ يوليو الماضي (بعد تصويت الكنيست)، جهود الإدارة للترويج لاتفاق تطبيع بين السعودية و"إسرائيل". وفي الـ28 من الشهر نفسه أشار "بايدن" علنًا إلى المبادرة وقال إن "التقارب قد يكون جاريًا"، لكنه لم يقدم أي تفاصيل أخرى.
ووفقًا لـ"فريدمان"، فقد أرسل "بايدن"، في الـ27 من تموز/ يوليو، مستشاره للأمن القومي ومنسق مجلس الأمن القومي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى المملكة (للمرة الثانية في غضون بضعة أشهر فقط)، لمناقشة تلك الحزمة الإقليمية. وقد ورد أنه سيُطلب من الأطراف اتخاذ سلسلة من الخطوات مقابل استعدادهم لقبول الصفقة، التي من شأنها (حال تنفيذها) أن تضع القادة المعنيين في مواجهة تحديات استراتيجية وسياسية معقدة، نجملها فيما يلي:
· من المرجح أن تطالب السعودية باتفاق دفاعي مع الولايات المتحدة على غرار التزامها تجاه الدول الأعضاء في "الناتو"، يتضمن التعهد بالدفاع عن المملكة حال تعرضها للهجوم، والسماح بمبيعات أسلحة متقدمة غير محدودة تقريبًا، والموافقة على برنامج نووي سعودي مدني بتصور أمريكي لم يتم تحديده بعد.
· إلى جانب التطبيع مع "إسرائيل"، من المرجح أن تطالب الولايات المتحدة المملكة بإنهاء الحرب في اليمن، وتزويد السلطة الفلسطينية بحزمة مساعدات سخية، والحد من علاقاتها المتنامية مع الصين.
· من المتوقع أن يُطلب من "إسرائيل" تجنب أي إجراءات قد تؤثر سلبًا على حل الدولتين مستقبلًا مع الفلسطينيين، وتحقيقًا لذلك تلتزم بالامتناع عن ضم الضفة الغربية وإنشاء مستوطنات جديدة وإضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية غير القانونية، ونقل بعض الأراضي من المنطقة (ج) إلى السيطرة الفلسطينية، واتخاذ خطوات بشكل عام لتقوية السلطة الفلسطينية.
· يُرجح أيضًا أن يُطلب من السلطة الفلسطينية مباركة الصفقة مقابل مساعدة سعودية كبيرة والتنازلات "الإسرائيلية" المذكورة.
لا تقدم مقالة "فريدمان" أي معلومات جديدة بخصوص تفاصيل الصفقة التي طالما فكرت فيها واشنطن، والتي تكمن أهميتها في توقيتها الذي اختاره "بايدن" وفي الاستعداد الأمريكي لتسريع هذه الخطوة، وهو ما أظهره إيفاد المستشارين الأمريكيين إلى الرياض. وقد يعتمد استعداد الإدارة للترويج للصفقة على افتراض أن رئيس الوزراء "الإسرائيلي"، بنيامين نتنياهو، الذي أعلن أن التطبيع مع السعودية هو أحد الأهداف الرئيسة لحكومته، قد يعتبر الصفقة وسيلة للخروج من المستنقع السياسي في "إسرائيل". فقد يكون تحرك إدارة "بايدن" نوعًا من "رد" الرئيس على فشل جهوده في إقناع "نتنياهو" بتجنب تمرير قانون يلغي "معيار المعقولية" في غياب إجماع سياسي واسع، وفي ظل المطالب السعودية يبدو أن الإدارة تدرك ضرورة دفع ثمن باهظ للتطبيع، وهي على استعداد لفعل ذلك.
بدوره، يسعى "بايدن" إلى الضغط على الأطراف الإقليمية لضرورة اتخاذ قرارات تاريخية؛ في وقت تواجه فيه المؤسسة الأمنية الأمريكية حاليًا تحديات عالمية كبرى مثل تحديات ساحة آسيا والمحيط الهاديء ومواجهة روسيا في أوكرانيا، وهي بدورها ستواجه ضغوطًا شديدة لتقديم ضمانات عسكرية لأي دولة، ناهيك أن تكون هذه الضمانات للسعودية بحدودها الطويلة والتهديدات الكثيرة التي تحيط بها.
في الإطار ذاته، فإن طلب الرياض بأن تقبل الولايات المتحدة برنامجًا نوويًا مدنيًا سعوديًا، والذي سيشمل قدرات تخصيب مستقلة دون التوقيع على اتفاقية خاصة لمنع خطر الانتشار، سيشكّل صعوبات كبيرة للإدارة وبالتأكيد لـ"إسرائيل". فإذا وافقت الولايات المتحدة على هذا الطلب سيضطر السعوديون للموافقة على إشراف أمريكي صارم، بينما كان أحد الخيارات المقترحة في الماضي هو إنشاء شركة نووية أمريكية سعودية أو ما يسمى "أرامكو النووية"، والتي من شأنها أن تمكن الولايات المتحدة من الإشراف على إنشاء وتشغيل برنامج تخصيب اليورانيوم. لكن وجود برنامج نووي مدني في المملكة يشمل تخصيب اليورانيوم ينطوي على خطر حقيقي؛ لأن دولًا أخرى في الشرق الأوسط قد تطرح مطالب مماثلة، ما سيزيد من خطر الانتشار النووي في المنطقة. فعلى سبيل المثال، تخلت الإمارات عن تخصيب اليورانيوم داخل حدودها مقابل المساعدة في إنشاء برنامجها النووي، ولا يمكن استبعاد احتمال أن تطالب بإعادة التفاوض على الاتفاقية أو تسعى للحصول على تعويض من الولايات المتحدة.
بالمثل، فإن الطلب السعودي للحصول على أسلحة أكثر تقدمًا يثير مخاوف جدية في الولايات المتحدة بشأن سباق التسلح الإقليمي، الذي قد تشارك فيه كل من مصر والإمارات وحتى "إسرائيل" التي بسببها ستواجه الولايات المتحدة مشكلة في الوفاء بالتزاماتها التعاقدية، وذلك للحفاظ على تفوقها العسكري. فعلى سبيل المثال، إذا تم بيع مقاتلات "F-35" إلى المملكة (وقد كانت الرياض مهتمة بذلك)، فهناك مخاوف حقيقية بشأن مستقبل هذه الأسلحة في حالة تعرض المملكة لاضطراب داخلي كبير. كما إن الإمارات، التي لم تتسلم هذه الطائرات حتى الآن وتدّعي أنها وُعدت بها من قبل واشنطن، وقد تعتبر تسليمها إلى المملكة حافزًا لتجديد مطالبتها بها أو بمثابة ضربة لمكانتها.
من ناحية أخرى، فإن الرد الأمريكي الإيجابي على الطلب السعودي بعقد اتفاق دفاعي أو تقديم ضمان بذلك، سيدفع على الأغلب دولًا أخرى في المنطقة بما فيها "إسرائيل" لتقديم طلبات مماثلة، وموافقة الإدارة على مثل هذه المطالب ستسهم في إرساء بنية الأمن الإقليمي التي سعت إليها طويلًا.
إن الخطوات المذكورة أعلاه مجتمعةً تهدف إلى زيادة الضغط على إيران وإجبارها على ممارسة ضبط النفس في المفاوضات حول الملف النووي، إضافةً إلى التوضيح لكل من إيران وروسيا والصين أن الولايات المتحدة لا تزال القوة المهيمنة في الشرق الأوسط.
من الجهة الأخرى، فإن الجوانب الاستراتيجية ترتبط باعتبارات معيارية وسياسية داخلية للولايات المتحدة؛ فالحزب الديمقراطي، وكذلك الرئيس نفسه، لديه نفور قوي من السعودية بشكل عام ومن ولي العهد وحاكمها الفعلي، محمد بن سلمان، على وجه الخصوص. فخلال حملته الرئاسية الأخيرة أشار "بايدن" إلى المملكة كدولة منبوذة، وتجنب الاتصال مع "بن سلمان" لفترة طويلة. وحتى لو تطور موقف الرئيس بسبب الأهمية الاستراتيجية للمملكة، (يرجع ذلك أساسًا إلى أزمة الطاقة الناتجة عن الحرب في أوكرانيا، وتقدير الإصلاحات المحلية بعيدة المدى التي نفذها "بن سلمان")، فستواجه الإدارة صعوبة كبيرة في التغلب على اعتراضات الكونجرس على المطالب السعودية. وقد يكون مفتاح التغلب على هذه العقبة المحتملة موافقة "إسرائيل" على اتخاذ خطوات عملية بشأن القضية الفلسطينية، التي من شأنها تلبية مطالب الإدارة والعديد من المشرعين الديمقراطيين، الذين يسعون إلى وقف التوسع الاستيطاني "الإسرائيلي" وضم الضفة الغربية والحفاظ على آفاق حل الدولتين في المستقبل.
إن معظم مطالب الولايات المتحدة لتشجيع التطبيع تستهدف "إسرائيل"، وبالتالي من المتوقع أن يلقى أي تقدم في هذا الصدد معارضة شركاء "نتنياهو" في الائتلاف وربما يؤدي إلى سقوط حكومته. وقد تسعى الإدارة إلى تحقيق أحد الخيارين التاليين؛ إما تشكيل حكومة ائتلافية جديدة أكثر اعتدالًا في "إسرائيل"، أو انتخابات جديدة للكنيست، والتي ستشكل في الواقع استفتاءً على مستقبل الضفة الغربية. لكن من وجهة نظر الإدارة، قد تكون مبادرة التطبيع جذابة بما يكفي لدفع "نتنياهو" إلى تبنيها رغم الصعوبات؛ حيث ستتيح له فرصة دخول التاريخ كقائد لعملية تحول إقليمي رائدة، وستمكنه من إخراج نفسه من مستنقع الإصلاح القضائي وصرف انتباه الجمهور عن ملفه القانوني الشخصي.
أما بالنسبة للفلسطينيين، فكما هو الحال مع "اتفاقات أبراهام"، سيظلون متفرجين لكنهم مع ذلك قد يحصلون على فوائد كبيرة إذا تحققت تلك الخطوة، وهي وقف عملية ضم الضفة الغربية إضافةً إلى مساعدات مالية كبيرة، بينما سيكون الخاسر الرئيسي في هذا السيناريو هو إيران. إن الإدارة الأمريكية تعتبر هذه الخطوة وسيلة لتقليل إمكانية القيام بعمل عسكري "إسرائيلي" ضد البرنامج النووي الإيراني، وتخفيف حدة التوتر بين "إسرائيل" وإيران في سوريا وبين "إسرائيل" وكل من "حزب الله" و"حماس" و"الجهاد الإسلامي" في فلسطين.
وقد يكون التطبيع الجزئي بين تل أبيب والرياض ممكنًا حتى دون اتفاق "إسرائيلي" فلسطيني كامل، لكن مع سعي السعوديين للحصول على الفوائد الرئيسية للتطبيع مع "إسرائيل" من الولايات المتحدة، فإنهم لا يزالون بحاجة إلى بعض التعويضات من "إسرائيل" في الملف الفلسطيني، وذلك لتسويقه على أنه مساهمة منهم في حل الدولتين. لكن تحقيق هذا الهدف قد يكون من الصعوبة بمكان، لأن سياسة الحكومة "الإسرائيلية" الحالية في الإطار الفلسطيني تحول دون القدرة على خلق ظروف مواتية للتقدم "الإسرائيلي" السعودي.
أخيرًا، لن يخلُ الضغط الأمريكي من أجل التطبيع بين "إسرائيل" والمملكة من حسابات "بايدن" نفسه، نظرًا للحملة الانتخابية القادمة عام 2024 وطموحه في تحقيق إنجاز كبير في السياسة الخارجية. في الوقت نفسه، فإن ما قد يجعل هذه المبادرة قابلة للتطبيق هو أنها تنبع على ما يبدو من التزام الرئيس الشخصي العميق برؤيته لـ"إسرائيل" كدولة ديمقراطية ويهودية، ورغبته في "إنقاذ إسرائيل من نفسها" وتعزيز أمنها في السياق الفلسطيني "الإسرائيلي" وفي السياق الإقليمي أيضًا.